مدونة آسو
ورقة سياسات استراتيجية: مشاركة نتائج اللقاءات وتحديد الخطوات المقبلة
مع سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد خارج البلاد، ظهرت ضرورة ملحة للتحرك الفوري استعدادًا للاستحقاقات السياسية المقبلة.
استجابةً لهذه المتغيرات، بدأت الحوارات بين العاملين في الشأن العام والمنظمات المدنية بهدف توحيد المشروع السياسي الكردي وإيجاد إطار جديد يضمن الحقوق المشروعة للكرد ويعزز مشاركتهم الفاعلة في صياغة مستقبل سوريا.
في 11 كانون الأول 2024، تم وضع أهداف مبادرة “يد بيد” (Dest bi Dest) التي دعت إلى إطلاق حوار كردي – كردي شامل يجمع كافة الأطراف السياسية والمدنية، وإعداد ورقة مبادئ موحدة تُحدد ملامح حل القضية الكردية في سوريا، إضافة إلى الدعوة لتشكيل جسم سياسي تمثيلي جامع دون إقصاء، ليكون منبرًا للتفاوض. تعكس هذه المبادرة التزامًا جماعيًا نحو تحقيق وحدة الصف الكردي وبناء توافق يعبر عن تطلعات المجتمع المدني والسياسي.
في 2 كانون الثاني 2025، أُطلقت المبادرة رسميًا وبمشاركة 46 منظمة مدنية، وأكثر من 110 فرداً من الفاعلين في المجتمع المدني، في خطوة تؤكد التزام المجتمع المدني الكردي بتحقيق رؤية موحدة.
تشدد المبادرة على أهمية تبني الحوار كوسيلة أساسية لحل الخلافات، مع نبذ الخطابات التحريضية والعمل على تعزيز التفاهم بين جميع المكونات، وتسعى إلى توحيد الصف الكردي كشرط أساسي لتحقيق رؤية سياسية جامعة تخدم تطلعات الكرد والسوريين جميعًا.
تهدف هذه الورقة إلى توثيق مخرجات اللقاءات التي عقدتها لجنة التواصل (وهي أحد اللجان الثلاثة الأساسية في المبادرة) مع الأحزاب الكردية، ومشاركتها مع الجمهور، مع وضع خطوات استراتيجية واضحة لتحقيق أهداف المبادرة.
مخرجات اللقاءات: توجهات وأهداف مشتركة
تجلت في النقاشات مع مختلف الأطراف السياسية الكردية إرادة واضحة نحو تجاوز الخلافات السابقة والعمل على رؤية موحدة تمثل المصالح الكردية بشكل شامل.
أكد الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا بقيادة السيد صلاح درويش خلال لقاء مع لجنة التواصل في القامشلي يوم 8 يناير 2025، على أن الأطراف الكردية منفردة غير قادرة على تحقيق أي تقدم في مسار حل القضية الكردية، وشدد على أن الخلافات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية تُعيق تحقيق الوحدة السياسية، كما أبدى الحزب دعمه الكامل للمبادرة التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني “يد بيد” (Dest Bi Dest)، مع التأكيد على استعداده لتقديم أي مساعدة مطلوبة لإنجاحها. كما أشار إلى أن وثيقة روباك لعام 2019-2020 تمثل قاعدة صلبة للعمل عليها، حيث تم حل معظم النقاط الخلافية الكبيرة فيها، مما يجعلها أساسًا قويًا للحوار المستقبلي.
كذلك التقت لجنة التواصل مع الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا بقيادة السيد أحمد بركات في القامشلي يوم 9 يناير 2025 الذي أكد دعمه للمبادرة وأي جهود تصب في صالح القضية الكردية، مشددًا على أولوية المصلحة العامة للكرد فوق المصالح الحزبية، وأشار إلى أن الخلافات بين الأطراف السياسية تعمق الانقسامات، مع تأكيده على أن حزب التقدمي وحزب الوحدة يعملان معًا لتنظيم اجتماعات جماهيرية لتعزيز المصالحة الوطنية والرؤية الموحدة، كما شدد الحزب على ضرورة التصدي للضغوط التركية التي تستهدف إقصاء الكرد، داعيًا لنبذ العناد الحزبي من جهتهم.
من جهتها، شددت رئاسة المجلس الوطني الكردي في لقاء مع لجنة التواصل في أربيل يوم 9 يناير 2025، على أن تحقيق رؤية سياسية كردية موحدة يمثل شرطًا لا يمكن التنازل عنه، وأبدى المجلس التزامه بالعمل نحو تحقيق أهداف المبادرة ووضع خلافات الماضي جانبًا، مع التركيز على المستقبل كأساس لأي حوار.
من ناحية أخرى، أظهرت أحزاب الوحدة الوطنية في لقاء مع لجنة التواصل في القامشلي يوم 9 يناير 2025 رغبتها في فتح صفحة جديدة مع المجلس الوطني الكردي، مع اقتراح توحيد الجهود والمبادرات المشابهة تحت مظلة واحدة، وأكدت هذه الأحزاب على أهمية أن تشمل الحوارات الوطنية كافة المكونات السورية لضمان عملية سياسية عادلة وشاملة.
من جانبه، أبدى حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا في اجتماع مع لجنة التواصل في القامشلي يوم 11 يناير 2025، اهتمامًا خاصًا بالحفاظ على مؤسسات الإدارة الذاتية والبنية العسكرية كركائز أساسية لأي عملية حوار، وشدد الحزب على ضرورة توسيع نطاق الحوارات لتشمل مناطق كردية أخرى، مع التركيز على رفع مستوى الوعي بالقضية الكردية بين المكونات السورية غير الكردية.
المبادئ المشتركة بين الأطراف السياسية الكردية:
بناءً على هذه الحوارات، تم تحديد عدد من المبادئ المشتركة التي يمكن أن تشكل الأساس لإطلاق حوار كردي – كردي نحو رؤية سياسية موحدة:
أهمية الوحدة السياسية: اتفقت جميع الأطراف على أن توحيد الصف الكردي هو حجر الأساس لأي تقدم سياسي.
الالتزام بالحوار كأداة رئيسية: أظهرت اللقاءات أن الحوار البناء، القائم على المصالح المشتركة، هو الحل الأمثل لتجاوز العقبات.
شمولية الحوار الكردي – الكردي: تم الاتفاق على ضرورة إشراك كافة الأطراف الكردية في الحوارات بشكل يشمل الجميع دون تمييز أو إقصاء، لضمان عدالة العملية وشموليتها.
بناء خطاب سياسي جامع: برزت الحاجة إلى تطوير ورقة مبادئ مشتركة تعبر عن المطالب الكردية في سوريا.
التوجهات الاستراتيجية المستقبلية:
إعداد رؤية سياسية موحدة: يجب أن تستند الخطوات المقبلة إلى صياغة ورقة مبادئ موحدة تعكس التفاهمات التي تم التوصل إليها، مع إشراك جميع الأطراف المعنية لضمان قبولها كمظلة توافقية.
تعزيز الشراكات والتنسيق: توحيد المبادئ تحت مظلة واحدة يساعد في تقوية الموقف الكردي على المستويين المحلي والدولي، مع بناء شراكات قوية مع الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين لدعم أهداف المبادرة.
توسيع نطاق الحوار: من الضروري توسيع الحوارات الحالية بما يضمن مشاركة جميع الأطراف السياسية الكردية والمجتمع المدني ويضمن تمثيل كافة المناطق المحتلة مثل عفرين وسري كانيه.
الحوار مع المكونات الأخرى: في المرحلة الثانية من المبادرة، يجب إعطاء الأولوية لفتح قنوات حوار مع المكونات الأخرى في شمال وشرق سوريا كخطوة أولى، يليها التوسع إلى المدن والمحافظات الأخرى، مع التركيز على رفع مستوى الوعي بالقضية الكردية بين المكونات السورية الأخرى لتعزيز الفهم المشترك.
إطلاق حملات توعية: إعداد حملات إعلامية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهداف المبادرة وأهميتها في تحقيق الوحدة الكردية، مع التركيز على إبراز القضية الكردية كجزء أساسي من الحل السياسي الشامل لسوريا.
تشكل هذه المبادرة أساسًا لتحقيق توافق سياسي كردي يسهم في تعزيز وحدة الصف لمواجهة التحديات الراهنة، من خلال رؤية سياسية موحدة، لا تسعى المبادرة إلى خلق توافق سياسي حول الحقوق الكردية فقط، إنما تسعى كذلك إلى جعل الكرد شركاء أساسيين في صياغة مستقبل سوريا.
تسعى المبادرة إلى ترسيخ قيم الديمقراطية والتعددية عبر الحوار والمشاركة السياسية، ما يجعلها أداة فعالة لتعزيز التوازن والاستقرار، كما تفتح المجال لبناء شراكات وطنية حقيقية تسهم في إرساء العدالة والمواطنة كأساس للدولة السورية المستقبلية.