صوت المغترب
من كوباني إلى الجزائر فالدنمارك… “سلطان بكر” لاجئ فبحار: انهى العلم ليقود البواخر في جزر الدنمارك
حاورته- عبير محمد
“سلطان محمود بكر” شاب طموح من مدينة كوباني، هاجر إلى الجزائر في مطلع عام 2001، للتعليم في مجال الملاحة البحرية، حتى تخرج فأصبح بحاراً يقود بواخر سفرية بين جزرٍ عدة في الدنمارك (المكان الذي يعيش فيه حاليًا)، متجاوزاً بذلك كثير من الصعوبات والتحديات بحكمة وإرادة.
الشاب السوري “سلطان محمود بكر”، شاب كردي من قرية تل غزال بريف كوباني، ومواليد كانون الأول /ديسمبر 1981، متزوج ولديه ابن وابنة (سيروز عمرها 12 سنة، وأحمد عمره 8 سنوات)، يتحدث لشبكة آسو الإخبارية عن المراحل التي مر بها في حياته المهنية والتعليمية حتى أصبح بحاراً في الدنمارك.
كبر سلطان وترعرع في مدينة الرقة ودرس فيها، حتى أنهى المرحلة الثانوية (بكالوريا الغرع العلمي) في عام 2000، وكان لديه طموح أن يدخل مجال الملاحة البحرية ويصبح بحاراً، وعلى هذا الأساس، توجه إلى الجزائر ودرس حتى بلغ ما تمنى، ضمن منطلق من يطلب العلم… عليه أن يضحي ويقدم مجهود كبير.
يقول “سلطان” لشبكة آسو الإخبارية: “في البداية كنت أنوي الذهاب إلى أوكرانيا لكنني اخترت الجزائر، لأن لي أخين اثنين في الجزائر وآخر في ليبيا، إضافةً لوجود امكانيات أن أقوم بدراسة الملاحة البحرية في الجزائر، ضمن جامعات حكومية، وأخي كان يعرف أحد الطلاب ممن درسوا الملاحة البحرية، فقمت بالتواصل معه وحصلت على كافة المعلومات المطلوبة لدراسة الملاحة، وبالفعل توجهت بعدها إلى الجزائر ودرست في المعهد العالي البحري بمدينة “بو سماعيل” ولاحقا تغير اسم المعهد إلى المدرسة العليا للملاحة البحرية”.
بدايات الدراسة…
عن بدايات الدراسة في مجال الملاحة يقول: “مجال الدراسة واسع جداً في الجزائر، يجب أن يكون لديك بكالوريا، ثم تدرس هندسة عامة لسنتين، بعدها تخضع لفحص مقابلة، وفي حال تجاوزت ذلك سيتم قبولك، حيث كان يقبل 50 طالب فقط، من كل الطلاب في الجزائر، في كل سنتين، فالعدد كان محدود جدا، وبعدها الطالب يدرس ثلاث سنوات ليحصل على شهادة مهندس دولي في الملاحة البحرية، ولكن بهذه الشهادة لا تستطيع أن تعمل على الباخرة، بل عليك أن تتدرب لـ 18 شهر على الأقل، ثم تخضع لامتحان، وفي حال نجحت تصبح ضابطاً، وبعدها تخضع لتدريب لمدة 12 شهرًا، ثم الخضوع لامتحان آخر لتصبح ضابط أول، ثم بعد ذلك 12 شهر امتحان ثالت لتصبح كابتن، أي عملياً يحتاج المرء لقرابة الـ 3 سنوات بعد التخرج ليصبح كابتن إن نجح في كل الامتحانات”.
بعد الانتهاء من الدراسة في الجزائر، عمل “سلطان بكر” بحاراً مع طاقم جزائري، ومن ثم توجه إلى الدنمارك ليقرر العيش فيها. وحدثنا عن ذلك بالقول “أخذت قرار السفر إلى أوربا واخترت الدنمارك لأني على دراية تامة أنها دولة متطورة جداً في الملاحة البحرية، وأستطيع إكمال دراساتي وتحقيق طموحي، وكذلك لأن الدنمارك آمنة للحياة وهذا مفيد لأطفالي، كما أنها دولة عبارة عن جزر، فبالتالي يوجد فيها فرص عمل كثيرة لهذا الاختصاص”.
ومن مبدأ التدرج والتتابع في طلب العلم، أكمل “بكر” دراسته في الدنمارك بعد تعلم اللغة الدنماركية، مضيفاً لمحة عن ماهية الدراسة في الدنمارك بالقول: “كابتن الباخرة يستطيع أيضاً العمل في الإدارة لأن لديه خبرة في الأمور الإدارية، حيث أننا درسنا في الدنمارك كل الشؤون الادارية والاقتصادية وحتى الثقافية، كالتعامل مع الناس وفهم الثقافات المختلفة، إضافة إلى دراسة القانون البحري، ففي حال واجهنا مشاكل في البحر، يكون القبطان هو القاضي للحكم وحل المشكلة بحسب القوانين المتعارف عليها أصولاً ضمن المجال البحري”.
عن الحياة الجديدة بعد الجزائر…
“أعيش في الدنمارك الآن وأحب الحياة هنا، وكذلك أحب الجزائر وطبيعة الحياة فيها، ولا يوجد فرق لدي بين الدولتين لأنني في كلا الحالتين مغترب”، هذا ما أعرب عنه “سلطان بكر”، مضيفًا: “عشت قرابة الـ 10 سنوات في الجزائر و 6 سنوات في الدنمارك وأحب البلدين، على أمل أن أعود إلى وطني الأم سوريا، وتعود سوريا جميلة، ولا أقصد أن تعود سوريا قبل الـ 2011، إنما سوريا جميلة آمنة بدون قبضة أمنية وظلم بحق الناس”.
وعن الانتهاء من الدراسة وبدء العمل في الدنمارك يقول “منذ شهرين تقريباً انتهيت من الامتحانات من أكاديمية (مارستل) للملاحة البحرية في الدنمارك، وحصلت على درجة الماستر للملاحة البحرية، وأعمل حالياً قبطان على باخرة لنقل الركاب بين جزيرتين دنماركيتين، وأنا مسرور جداً بهذا العمل، وأطمح للحصول على فرصة عمل في شركة عملاقة، وسوف أحصل عليها باعتبار لدي خبرة في العمل بالملاحة البحرية واعرف عدة لغات (الفرنسية والدنماركية والإنجليزية، إضافة إلى الكردية والعربية)، وبالتالي تزداد فرص الحصول على العمل مع زيادة معرفتك للغات”.
يتابع بكر: “مجال الملاحة البحرية مهم جداً للاقتصاد، وحتى التسعينيات كان النقل البحري عصب التجارة الدولية، لذلك مجال الملاحة البحرية مهم للدول خصوصاً تلك الدول التي تمتلك شركات ضخمة، حينها النقل البحري سيحقق أرباح ضخمة وفرص عمل كثيرة، فعلى سبيل المثال، الفلبين لديها عمال كثر في مجال الملاحة البحرية وهذا المجال يدر دخل مقداره بين 4 و 5 مليار دولار سنوياً، ودولة الفلبين تولي اهتمام كبير لهذا المجال وتعلم طلابها اللغة الانكليزية وتدعوهم لزيادة الاهتمام بذلك”.
الصعوبات والتحديات
لم تثقل نفقات الدراسة والبعد عن العائلة كاهل “سلطان بكر”، بل على العكس تماماً، تحمل عبء الموازنة بين الواجبات التعليمية ومتطلبات العائلة والعمل، فواجه العديد من التحديات خلال مسيرته ورحلته التعليمية هذه ومنها، صعوبات في التنقل والإقامة السكنية المؤقتة في المدينة التي كان يدرس فيها بالدنمارك بعيداً عن عائلته الذين كانوا يسكنون في مدينة أخرى، طيلة فترة الدراسة، كذلك صعوبات متتالية في تعلم اللغات واللهجات في كل بلد مع اختلاف العادات والتقاليد والثقافات، إضافة إلى اختلاف طرق وأساليب التعليم لكل بلد.
ومن التحديات التي واجهت بكر أيضاً هي تجديد جواز السفر، فيقول: “في إطار العمل البحري يجب أن يكون لديك دفتر ملاحة بحرية وهو يصدر من مديرية الموانئ البحرية ويتم تجديده بالسفارات، جددت دفتري في عام 2010، وبعد سنتين انتهت مهلة التجديد، فأرسلته إلى اللاذقية للتجديد، لكنهم طلبوا حضوري بشكل شخصي وجلب ورقة لا حكم عليه، ثم تواصلت مع السفارة السورية، فقالوا لي لا نستطيع تجديد دفتر الملاحة الخاص بك لأنه لديك مشاكل أمنية وسياسية!، وطلبوا مني الحضور إلى السفارة لتسوية وضعي السياسي، فرفضت الذهاب للسفارة بسبب موقف سياسي لي من الحكومة السورية”، ويضيف بكر، “بسبب الجنسية السورية نواجه صعوبات جداً في منحنا فرص العمل سواء في الدول الأوربية أو في دول الخليج أو غيرهم، وكذلك أواجه ككردي بشكلٍ خاص صعوبات أكثر في منحه فرصة عمل بمجال الملاحة”.
وفي نهاية حديثه، يقول البحار “سلطان بكر” لشبكة آسو الإخبارية: ” انتظر المستقبل لأن أعمل في شركة كبير وحلمي أن أرى دولة كردستان مستقلة، فأقود بواخر بلدي إلى أنحاء العالم، مع وضع علم البلد مرفرفًا على تلك الباخرة” وتيابع “أتمنى أن يكون هناك دولة اسمها كردستان، وفيها بواخر نضع عليها علم كردستان، أو على الأقل يكون لنا شركات عملاقة، هذا هو آملنا”.
ويعتبر “سلطان بكر” أول لاجئ كردي سوري يحصل على درجة الماستر في الملاحة البحرية من الجامعات الأوربية، ولا شك أن فضل العلم هنا لا يقتصر على شخصية “سلطان بكر” نفسه، بل كان لأسرته وعائلته وقفة جميلة محفزة وإيجابية له للوصول به إلى هذه المرحلة، وبعزيمة “سلطان” وإرادته القوية استطاع تحقيق ما تمناه وخطط له من أهداف وأحلام وطموحات، ولربما علينا جميعاً كسوريين متابعة تعليمنا وتحفيز أطفالنا لزيادة العلم والثقافة لدى كل فرد بغض النظر عن الظروف الراهنة التي نمر بها ونعاني الأمرين منها، فوحده العلم هو القادر على الرقي بنا – كمجتمعات وأفراد- لأسمى المراتب وأعلى القمم.