أخبار وتقارير
دأب على طباعة كتب ذات محتوى متشدد من قبل الفصائل الموالية للاحتلال التركي و”هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري
قتيبة العلي – إدلب / شبكة آسو الإخبارية
تنتشر في معظم مناطق الشمال السوري ضمن مناطق سيطرة كل من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) ومناطق سيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي، العديد من المكتبات التي توزع كتب تحمل في مضمونها طابعاً جهادياً متشدداً وطائفياً، يحرض ضد العديد من مكونات المجتمع السوري، حيث يتم إعداد هذه الكتب من قبل أشخاص جهاديين وتشرف بعض المطابع التي تتبع بعضها للفصائل على طباعتها وتوزيعها على المكتبات، بشكل مجاني في الغالب.
مؤلفو هذه الكتب هم جهاديون متشددون مستقلون عن جميع الفصائل، لكنهم يقطنون ضمن مناطق سيطرتها، وهم يتبعون جنسيات مختلفة: سورية ومغربية ومصرية وخليجية، حيث يضعون فيها معتقداتهم وتوجهاتهم وآراءهم لاسيما فيما يخص المكونات الدينية مثل “العلوية” والمسيحية” و”الدرزية”، وتجمع كل كتبهم على ضرورة أن يتم تكفير هؤلاء والتبرؤ منهم ومعاداتهم.
وتتضمن محتويات بعض الكتب أموراً تتعلق (بالجهاد) وما يتضمنه من شروط وأحكام وغيرها، إذ يتم فيها التحريض على مواصلة القتال وعدم التخلي عنه حتى تحكيم “الشريعة الإسلامية” في سوريا وتغيير النظام السوري الحالي الذي تصفه هذه الكتب بالنظام “النصيري” في إشارة إلى طائفة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتركز الكتب المنتشرة على دعوة فئة الشباب إلى القتال وتكفير كل من لا يعتنق الإسلام، وعدم التوجه لدول الخارج كلاجئين باعتباره هروباً من فرض “الجهاد” “بحسب الكتب المتداولة.
ويقول الشاب الجامعي “ركاد الفواز” المقيم في إدلب، لشبكة آسو الإخبارية، إنّ “أعداد هذه الكتب كانت في البدايات أكثر مما هي عليه الآن بكثير، فمع اندلاع الأحداث السورية بدأت العديد من الشخصيات والمؤسسات المحسوبة على الجماعات الجهادية بتدوين هذه الكتب وطباعتها بشكل مبدئي ونشرها عبر الحواجز العسكرية، ومن خلال اللقاءات التي كانت تعقد مع المدنيين.
ويضيف بالقول: “أما الآن فأعدادها أصبحت أقل من السابق، لكنها بدأت تظهر بشكل منتظم أكثر، وبأشكال وطباعة احترافية أكثر على عكس السابق، إذ كانت مجرد كتيبات ومنشورات ورقية فقط.” ويبيّن أنّ بعض الشخصيات البارزة بالنسبة للجهاديين والمتشددين، عملوا على تأليف مثل هذه الكتب، مثل المدعو “عبد الله المحيسني” ومصلح العليان” وأبو همام المصري” و”أبو اليقظان المصري” و”عبد الرزاق المهدي”، وغيرهم، أما الجهات المشرفة على الطباعة فهي متعددة، بحسب قوله.
ويشير إلى أن طباعة هذه الكتب في السابق كانت محصورة فيما تسمى بـ “الهيئة الشرعية” التي تضم جهاديين متشددين من جميع الفصائل، وكانت تقوم بطبع هذه الكتب على نفقتها وتوزيعها.
ويذكر “الفواز” أن الوضع بات مختلفاً في الوقت الراهن، حيث أصبحت هناك الكثير من المطابع التي تتم فيها طباعة هذه الكتب، وترعى بعض الفصائل مثل هذه المطابع مثل فصيل “نور الدين زنكي” وهو من أكثر الفصائل الموالية للاحتلال التركي، اهتماماً بالكتب، وتضاف له “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً).
وبحسب المصدر السابق فإن شخصاً واحداً في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” وهو قيادي سابق في تنظيم داعش، يتولى إدارة جميع المكتبات التي توزع الكتب على المدنيين.
أما ضمن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا فهناك العديد من المكتبات التي تعود تبعيتها لبعض الفصائل، ومن أبرزها فصائل “أحرار الشرقية” و”جيش الإسلام” و”الحمزات” و”الجبهة الشامية”، حيث تقوم هذه المكتبات وغيرها بنشر كتب ذات طابع إسلامي متشدد وتكفيري.
وفي هذا السياق يقول “أحمد الحماد” (اسم مستعار) وهو طالب جامعي في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، لشبكة آسو الإخبارية، إن “هناك مكتبات متخصصة فقط في نشر كتب “البنا” وغيره من رموز الإخوان المسلمين، وهي تتبع بشكل حصري لقيادي وشرعي ضمن فصيل “أحرار الشام” يدعى “أبو أحمد دباش” وينحدر من بلدة ملس بريف إدلب، إضافةً إلى وجود مكتبات توزع كتباً تتحدث عن شخصيات جهادية سابقة مثل” خطاب الشيشاني” و”بن لادن”، وغيره.
ويضيف بالقول: “انتشرت ظاهرة الكتب التي تتحدث عن الطوائف الدينية والجهاد والقتال والأفكار المتشددة بشكل عام منذ العام 2014 حيث بدأت تدخل بداية عن طريق تركيا بواسطة مسؤولين وقياديين لدى “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، ثم أصبحت هناك عشرات المطابع والمكاتب، وللأسف فإنها لا تنتج سوى كتب من هذا النوع، فلم نرَ ما يفيد ولم نلاحظ وجود كتب ذات محتوى يليق بالقارئ.”
ويكشف أن الغاية من هذه الكتب بالدرجة الأولى هو استقطاب فئة الفتيان والشباب اليافع للانخراط ضمن الفصائل من خلال شحنهم بالأفكار التي تدعو لضرورة القتال ضد النظام السوري، وأن يسود سوريا نظام حكم إسلامي، ويبيّن أنه على الرغم من وجود نسبة كبيرة من الشباب الواعي والذين لا يحملون هذه الأفكار التكفيرية لكن بعضهم ينجر خلفهم بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي تجبر الكثير من الشبان على الانخراط في الفصائل، وفقاً لقوله.
وللحد من هذه الكتب التي يصفها بـ “السموم”، يقترح “الحماد” أن تكون هناك حالة من المواجهة لها من قبل الفعاليات المدنية والشباب، حيث يبيّن أنها لا تقل خطورة عن الأفكار التي زرعها تنظيم “داعش” الإرهابي في عقول الكثير ضمن المناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا، داعياً إلى ضرورة العمل على التوعية من مخاطر تكفير مكونات الشعب السوري لما له عواقب وخيمة تؤثر على العيش المشترك للسوريين حتى بعد تغير نظام الحكم في سوريا، بحسب تعبيره.
كما ترى الناشطة الصحفية ” ليلى عثمان” المقيمة في تركيا، أن خطورة المسألة لا تنحصر في نشر الكتب التي تحمل أفكاراً متشددة، بل في إبقاء مجموعة من الشرعيين المعروفين وغالبيتهم غير سوريين أصلاً، يتصدرون مشهد الإفتاء الديني للشارع في الشمال السوري ككل.
وفي حديثها مع شبكة آسو الإخبارية تقول “عثمان”: “مع الأسف بات هناك الكثير من الشباب السوريين ضمن مناطق الشمال السوري يصغون لعدد من الشخصيات الجهادية المتشددة إضافة لبعض المشايخ المعروفين بتشددهم وتطرفهم خارج سوريا، وهذا انعكس سلباً على الشارع حيث تغيرت العديد من المفاهيم والعادات لديهم، وقد صادفتُ إحدى القصص التي تثبت مدى تأثر شريحة من فئة الشباب بهؤلاء.
وتبين الناشطة الصحافية، أن “أحزاباً وهيئات ومؤسسات انتشرت في الشمال السوري، ولا يقل الكثير منها خطورة عن هذه الكتب، فلا بد من وضع حد للتغلغل الكبير لبعض من يريدون بث هذه الأفكار وعدم السماح بأن تتحول المنطقة لساحة من التكفيريين، فمن خرج من الشعب السوري ضد النظام في العام 2011 لم يكن هدفه القضاء على مكون من مكونات الشعب السوري أو حتى تحويل سوريا لساحة حرب بل كان يطالب بالحرية والديمقراطية لجميع المكونات دون استثناء.”
وتتساءل عن سبب سكوت النشطاء المحليين في الداخل السوري عن هذه المكتبات التي تشرف عليها الفصائل، وعن صمتهم إزاء محاولة صبغ الشمال السوري كله بصبغة التشدد الديني من قبل بعض الفصائل والمؤسسات والشخصيات، كالجماعات المتواجدة تحت رعاية الفصائل الموالية للاحتلال التركي، والشخصيات التي تقطن ضمن هذه المناطق، مثل المنشقين عن تنظيم “داعش” الإرهابي وتنظيم “حراس الدين” و”القاعدة” الذين يملؤون المناطق تحت مسمع ومرأى المحتل التركي أيضاً.
وتدعو بدورها جميع سكان مناطق الشمال السوري، إلى الابتعاد عن الأفكار المتشددة التي يسعى هؤلاء لترويجها من خلال كتبهم، والتحلي بالمبادئ والقيم الإنسانية والمحبة؛ من احترام الآخرين وعدم الإيذاء والتكفير.
وفي الوقت الذي تستمر الفصائل والجماعات المتشددة ببث سمومها عبر هذه الكتب التي تصنع وتصدر وتنشر بإشرافها الكامل، يؤكد جميع من التقت بهم شبكة آسو الإخبارية بأن تأثيرها بات واضحاً بين أوساط شريحة من اليافعين والشباب، فبمجرد أن يخضع الشاب أو الطفل، لاسيما ضمن تشكيلات الفصائل لدورة يطلق عليها مسمى “شرعية” ويدرس هذه الكتب، يبدأ بتطبيق أفكاره التي تشربها، وذلك من خلال “تكفير” الآخرين ونبذ المكونات السورية وغيرها من الأشياء التي تظهر جلية على حاله.
وانطلاقاً من مدى خطورة ذلك التأثير، وما تنتج عنه تلك الكتب التكفيرية، فإن شبكة آسو الإخبارية تدعو للفت النظر لهذه الزاوية المهمة وأن تتخذ المنظمات المعنية إجراءاتها للحد من انتشار هذه الكتب تفادياً لنشوء جيل كامل من التكفيريين والحاملين لأفكار متطرفة بين أبناء المجتمع السوري، ولابد من الإشارة أن كل ذلك يحدث في ظل صمت المحتل التركي صاحب النفوذ في هذه المناطق.