مدونة آسو
مقدمة في التعريف بـ “خطاب الكراهية” أمميًا وقانونيًا
هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.
فاضل محمد
يشهد العالم انتشاراً واسعًا لخطاب الكراهية على صعيد الدول والمجتمعات والأفراد، وعلى مختلف المستويات العرقية والدينية والطائفية، والذي يعد في أكثر صوره تجليًا، انعكاسًا واضحًا لصراع المصالح السياسية والاقتصادية على العموم، ويتزامن الازدياد المضطرد لهذا الخطاب في أنحاء العالم مع التحريض على العنف وإذكاء شرارة الصراعات وتقويض السلم الاجتماعي وغياب التسامح والتسبب، بشكل أو بآخر، في أذى نفسي وعاطفي وجسدي للمتضررين منه، لما له من تأثير لا يقف على الأفراد والجماعات بعينها فحسب، بل تطال أيضًا المجتمعات بشكل عام.
أصبح خطاب الكراهية أحد أكثر الأساليب شيوعًا، ولا سيّما من خلال تقنيات الاتصال الرقمية لنشر الأيديولوجيات المسببة للانقسامات على النطاق العالمي، وفي حال لو تُرك هذا الخطاب دون ضوابط رادعة فإنه يمكن أن يضر بالسلام على مستوى العالم، لأنه يمهد للتوترات والصراعات ويفتح الباب مشرعًا أمام انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق أوسع، وبداية لا بد من تسليط الضوء على الجهود المبذولة في هذا السياق على الصعيد الأممي.
“احتفاء أممي”
سلطت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تموز من عام ألفين وواحد وعشرين الضوء على المخاوف العالمية بشأن “الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية” في جميع أنحاء العالم، واعتمدت في هذا الخصوص قرارًا بشأن “تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية”، ركزت فيه على ضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية.
ودعا القرار الأممي جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الدول؛ لزيادة جهودها للتصدي لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وعليه أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثامن عشر من حزيران يومًا دوليًا لمكافحة خطاب الكراهية يُحتفل به كل عام، وشهد العام ألفان واثنان وعشرون للمرة الأولى احتفالًا بهذه المناسبة.
وعرّفت استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية؛ لإتاحة إطار عمل موحد يمكن لها من معالجة هذه القضية على الصعيد العالمي، بأنه “أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”.
“تعريفات مضطربة”
وعلى الرغم من هذا التعريف الأممي إلا أنه لا يزال هذا المفهوم محل جدل ونزاع، ولا سيما فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز والمساواة، وذلك مع غياب تعريف شامل لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فالتعريف البسيط لمصطلح “خطاب الكراهية”، هو أي تعبير عن الكراهية التمييزية تجاه الأشخاص على أساس أمر معيّن من هويتهم.
ويُعرف مصطلح “الكراهية التمييزية” بأنه شعور قوي وغير عقلاني بالعداوة تجاه شخص أو مجموعة من الناس بسبب هويتهم، على أساس ميزة خاصة معترف بها في القانون الدولي لحقوق الانسان، أمّا “الخطاب” فهو أي شكل من أشكال التعبير عن فكرة أو رأي أمام جمهور على نحو خطي أو غير لفظي أو مرئي أو فني وما إلى ذلك، ويمكن نشر هذا التعبير عبر وسائل الإعلام ومنها الإنترنت والمنشورات والإذاعة والتلفزيون.
ولكن القانون الدولي لحقوق الإنسان ينصُّ أيضًا وبوضوح، على أنه لا يمكن الحد من حرية التعبير فقط؛ لأنه مهين أو جارح للمشاعر، حتى لو كان التعبير تمييزيًا ومليئًا بالكراهية، ويعول في هذ الصدد على الحكومات التي ينبغي لها العمل للحد من ذلك التعبير حين يصبح خطيرًا بشكل جلي، وحين لا يمكن منع حصول أضرار جسيمة إلا بالحد من تعبير كهذا، على أن أشكال التعبير هذه قد تُعدُّ أسوأ أنواع “خطاب الكراهية”، خاصة التحريض على الكراهية التمييزية، التي تهدف إلى الحث على العنف والتمييز والعداوة.
وفي الوقت الذي لا يمكن فيه اعتبار أن ما ورد أعلاه تعريفًا قانونيًا وهو أوسع من “التحريض على التمييز أو العداء أو العنف” -المحظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان- إلا أن له ثلاث سمات تميزه وهي: أولًا: يمكن نقل خطاب الكراهية من خلال أي شكل من أشكال التعبير، بما في ذلك الصور والرسوم المتحركة والميمات والأشياء والإيماءات والرموز، ويمكن نشرها عبر الإنترنت أو خارجها.
ثانيًا: إنه “تمييزي” (متحيز، متعصب، غير متسامح) أو “ازدرائي” (احتقاري، مهين، مذل) لفرد أو مجموعة.
ثالثاً: إنّ خطاب الكراهية يمس “العوامل المحددة للهوية” الحقيقية والمتصورة لفرد أو مجموعة، بما في ذلك: “الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو نوع الجنس”، ولكن أيضًا خصائص مثل اللغة أو الخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإعاقة أو الحالة الصحية أو التوجه الجنسي، من بين أشياء أخرى كثيرة لهذا الخطاب.
بالمقابل تركز الأمم المتحدة على أنه “من المهم ملاحظة أن خطاب الكراهية يوجه فقط إلى الأفراد أو مجموعات من الأفراد، ولا يشمل التواصل حول الدول ومكاتبها أو رموزها أو مسؤوليها العامين، ولا عن الزعماء الدينيين أو المعتقدات.”
ولعل “خطاب الكراهية” قد يشكّل خطرًا بصورة خاصة عندما يسعى إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات مهمشة، إنما حتى في أشكاله الأقل حدّة، مثل حالات السباب والشتم المتكرر أو الافتراء أو الصور النمطية المؤذية، التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد وتؤدي الى حصول تداعيات غير محمودة.
وعليه من المهم أن نعترف بالخطر المحدق وراء تبني “خطاب الكراهية” بكل أشكاله وأنواعه، ونقر بأن تأمين الحماية الكافية لحقوق الإنسان يتطلب التصدي للكراهية بكل أنماطها. هذا الخطاب الذي يخلق شعورًا لدى من يعاني منه بأن كرامته مهانة على الدوام، الأمر الذي قد يلحق نوعًا من الأذى النفسي به، ويساهم في تعزيز نطاق تهميش المجموعة المستهدفة اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا.
الصورة تعبيرية من النت