مدونة آسو
انتهاكات داعش والفصائل المسلحة بحق المكون المسيحي في الطبقة
قصص من سلسلة عائدون من الموت التي تجمعها شبكة آسو الإخبارية، وتظهر مأساة مدنيين عانوا الألم في فترة حكم داعش، روايات وقصص واقعية تعبر عن حجم الإرهاب والتطرف في التأثير على بنية المجتمع..
“عائدون من الموت”
سلسلة شهادات من قلب المأساة… مدنيون عادوا من الموت في ظل حكم داعش في شمال وشرق سوريا، سلسلة تقارير خاصة من انتاج شبكة آسو الإخبارية، تنشرها لأول مرة تباعًا، تسلط الضوء على الانتهاكات الفظيعة التي شهدتها مدينة الطبقة خلال فترة سيطرة تنظيم داعش.
قصص مروعة من شهود عيان عايشوا كابوس التنظيم الإرهابي، حيث تعرض الأهالي لأقسى أنواع العذاب الجسدي والنفسي؛ من عقوبات مهينة تهدر الكرامة الإنسانية، إلى سجون مظلمة لا يخرج منها سوى القليل أحياء، وانتهاءً بتدمير المدارس وتحويلها إلى مصانع للموت.
نشارككم هذه الشهادات الحية لإبراز حجم المعاناة والألم، ولتقديم صورة حقيقية لما جرى في تلك الفترة السوداء.
جميع الحقوق محفوظة لشبكة آسو الإخبارية
شمال شرق سوريا 2024
من الطبقة بقلم حسان الأحمد
استقرت في مدينة الطبقة مع تأسيس سد الفرات والمنشأة الخدمية منذ عام 1968. المئات من العوائل المسيحية، من مختلف المدن السورية بحثا عن العمل في هذه المدينة العمالية، حتى وصل عدد تلك العوائل في قبل عام 2012 حوالي 300 عائلة، وكان التنوع السكاني السمة المميزة لهذه المدينة الصغيرة والحديثة، حتى صارت تلقب بـ “فيسفيساء سوريا”.
وبعد اندلاع الحراك الشعبي في سوريا عام 2011. وتحوله لاحقاً إلى صراع عسكري داخلي، تعرّضت هذه العوائل للتهجير والترهيب كبقية الطوائف والأديان والقوميات من قبل التنظيمات المسلحة وتنظيم داعش الذين سيطروا على مدينة الطبقة بعد عام 2013 فكان الرعب مسيطراً على أبناء المكوّن المسيحي، حيث فرضت عليهم بعض العقوبات وصلت إلى القتل، بعد ان بدأت عمليات الاغتيال ضد شخصيات من طوائف مختلفة.
وعلى الرغم من سيطرة الفصائل المسلحة، ومن ضمنها جبهة النصرة، على مدينة الطبقة في ذلك الحين، إلا أن هناك عوائل أصرت على البقاء في مدينتهم وبيوتهم التي عاشوا فيها، رغم المضايقات من تلك المجموعات والتنظيمات المسلحة، والتي كانت تهدف لسلب ونهب أموالهم وبيوتهم تحت ذرائع واهية.
لكن الحال ازدادت وطأةً على هذه العائلات مع سيطرة داعش على الطبقة عام 2014. فلم يتوان هذا التنظيم عن اعتبارهم “كفار” ومرتدين”، ما أثار الهلع في نفوسهم، ودفع من تبقى من تلك العوائل إلى ترك المدينة، والتوجه إلى مناطق الحكومة السورية او مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لكن مع ذلك، فقد بقيت قلة قليلة جداً من تلك العوائل في المدينة، وكانت غالبيتهم من كبار السن الذين كانوا يعتقدون أنّهم سيكونون في مأمنٍ من بطش التنظيم بسبب كبر سنّهم، ولكم يتجاوز عددهم الإجمالي بضعة منازل في المدينة.
يقول محمد المحمد (اسم مستعار لشخص طلب عدم ذكر اسمه الصريح لدواعٍ أمنية) لشبكة آسو الإخبارية، إنّ جيرانه في الحيّ، كانوا من المكون المسيحي، وكان العيش المشترك هو السمة الأبرز بينهم في الحيّ، حيث كانوا يشاركون في مناسبات وأعياد بعضهم البعض، وكانوا كعائلة واحدة.
ويضيف بالقول: “استمر ذلك إلى أن سيطر تنظيم داعش على المدينة، فهاجرت هذه العائلة إلى مدينة حمص، خوفاً من بطش التنظيم، وتركوا منزلهم وأملاكهم وراءهم”.
وسيطر التنظيم على منزل هذه العائلة، وسكنته عائلة أجنبية من أوزبكستان، وكان الجيران يسمعونهم يقولون باللغة العربية الفصحى: “هذا المنزل كان للكفار وهو ملك للدولة الإسلامية الآن”. بحسب محمد.
مع بدء حقبة داعش في مدينة الطبقة، بدأ فصل جديد من انتهاكاته بحق المكون المسيحي ومقدساته، فقد فرض التنظيم بادئ ذي بدء عليهم ضريبة تسمى ضريبة “البقاء”، وهي عبارة عن مبلغ من المال يدفع للتنظيم مقابل بقائهم في المدينة بشكل لا يخلو من الذل والمهانة، مع وجود خيار وحيد أمامهم وهو اعتناق الإسلام قهراً، فآثرت بعض العوائل دفع الضريبة، فيما اضطرت عوائل أخرى إلى اعتناق الإسلام في الظاهر، خوفاً من التنظيم، لكنها بقيت على دينها في السرّ.
واستولى التنظيم على الأموال والممتلكات العائدة لأشخاص مسيحيين في المدينة، واعتبرها جزءاً من أموالهم.
ومن الانتهاكات الأخرى بحق المكون المسيحي، تحطيم التنظيم الصليب المرفوع فوق إحدى الكنائس في المدينة، وحول الكنيسة إلى “رحبة” لإصلاح الآليات التابعة له، بعد تدمير محتوياتها وإفراغها منها.
كما حوّل كنيسة أخرى، وكانت تقع في الحي الثالث بالقرب من دوار الدلّة، إلى مستودع للأسلحة، بعد أن نهب محتوياتها، ودمّر أجزاء كبيرة منها، والحديث لمحمد.
ويستذكر محمد كيف كانت حال الكنيسة في الحي الثالث قبل حقبة داعش، حيث كان جيرانه المسيحيون يذهبون للصلاة وإقامة القداديس، وكانت تضفي على المدينة مشاعر التنوع والحب والإخاء. ويرى أن الحال انقلبت رأساً على عقب بعد سيطرة داعش على المدينة، وتحول الكنيسة إلى مقر عسكري، وأصبح شارع الكنيسة مهجوراً يثير الرعب، بعد أن كان يعج بأهالي المدينة من جميع المكونات.
واليوم بقيت في المدينة عدة عوائل مسيحية فقط، لا يتجاوز عددها خمسة منازل، دون أن يكون لديهم كنائس يقيمون فيها شعائرهم الدينية وصلواتهم، حيث لم تتم إعادة ترميم كنائسهم حتى الآن، وفقدت معهم الطبقة أحد الألوان الجميلة التي كانت تزين لوحة فسيفساء سوريا.