أصوات نسائية
ديانا: زهرة تتفتح في حقل الحياة بين العمل والدراسة والموهبة

آفين علو
في مدينة عامودا الهادئة، حيث تتداخل خيوط الحياة بين بساطة العيش وتحديات الواقع، تطلّ علينا “ديانا خضر أحمد”، شابة في ربيعها الثاني والعشرين، تحمل في قلبها قصة ملهمة تجمع بين العمل والدراسة وموهبة فذّة في الرسم.
في غرفة متواضعة تعكس جدرانها شغف ديانا بالفن، تجلس على طاولة مكدسة بأدوات الرسم، التي تشكو إهمالها لضيق الوقت. ورغم ذلك، يبقى حب ديانا للرسم حباً عميقاً يعود جذوره إلى الطفولة المبكرة، حين كانت في الثامنة من عمرها. يومها، غرس معلمها بذرة هذا الحب في قلبها، حين علّمها كيف تُترجم مشاعرها وأفكارها إلى خطوط وألوان على صفحات بيضاء، بقلم رصاص بسيط. هكذا نما حب الرسم في قلب ديانا تدريجياً، ليصبح شغفاً يملأ حياتها.
مسيرة التفوق
في خضم طفولة سورية قاسية، ترعرعت “ديانا” بين براثن الشقاء، تحمل في قلبها موهبة، تروي لشبكة آسو الإخبارية معاناتها، فتقول: “رغم أن موهبتي لازمتني منذ نعومة أظفاري، إلا أنني كغيري من الطلاب، أعمل جنباً إلى جنب مع دراستي، لأوفر مستلزماتي المدرسية، وأبني شخصيتي في آن واحد”.
تعمل “ديانا” حتى منتصف النهار، فإذا لم تذهب إلى عملها، انهمكت في دراستها الجامعية، فوقتها ضيق لا يسمح لها بتطوير مهاراتها، أو رسم التفاصيل التي تجول في خاطرها، أو تلك التي تستوحيها من وجوه الناس.
ورغم انشغالها بين العمل والدراسة، تحرص ديانا على إيجاد فسحة من الوقت لممارستها هوايتها في الرسم، حيث تجد ذاتها فيه. فتقول لشبكة آسو الإخبارية: “أحب قلم الرصاص، فهو صديقي المخلص، يعبر عني وعن مشاعري، ويمنحني حرية التعبير عن أفكاري.”
تعمل ديانا كموظفة بعقد في إحدى المؤسسات، حيث تقضي ست ساعات يومياً في دوامها، ثم تتوجه بعد الظهر إلى الجمعية لتدريس اللغة الإنجليزية للأطفال الأيتام. رغم أن العمل ليس مجهداً جسدياً، إلا أن الجمع بين الوظيفة والتدريس يتطلب منها جهداً كبيراً وتنظيماً دقيقاً. لكنها استطاعت التوفيق بين عملها ودراستها، إذ أن دوامها الجامعي محصور في يومي الجمعة والسبت، مما يمنحها هامشاً من الوقت لمتابعة دراستها الجامعية.
تحديات فنية وعوائق اقتصادية
بينما تجد ديانا الدعم والتشجيع من محيطها الاجتماعي، فإن التحديات لا تخلو من صعوبات أخرى، خاصة فيما يتعلق بتوفير الأدوات الفنية. بعض المواد الأساسية غير متوفرة بسهولة، مثل الألوان التي تحتاجها لرسم لوحاتها. تقول: “أعاني أحياناً من عدم توفر بعض الأدوات، كالألوان مثلاً. اللون الأصفر نادر جداً هنا، وأضطر أحياناً للسفر إلى القامشلي لشراء لون واحد فقط، وأحياناً نضطر لإرسال طلب إلى دمشق للحصول عليه.”
ورغم أنّ ديانا لا تستطيع دراسة الفن بشكل أكاديمي، إلا أنها تتابع مستجدات الفنون التشكيلية، وتحرص على تطوير مهاراتها من خلال التعلم الذاتي والممارسة المستمرة. كما أنها تتلقى دعماً معنوياً من بعض المدرسين والفنانين، الذين يشجعونها على الاستمرار في صقل موهبتها.
تحلم ديانا بأن تصبح فنانة مشهورة، وأن تقيم معارض فنية تعرض فيها أعمالها، وتسهم في نشر ثقافة الفن في مجتمعها. تؤمن أن الفن هو لغة عالمية تتجاوز الحواجز الثقافية واللغوية، وتسعى من خلال رسوماتها إلى إيصال رسائل إيجابية، والتعبير عن قضايا مجتمعها، وإضفاء لمسة جمالية على الحياة.
ورغم ضيق الوقت والانشغال اليومي، تؤكد ديانا أن الشغف لا يموت، وأن الموهبة الحقيقية تستمر رغم كل التحديات. تقول بابتسامة واثقة لآسو: “ربما لا يسعفنا الوقت الآن، لكن في المستقبل ستصبح مواهبنا إرثاً وثقافة تروي قصص جيلنا. علينا فقط أن نجعلها جزءاً من حياتنا اليومية.”
قصة ديانا هي حكاية كفاح وإصرار، تحكي عن فتاة لم تستسلم للصعوبات، بل جعلت منها وقوداً يدفعها نحو تحقيق أحلامها. هي قصة تلهم كل شاب وشابة يسعون للتوفيق بين العمل والدراسة والموهبة، ويؤمنون بأن الطريق إلى النجاح يبدأ بشغف لا يخبو.
