Connect with us

مدونة آسو

الطبقة خلال سيطرة الجيش الحر وجبهة النصرة

نشر

قبل

-
حجم الخط:

قصص من سلسلة عائدون من الموت التي تجمعها شبكة آسو الإخبارية، وتظهر مأساة مدنيين عانوا الألم في فترة حكم داعش، روايات وقصص واقعية تعبر عن حجم الإرهاب والتطرف في التأثير على بنية المجتمع..

“عائدون من الموت”
سلسلة شهادات من قلب المأساة… مدنيون عادوا من الموت في ظل حكم داعش في شمال وشرق سوريا، سلسلة تقارير خاصة من انتاج شبكة آسو الإخبارية، تنشرها لأول مرة تباعًا، تسلط الضوء على الانتهاكات الفظيعة التي شهدتها مدينة الطبقة خلال فترة سيطرة تنظيم داعش.

قصص مروعة من شهود عيان عايشوا كابوس التنظيم الإرهابي، حيث تعرض الأهالي لأقسى أنواع العذاب الجسدي والنفسي؛ من عقوبات مهينة تهدر الكرامة الإنسانية، إلى سجون مظلمة لا يخرج منها سوى القليل أحياء، وانتهاءً بتدمير المدارس وتحويلها إلى مصانع للموت.

نشارككم هذه الشهادات الحية لإبراز حجم المعاناة والألم، ولتقديم صورة حقيقية لما جرى في تلك الفترة السوداء.

جميع الحقوق محفوظة لشبكة آسو الإخبارية
شمال شرق سوريا 2024

من الطبقة بقلم حسان الأحمد

تقع مدينة الطبقة على ضفاف بحيرة الفرات والتي تم إنشاؤها من أجل أن تكون مدينة للعمال في بداية عام 1970 وقد وفد إلى هذه المدينة الكثير من العمال على اختلاف محافظاتهم وأديانهم وقومياتهم حتى أصبحت المدينة تكنى بفسيفساء سوريا، نظراً للتنوع الكبير فيها، كما أنها شهدت تعايشاً سلمياً بين تلك المكونات والأديان والقوميات المختلفة.

توزعت المراكز الدينية في كافة أنحاء المدينة منها مسجد فاطمة الزهراء للمكون الشيعي وكنائس المسيحيين بمختلف طوائفهم، كمان كان هناك معبد للإسماعيليين والعلويين ومساجد السنّة، إضافة إلى وجود الكرد والأرمن والشركس والتركمان في هذه المدينة.

وتغيّر حال مدينة الطبقة بشكل كلي بعد عام 2012 واشتداد الصراع المسلح في سوريا بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة، حيث بدأت عمليات اغتيال ممنهجة طالت أبناء العديد من مكونات المدينة، مثل العلويين والاسماعيليين والمراشدة، وبدأت هجرة تلك العوائل خارج المدينة تتزايد يوماً بعد آخر، مع دخول الجيش الحر وجبهة النصرة إلى قسم القرية من مدينة الطبقة وانسحاب قوات الحكومة السورية حينها، وبقاءها في قسم الأحياء والمطار العسكري، حيث اتخذت جبهة النصرة من مسجد فاطمة الزهراء، سجناً ومحكمة ومقراً لقيادته، والذي تعرض لعدة ضربات من قبل طائرات الجيش الحكومي، كما كانت توجد في المدينة فصائل أخرى منها “أويس القرني” و”أحرار الطبقة” و”كتيبة العزة لله” وغيرها، وبسط فيما بعد “الجيش الحر وجبهة النصرة” سيطرتهما على كافة أنحاء المدينة، شملت منطقة الأحياء وسد الفرات والمستشفى وكتيبة الاذاعة في 12 شباط / فبراير 2013 ، حيث انسحبت قوات الحكومة السورية إلى داخل المطار العسكري الواقع جنوب المدينة.

ساءت أحوال الطبقة من الناحية الخدمية بسبب سيطرة بعض الفصائل على المؤسسات الخدمية ونهبها، أو تحويلها إلى مقرات عسكرية أو بيع معداتها، وأغلقت المدارس، وساءت الأحوال الأمنية فيها نتيجة فوضى انتشار السلاح وعدم انضباط الفصائل المسلحة، واختلاف ولاءات عناصرها من ناحية العشائرية والمناطقية، وتناحرها للسيطرة على الموارد الموجودة في المنطقة، ولا سيما آبار النفط والغاز الواقعة في حقل الثورة جنوب مدينة الطبقة بنحو 40 كم.

ولكن كانت جبهة النصرة هي الفصيل الأقوى عسكرياً بسبب امتلاكها أسلحة متطورة وثقيلة من مدافع ودبابات سيطرت عليها خلال معاركها مع قوات الحكومة السورية في المدينة، ووجود مقاتلين أجانب من جنسيات مختلفة، مثل السعودية والتونسية والروسية والأوزبكية والطاجيكية ضمن صفوفها تم تدريبهم، وخضوعهم لدورات أيدولوجية وعسكرية، ضمن معسكرات خاصة، كما كانت لديها مجموعات انتحارية، لذا كانت اليد العليا في المنطقة لجبهة النصرة، ويضاف إلى ذلك انضمام الكثير من الجهاديين وأمراء تنظيم القاعدة الذين أطلق سراحهم من سجن صيدنايا ذاع الصيت.

الصراع بين فصائل الجيش الحر وتنظيم داعش
وبعد ظهور ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) ومبايعتها من قبل كتائب للجيش الحر في دير الزور والرقة، انتقل الأمر الى مدينة الطبقة أيضاً، حيث بايعتهم بعض الفصائل فيها، وكانت معظمها فصائل تضم مقاتلين أجانب، فيما رفضت فصائل أخرى مبايعتها وكانت من أبناء المنطقة، وبدأت داعش تجمع صفوفها وتنظمها في مجمع المدارس، وهي مدرسة العروبة وابن زيدون وابن سينا والصناعة والصحة المدرسية.

وفي بداية عام 2014 وعلى إثر عملية اغتيال لأحد قيادات جبهة النصرة في الطبقة تم اتهام عناصر تنظيم “داعش” بتلك الحادثة، ثم جرت مناوشات بينهم، ولكن سرعان ما انتهت، وأصبح التنظيم يخطط للسيطرة على المدينة وطرد بقية الفصائل، وفي تاريخ 12 كانون الثاني / يناير 2014، حدث الصدام الاكبر بين الفصائل وداعش، وبسبب كثرة عناصر الفصائل الأخرى وقلة عناصر تنظيم داعش (حيث لم يكن يتجاوز عددهم أكثر من 100 عنصر، بينما كان عدد عناصر الفصائل أكثر من 3000 عنصر) حوصرت داعش، داخل المدارس المذكورة سابقاً وبدأ بالتصدي لتلك الهجمات.

توقفت بعض فصائل من الجيش الحر عن القتال، وواصل بعضها الآخر، لكن داعش تمكنت خلال أيام من كسر الحصار عليها ومطاردة بقية الفصائل في أنحاء المدينة بسبب شراسة عناصر التنظيم، حتى ذكر شهود عيان في ذلك الموقف أنّ عناصرها كانوا يربطون أنفسهم بالسلاسل ويمشون بدون أحذية حتى يرهبوا عناصر “الجيش الحر” ويظهروا قوة بطشهم وحصروا آخر مجموعة من الفصائل، ضمن مبنى البرج في الحي الثالث وهدوهم بالقتل والذبح وتفجير المبنى بشكل كامل، مما اضطرهم إلى لانسحاب بعد مفاوضات. وذهب قسم منهم إلى شمال حلب والمناطق التي يسيطر عليها “الجيش الحر” وأجرى قسم آخر “الاستتابة” بسبب اتهامهم بالكفر والردة أو السجن، وتم إعدامهم بعدها، وذلك في تاريخ 18 كانون الثاني / يناير 2014.

سيطرة داعش على مدينة الطبقة
وبعد هذا التاريخ دخلت المدينة حقبة السيطرة الأسوأ في تاريخ سوريا، حيث أنشأ داعش أقساماً، وأجهزة تلاحق وتعتقل كل من يخالف أوامرها، وتشكل جهاز الحسبة الذي يعتقل ويسجن الرجال والنساء والأطفال، بتهم مختلفة، إلى جانب محاكم تصدر أحكام الإعدام والذبح بتر الأيادي، في مشاهد شكلت صدمة كبيرة للأهالي الذين لم يعتادوا على هذا الكم الهائل من العنف والدموية.

فلم يشاهد أهالي الطبقة قبل ذلك، رؤوساً مقطوعة ومعروضة في الأسواق والأماكن العامة، ولا أجساداً مفصولة الرؤوس، ولا قطعاً للأيدي أو الرؤوس، ولا سيارة تجوب الشوارع والأحياء بحثاً عن مدخنين، ومتخلفين عن الصلاة، أو نسوة يظهرن وجوهن أو أيديهن أو يرتدين ألبسة ملونة، ولم يعتد الرجال على اللباس ذي الطابع الأفغاني.

كان حجم الرعب والخوف فكان من الممكن أن تودي صور في هاتف أحدهم المحمول بحياته، وإذا كان قصير اللحية، كان يزج به في السجن أياماً طويلة حتى تطول لحيته.

تمكن بعض الأهالي من الفرار من المدينة، لكن الكثيرين منهم لم تساعدهم ظروف الحياة لترك تلك الحياة الصعبة، بسبب ارتفاع تكاليف التهريب والخوف من الألغام التي زرعتها داعش في طرق التهريب.

عمليات التحرير وظروف الأهالي القاسية خلالها
بدأ الأمل يدخل قلوب الأهالي مع بدء دحر تنظيم “داعش” من مدينة كوباني وتحرير المنطقة تلو الأخرى منه.

وفي 21 آذار / مارس 2017 جرت عملية إنزال جوية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتحالف الدولي في منطقة أبو هريرة غرب الطبقة ما أحدث صدمة كبيرة لعناصر التنظيم وغيّر مجرى العمليات العسكرية، وسرعان ما تم تحرير المطار العسكري في جنوب شرق المدينة ومن ثم وصول قسد والتحالف إلى قرية الصفصاف شرقاً، وبذلك تم فرض حصار كامل على المدينة من الاتجاهات الاربعة.

الدخول الى المدينة كان من جهة حي الاسكندرية والأحياء الجنوبية حيث كان طائرات التحالف تستهدف عناصر التنظيم، فيما كانت القوات على الارض تشتبك مع من مجموعات منهكة من التعب والجوع، حيث تركهم التنظيم بدون طعام أو شراب أو ذخيرة.

عاش الاهالي ظروفاً صعبة بسبب الحصار وفقدان المواد الغذائية والمحروقات والخبز وأغلقت الأفران، وفقدت مادة الطحين ودخلت المدينة مرحلة الجوع وقلة الغذاء حتى أن بعض العوائل كانت تضطر إلى الخبز اليابس المتعفن بعد مسحه بالماء، وكان قناصو عناصر التنظيم يقنصون الأهالي الهاربين إلى الأحياء المحررة، وكانوا يختبئون في بيوت المدنيين وينصبون راجمات الصواريخ في الأحياء السكنية، وقد فقد الكثير من الأهالي حياتهم في تلك الأيام ولم يستطيعوا دفن موتاهم، منهم من دفن في الحدائق العامة، كما كان التنظيم ينادي على الأهالي بضرورة إخلاء مكان سكناهم، وينقلهم إلى منطقة الأحياء، لاتخاذهم دروعاً بشرية، حيث قتلت عوائل بأكملها نتيجة ذلك.

بعد تحرير قسم القرية بشكل كامل تحصن التنظيم في منطقة الأحياء وسد الفرات وبعد حوالي 14 يوماً من العمليات العسكرية والمعارك، قبل التنظيم خلال مفاوضات خروجهم مع عوائلهم إلى المنصورة والرقة، مع مطالبتهم بضمان عدم قصفهم من الطيران، وتمت عملية الإجلاء، وبعد ذلك تحررت مدينة الطبقة بشكل كامل في 10 أيار / مايو 2017 بعد أن عاشت أكثر المراحل دمويةً وبطشاً في تاريخها، لتستعيد حياتها من جديد.