مدونة آسو
كيف تنظر الصحافة إلى المواقع الإلكترونية؟
جوان تتر
بدت الصحافة الورقيَّة خلال السنوات الأخيرة في أزمة فعليّة، قياساً إلى وضع الصحافة الإلكترونيَّة التي بدت تزدهر حقيقةً ووفقاً لإحصاءاتٍ دقيقة لا يمكن التغاضي عنها مطلقاً، لذا دُقَّ ناقوسُ الخطر عقِبَ ما شهده المشهد الصحافيّ الورقي من إغلاق بعض الصحف العربيَّة الشهيرة وإفلاسها مادياً وبشرياً، أو انتقال بعضها إلى استخدام المواقع الإلكترونية كبديل عن الطباعة توفيراً للجهد والنفقات، وهذا الواقع لا ينطبق على الصحافة المكتوبة فقط، إنَّما انسحب على كل وسائل الإعلام المتبقيَّة كالإذاعات والتلفزيونات وغيرها.
سنتعرّف في هذا المقال إلى آراء بعض الصحافيين الذين عملوا في مجال الصحافة الورقيَّة، ومن ثمّ انتقلوا إلى الإلكترونية، ونعرف رأيهم في هذا الانتقال ونتيجه.
الصحافة الورقيَّة لا تلبّي الاحتياجات
يقول الصحافي ومسؤول موقع شبكة “آسو” الإخباريَّة الإلكترونيَّة سردار ملا درويش إنَّ: “تكرار السؤال في قضية هل أنَّ الصحافة الإلكترونيَّة أو الرقميَّة ستكون بديلاً عن الصحافة الورقيَّة يتكرَّر بلغة التساؤل، لكن هو في واقع الحال حقيقة فعليَّة وملموسة، وخاصَّةً بعد أن بدأت كبرى المؤسسات الصحافيَّة حول العالم بالتفكير جليَّاً في موضوع الانتقال إلى الصحافة الإلكترونيَّة”، مفسِّراً هذا الانتقال بإدراك تلك المؤسسات: “أنَّ الصحافة الورقيَّة ما عادت تلبّي احتياجات المعرفة أو استقطاب الجمهور الصحافي”.
فضاء الحريَّة
وعن نظرته للصحافة الإلكترونيَّة أو الرقمية يقول درويش إنَّ: “الصحافة الإلكترونية بدأت تغزو المجتمعات، واستطاعت تجاوز الهيمنة السابقة لوسائل الإعلام المسموعة أو المرئيَّة أو المكتوبة، عدا أنَّها ساهمت في خلق فضاءات للحريَّة وكسر الاحتكارات، وبات بإمكان كل فرد في أقاصي العالم التعبير عن رأيه وأن يكون إنساناً فاعلاً في مجتمعه، عبر الفرص المتاحة في وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات الحديثة”، متابعاً حديثه بالإشارة إلى نقطةٍ هامَّة وحتميَّة، وهي أنّ: “الصحافيين والمؤسسات الإعلامية تتابع تطور السوشيال ميديا، وتحاول التماشي مع الواقع المتواجد، حيث أنّ الجميع باتَ تقليديَّاً أمام ثورة الاتصالات الحاليَّة وهيمنة الصحافة الرقميَّة”.
تجربة شخصيَّة
يسرد لنا الصحافي السوري ماجد اليمن وجهة نظره وتخوّفه من خلال تجربته الشخصيَّة في العمل بصحيفة ورقيَّة فيقول: “ثمَّة خوف كبير من فقدان الصحافيين لوظائفهم على إثر طغيان الصحافة الإلكترونيَّة، لذا فإنَّ أغلب الصحافيين بدأوا بالالتحاق بدورات تصميم للمواقع الإلكترونية وكيفيَّة العمل على الصفحات الرقميَّة الخاصة بالوسائل الإعلاميَّة”، مشيراً إلى نقطة ثانية ذات أهميَّة وهي أنَّ: “الصحافة الرقميَّة من البديهيّ والمؤكّد سوف تصبح بديلاً عن الصحافة الورقيَّة، لأنّ الأولى تتميَّز بسهولة إيصال المعلومة أو الخبر إلكترونيَّاً عن الورقي”، والسبب في هذا التحوّل وفقاً لرأيه هو أنّ: “الصحافة الرقميَّة تكلفتها الماديَّة أقلّ بكثير من تلك التي في الصحافة الورقيَّة، ناهيك عن سرعة وصول الخبر”، ينهي اليمن حديثه بالوصول إلى نتيجة مؤكّدة وفقاً لرأيه وهي أنَّ: “الصحافة الورقيَّة في طريقها إلى الاندثار والاضمحلال حتماً!”.
نظرة موسَّعة
فيما ينظر الصحافي السوري عدنان نعوف إلى الموضوع من زاوية رؤية أوسع، فيقول: “لم يكن ظهور الصحافة الإلكترونية ومجمل موجة “الإعلام الجديد” ومواقع التواصل خبراً سعيداً للصحافة التقليدية ولن يكون، ومن المكابرة القول بغير ذلك، قد يختلف الموقف من صحفي لآخر، لكن فكرة تحرير المعلومة من قبضة شريحة محددة متخصصة، وحرية التداول بكمٍّ هائل من المعلومات الحدثيّة الخبرية وسواها، كان ضربة موجعة لفكرة التخصص الكلاسيكي، فقد أصبح على الصحفي بذل جهد مضاعف كي يثبت أنه صحفي متخصص، فيما كان الأمر أسهل في عصر الصحف الورقية، حتى أن بعض الصحافيين كانوا يكتفون بالتسلح بعنصر قوة وحيد يعتمد على “جهل” الجمهور، وليس على “عدم معرفته”، وثمَّة فرق، بمعنى أن صحفيّاً كان بدلاً من التعاطي المعرفي على قاعدة: “كشف المستور في قضايا فساد أو الحديث عن جوانب مظلمة في المجتمع أشبه بتابوهات” بدلاً من ذلك كان يكتب هراءً، أي هراء لا يضيف شيئاً ويزينه بمصطلحات غريبة على الناس، ويكفي أن يقحم كلمات مثل “ديماغوجيا، جنسانيّة، حُكم أوليغارشي”، كي ينبهر القارئ بالمحتوى رغم خوائه! وعلى وقع الانطباع هذا يصنع هالة للكاتب “الفذ”.
واقع نقيض
يشير نعوف إلى نقطة أساسيَة يجب الإشارة إليها في الموضوع قائلاً: “ليس من باب التفاؤل وإنما كواقع هو أن عصر الإعلام الإلكتروني لم يحوّل جميع الناس العاديين إلى صحافيين عبر إصابتنا بتخمة معلوماتية، بل إن كل ما فعله هو استهلاك الحواس وردود الفعل، وتحديداً عند التركيز على نوع معين من المحتوى الصحافي (الجيد وغير الجيد) الذي يقوم على استثارات معينة بموضوعات أو تلميحات (فضائحية، جنسية، عصبوية، انتمائية، وطنية، أو طائفية)، بمعنى أن من مفرزات الإلكتروني شدّ العصب إلى أقصى حدود، وبالتالي بقيَ المحتوى المعتمد على المخاطبة العقلية (مع عدم نفي عناصر الجذب والإثارة نهائياً) في مأمن، وله جمهوره بطبيعة الحال”.
تقييد عمليَّة النشر
يمضي نعوف إلى نقطة أشدّ أهميَّة وهي تشكّل خطراً فعليَّا أو إزعاجاً للعمل الصحافي الإلكتروني وهي: “التطورات المتلاحقة للمنصات على الانترنت وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكن الاستغناء عنها بشكل نهائي في النشر الصحفي. هذه المنصات تتدخل فيها خوارزميات رياضية غير ذكية بالمعنى الإنساني، وبالتالي فهي تقيّد عملية النشر أحياناً وفقاً لأهواء جيوش من ذباب إلكتروني يحددّ للناس ما يجب حجبه أو إتاحته عبر هجماتهم، وهي نقطة ليست في صالح حرية التداول وإنما تحاول الحفاظ أو صنع قداسات رغم أننا في عصر انفتاح كما يفترض” منهياً حديثه بالقول: “ومن ناحية ثانية فإن وسائل التواصل كأداة انتشار صحفي هي لعبة بزنس/ تجارة أولاً وأخيراً، ولذلك فإن الحاجة لحسابات المال والتمويل يجعل “رقبة” العمل الصحفي في يد شركات كبرى كـ الفيسبوك وسواها من وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الرقميَّة الإلكترونيَّة المشهورة”.
للقراءة من المصدر