مجتمع محلي
تأهيل البنية التحتية لسري كانيه يحتاج نحو مليار ليرة سورية
كانت بلدة سري كانيه / رأس العين إحدى أكثر المدن السورية التي تزخر بينابيعها الجوفية والكبريتية، إلا أن ظروف التغيير المناخي، الذي أثّر على المدينة في الأعوام العشرة الأخيرة، أدى لتغييرات في ملامح الطبيعة الأم، فظهرت تكهفات أرضية وانهيارات بطبقات التربة، أسهم في ذلك سوء الوضع الخدمي، الذي أدى بدوره إلى تأثر مياه الشرب في المدينة.
ففي الآونة الأخيرة نشرت شبكات محلية على الفيسبوك (تضم مجموعة من أبناء المدينة)، نداء للمعنيين للاطلاع على واقع تلوث مياه الشرب في المدينة بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحي المتضررة من ظاهرة التكهفات، كما تم أيضاً تواصل عدد من سكان المدينة مع الشبكة طالبين تسليط الضوء على واقع النداء، الأمر الذي دعا إدارة شبكة آسو الإخبارية ترسل فريق عمل لإجراء استقصاء كامل حول الظاهرة.
يتخوف الناس من ظاهرة التكهفات التي تجتاح المدينة، ويخشون اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي القادمة من تركيا، بعد إيقاف محطة معالجة مياه الصزف الصحي في المدينة، وقد استطلعت شبكة آسو الإخبارية آراء عينة من أهالي المدينة الذين تحدثوا عن آثار سلبية في البنى التحتية وتخوف الأهالي:
رأي الجهات المعنية
فريق من شبكة آسو الإخبارية توجه إلى مدينة سري كانيه / رأس العين، والتقى بدايةً بمقر بلدية الشعب في المدينة (التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية) السيد “فهد رشيد” الرئيس المشترك لمجلس البلدية، لنقل نداء الأهالي واستيائهم من حالة تلوث المياه وخوفهم من ظاهرة التكهفات التي تفاقمت في الفترة الماضية، فبدأ حديثه بالقول: “ظاهرة التكهف هي ظاهرة قديمة جدا، وأحد أسبابها الرئيسية هو سوء شبكة الصرف الصحي في المدينة، والتي أُنشئت بطريقة خاطئة قبل قرابة الـ 50 عامًا، وهذه الأخطاء التي نراها الآن على أرض الواقع هي نتيجة أخطاء البلدية آنذاك والبلديات المتتالية”.
أما بالنسبة لما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي حول موضوع اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، فذكر “رشيد” أنه تتم المبالغة بهذا الموضوع، لأن المياه تُعالج وتنظف بشكل منتظم من قبل البلدية على حد قوله. “قبل عدة أيام تم تقديم 3 شكاوي من قبل مواطني أحد الأحياء في المدينة حول تضرر الصرف الصحي واختلاط مياهه مع مياه الشرب، وكان ذلك نتيجة لإصلاح إحدى الأقنية الفرعية من قبل عمال، ليس لديهم الخبرة الكافية (..) في هذا المجال، وبدورنا قمنا بمعالجة الموضوع على الفور”.
(لقد حاولت شبكة آسو الإخبارية أخذ تصريح من رئيس بلدية مدينة سري كانيه/ رأس العين، والتقت فيه لكنه لم يرغب بمنح أي تصريح للشبكة يتعلق بالموضوع ليتم نشره).
من جهته قال “محمد حسين” عضو المجلس التنفيذي والمشرف الفني في بلدية المدينة، حول موضوع التكهفات ودورها في التأثير على شبكات مياه الشرب في المدينة: “عالجنا خلال الـ 3 أشهر الماضية 10 حالات تكهف ضمن المدينة، ويوجد 10 حالات تكهف أخرى بعيدة عن المدينة لم تعالج حتى اللحظة، وذلك بحسب الإمكانيات البسيطة الموجودة لدى البلدية. منذ فترة وجيزة تم هدم مبنى كامل مؤلف من ثلاثة طوابق، كنتيجة للمعالجة الخاطئة من قبل البلدية السابقة لموضوع التكهف قبل قرابة الـ 10 أعوام”.
من جانبه أحد المزارعين شرح لفريق شبكة آسو الإخبارية، عن كيفية وصول المياه الملوثة لأراضيهم المزروعة والبساتين، واعتبر أن هناك مشكلة في تلوث المياه.
في الفيديو التالي تقرير عن لقاء شخصيات في البلدية والمزارع:
تقرير من لقاء رئيس بلدية الشعب وعضو المجلس التنفيذي في سري كانيه ولقاء مزارع لديه أرض
الجغرافيا حاضرة
فرضت الطبيعة الجغرافية الصخرية التي تمتاز بها المدينة، إلى ازدياد ظاهرة التكهفات إلى جانب عوامل تسرب المياه.
المهندس “مزاحم الرزة” رئيس مجلس المدينة سابقا ذكر أن: “مسألة التكهف مسألة كبيرة جدا، فطبيعة الصخور الموجودة في المنطقة، هي من العوامل التي ساعدت على حدوث تجمعات مائية وأنفاق. ويقول “المياه كانت تأتي سابقاً من تركيا، فظهرت ينابيع كثيرة نتيجة انخفاض المنطقة، إلا أن أغلب هذه الينابيع والأنفاق جفت، بسبب تأثير العوامل الجوية، والتي كانت نتيجتها بالتالي هي التكهفات”.
في الفيديو التالي يشرح الأستاذ مزاحم الرزة بشكل وافي عن واقع المدينة، وما يحصل لها والحلول الممكنة
لقاء لفريق شبكة آسو الإخبارية مع رئيس البلدية الأسبق لمدينة سري كانيه/ رأس العين المهندس مزاحم الرزة.
رأي الشارع
بعد حديث الجهات المعنية، توجه فريق شبكة آسو الإخبارية لاستطلاع آراء بعض أهالي المدينة حول موضوع تلوث المياه وتأثره بالتكهفات الموجودة.
اعتبار المسؤولين مناشدات الأهالي نوع من “المبالغات”، لا ينفِ وجود مشكلة تعيشها المدينة وتشكل تهديدًا للبنية التحتية، والبيئة، وتلقي بظلالها الثقيلة على الواقع المعاشي لسكان المدينة.
“حسن محمد” أحد أهالي المدينة التقى كلامه مع كلام المسؤولين بأن موضوع التكهف قديم، وهذا الأمر بالنسبة للسكان ليس له أية أهمية، فقد اعتادت عليه الناس. أما بالنسبة لتلوث المياه، فقد اعتبر أن وجود هكذا حالات في كل مكان أمر طبيعي، “وفي مدينتنا قلة من الناس تضررت من التلوث ليس أكثر”.
فيما أشار “إبراهيم ملا درويش” بقوله: “بكل تأكيد خلط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي يسبب أضرارًا جسيمة، لكن في الحقيقة لم أسمع مطلقا أن هناك من تضرر بسبب هذه الحالة في المدينة مثل حالات التسمم”.
هذا ومن جانبه، قال “يوسف شاكر”: “مشكلة التكهف سببها الرئيسي هو قلة المياه في المنطقة، ما أدى إلى تجوفات عميقة مسببة اختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه الجوفية، وأهالي المدينة لديهم تخوف من هذا الموضوع”.
أما عبد الحميد طه ملا درويش – مهندس معماري قال: “البلدية سابقا عملت على مشاريع عدة بخصوص موضوع التكهف، إلا أنه سرعان ما تم توقيف هذه المشاريع خلال فترة قصيرة”.
ويضيف عبد الحميد أن مدينة سري كانية كانت تشتهر بينابيعها، وبعد حدوث حالة التصحر في المنطقة ظهرت مسألة التكهف، إلا أنه وبصراحة يصعب جدا معالجة هذه المسألة. “فالمدينة تعاني من حالات هبوط بالتربة ضمن المدينة وخارجها، ومعظم هذه الهبوطات بمناطق شبكات الصرف الصحي، وكون طريقة إنشاء هذه الشبكات غير نظامية وضمن مخطط سيء، قد يؤدي هذا الأمر لخلط المياه العذبة بالمياه الملوثة، إلا أنها تبقى احتمال وليس مؤكدا، فيما لم يلاحظ على أرض الواقع أية حالات تسمم أو ضرر صحي قد سجل، ولا حتى حالة تلوث للمياه بسبب الاختلاط في المدينة”.
من جهتها ذكرت “عزيزة محمد” أنها لاحظت قبل فترة بسيطة أن هناك تغيير في لون مياه الشرب، وحتى تغيير في طعمته، وقد سمعت أن بعض الأطفال قد أصيبوا بحالات إسهال بسبب المياه”.
الدكتور “أسامة عثمان” صيدلي من أبناء المدينة ذكر أن ظاهرة التكهف هي ظاهرة قديمة وجديدة بآن واحد، المفارقة هنا بأن المياه قد جفت مقارنة مع الماضي، وهذا ما جعل مناطق التكهفات أماكن مليئة بالحشرات، وكون أنه هناك أعطال كبيرة بأقنية الصرف الصحي، فقد يؤدي هذا إلى اختلاط المياه الملوثة بالمياه العذبة، ما يسفر عن أضرار جسيمة. داعياً الجهات المعنية لمتابعة الموضوع.
فريق شبكة آسو الإخبارية توجه لمستشفى روج في المدينة، حيث أكدت إدارة المشفى عدم وجود حالات تسمم بالمياه الملوثة، وأضافت أنه في حال حصل هذا الأمر فالمشفى والكادر الطبي على أتم الاستعداد لمعالجة الحالات.
الفيديو التالي عينة من استطلاعات أهالي المدينة ومستشفى روج.
استطلاعات لأهالي سري كانيه حول ظاهرة التكهفات وخطرها علي المدينة
في الختام
بين مؤكد لوجود الظاهرة ونافٍ لها، اكتملت الصورة بخصوص ظاهرة التكهفات في المدينة، فيما تبين أن هناك بعض الضخ الإعلامي والتهويل لموضوع تلوث المياه من قبل بعض صفحات التواصل الاجتماعي والذي كان مبالغا فيه، لأن مسألة التكهفات هي ظاهرة موجودة بالفعل، ولكن بنسب متفاوتة وتعود لعدة عوامل وبالرغم من ذلك تبقى ظاهرة خطيرة وتحتاج إلى متابعة المعنيين وإيلائهم آذان صاغية لأصوات أبناء مدينتهم، وذلك من خلال سعيهم لتأمين الدعم اللازم للوقوف على الواقع الخدمي بالمدينة وإصلاحه.