Connect with us

مدونة آسو

“صالح حيدو”… غوغل الأكراد ومعهد تراثهم المتنقل على قدميه

نشر

قبل

-
حجم الخط:

آسو-شمس جولو

يكفي للوهلة الأولى أن يتعرف عليك، حتى يعرف إلى أي عشيرة تنتمي، ما اسم قريتك والقرى المحيطة بها؟! إن لم تلتقيه لن تدرك لما أطلقوا عليه لقب “غوغل الكُرد”.

عاش “صالح حيدو” حياته متنقلاً بين القرى والمدن في جميع أجزاء بلاده، باحثاً عن الفلكلور الذي يميز كل منطقة، وأحاجي الأطفال والكبار التي كانت تروى في القرى قديماً. هو من القلائل الذين كان لهم دور كبير في تدوين تراث الآباء والأجداد والحفاظ عليه من الاندثار والضياع.

يقول، ذات مرة غادرت المنزل في الصباح الباكر، وطلبت من أمي تحضير الغداء لحين عودتي، لكني لم أعد إلى البيت إلا بعد سنتين.

تنقل “حيدو” منذ بداياته في المجال الثقافي بين “الغناء والشعر وجمع الفلكلور”، فأتقن كل تلك الأصناف بحرفية وإبداع، وفق شهادات الكثيرين.
واستطاع لاحقاً أن يقدم نتاجاً يتنوع بين إصدارات من تأليفه، و أخرى حصيلة بحثه وإعداده، لتصبح الآن مراجع للتراث.

طفولته وتأثره بالبيئة المحيطة

ولد “حيدو” ضمن عائلة وطنية مهتمة بالأدب والفن، في قرية “حسن أوسي” من عشيرة “كابارا”، وكان يمتلك عدداً كبيراً من الأخوة والأخوات، وتأثر بهم منذ نعومة أظافره هذا ما يرويه عنه صديقه “عبود مخصو”.

تلك القرية الكبيرة التابعة لريف عامودا كان فيها نحو 90 منزلاً، وكانت من أولى القرى التي بنيت فيها المدراس. يتذكر “حيدو” الأعياد حينها وكيف كانت الفتيات والنسوة يأتين إلى منزلنا الكبير، إضافة إلى أخواتي وأمي وخالاتي، وزوجات أبي، وكُنّ يغنين الأغاني الفلكلورية بصوتهن العذب، مرتدين تلك الثياٌب المزركشة والملونة، وربما لهذا أحببت الفلكلور منذ الطفولة.

كان منزلهم من بين ثلاث منازل امتلك أصحابها الراديو في القرية، ولا يزال “حيدو” يحصي جميع البرامج الكردية التي كان ينصت إليها آنذاك، مع توقيتها والبلدان التي كانت تبث منها. في حديثه عن والده الذي كان من “الرجال المثقفين في عهده” يقول “كان والدي حافظاً لقصائد الشعراء كأحمد خاني وجكرخوين وغيرهم، وكان يشرح لي جميع الكلمات التي لم أكن افهمها عندما كنت استمع إلى الإذاعات الناطقة بالكردية وقتها.

عن قريته التي قضى فيها سنوات الطفولة يسترسل قائلاً “في موسم الصيف، كان شبان القرية يذٌهبون لجلب الماء من الآبار، وبعدها يجلسون عند جامع القرية، ليشاهدوا الفتيات وهن يجلبن الماء لتحضير اللبن، مرتديات تلك الأزياء الكردية الجميلة، ويُغَنين الأغاني القديمة الفلكلورية، فيبدين كما البلابل حين تغرد.
كانت الأسئلة تدور في رأسه منذ الصغر لماذا نتكلم العربية وحدها في المدرسة؟ لماذا لا يوجد لدينا مدراس نتعلم فيها لغتنا الأم التي تحتوي ضمن طياتها الكثير من الأشعار والقصائد والفلكلور الجميل؟ هذه الأسئلة ألهمته دافعاً قوياً للبحث والتعلم. بعدها تعلم اللغة الكردية من تلقاء نفسه، حيث بدت الأحرف الكردية مشابهة لأحرف اللغة الفرنسية التي كان قد تعلمها في المدرسة حينما كان طفلاً.

انتقاله من القرية إلى المدينة

يقول صديقه “مخصو” لدى انتقاله إلى الحسكة بعد اتمام الصف السادس، غابت عنه تلك الثياب التي اعتادها، وكان لذلك أثر في دفعه للبحث عن اللغة الكردية وفلكلورها إذ يؤكد “مخصو” أن انطلاقة حيدو مع اللغة الكردية جاءت في عمر الـ 13، حينها تأثر كثيراً بشعر “جكرخوين” وكتاب الأحرف الكردية لأوصمان صبري.

بعد اتقانه للكردية قام بتدريسها سراً لبعض الشبان في الحسكة، حين كانت محظورة من قبل النظام.
يروي “مخصو” أن الحكومة قامت باعتقاله لأكثر من 22 مرة، ولكن لحسن الحظ لم تكن مدة الاعتقال في كل تلك المرات طويلة.

يوضح “حيدو” أنه تعرض للضرب حينما كانت اللغة الكردية جريمة تعاقب عليها الحكومة. وكيف أن البيت الذي كان يضيء أنواره بعد الثامنة مساء، يتعرض للمسائلة، فالحكومة كانت تخشى الاجتماعات في المنازل حينها.

ترحاله بين جميع أجزاء كردستان

أمضى حياته متنقلاً بين المدن الكردية. زار معظمها باحثاً بين أرجاءها عن العادات والقصص القديمة التي تشاع بين الناس. تَحَمّلَ الجوع والعطش ومشقة الطريق، لم يحمل في جعبته سوى القلم والدفتر وكاميرا يوثق به ترحاله.

بدأ مع الفلكلور بجمع الأغاني القديمة بجميع اللهجات، و انتقل بعدها إلى جمع الأحاجي والقصص، إضافة إلى الأمثال الشعبية الشائعة بين الناس، ومن ثم بدأت رحلته في التقاط الصور للزي في جميع أجزاء كردستان.

عن ترحاله يقول، تمكنت من زيارة معظم القرى والمدن الكردية وقمت بجمع 8 آلاف صورة للزي، إلى درجة أنه ولدى وصولي لبعض القرى والمدن، كانت الناس تعرفني وترحب بي.

أعماله طيلة فترة حياته

المصاعب التي مر بها وسنوات الترحال الشاقة لم تذهب هدراً، هذا ما يدركه بعد أن أصبحت جميع معلوماته موثقة ضمن كتب، وباتت مراجع لمن يود التعرف على العادات والتقاليد الكردية العريقة.

قام بتصنيف المناطق الكردية، بحسب عاداتها ولباسها الفلكلوري، تمكن خلال مسيرته من جمع 1500 أغنية وتحليلها، عدا 75 كتاباً عن التراث والفلكلور الكردي، طبع منها 37 فيما لا يزال 40 من ها قيد الطباعة، كما كان للشعر نصيب من عطاءها فأصدر 8 دواوين.

وإضافة إلى ما يمتلكه من ملكة البحث فهو يمتلك موهبة فنية لا تقل شأناً، كونه يتقن العزف على العديد من الآلات الوترية، كما سبق أن قام برسم الكثير من الشخصيات والرسومات التي ترافق شروحاته في الكتب والمراجع.

عمل في الكثير من المجلات والصحف داخل البلاد وخارجها، وتولى رئاسة تحرير مجلة “كلستان” ويقدم الآن برنامج على إحدى الفضائيات الكردية عن الفلكلور والتراث. فشغفه منذ الصغر لايزال كما هو، لكنه بات يدرس ما كان شغوفاً به لطلاب قسم الأدب الكردي في جامعة روج أفا (الجامعة المنشأة حديثاً من قبل الإدارة الذاتية).

تقول “سميرة مصطفى” (21عاماً) إحدى طالبته “يدرسنا تاريخ الآباء والأجداد، وتصاميم للزي الكردي وكل شيء يتعلق بالفلكلور، وتلفت إلى أن “حيدو” كان يأتي في أغلب الأحيان بثياب فلكلورية، لنندمج في الأجواء التي كان يخلقها ضمن محاضراته.

بعد مسيرة نحو 60 عاماً قضى معظمها بين الترحال والبحث في جمع الفلكلور الكردي حتى تتمكن الأجيال القادمة من التعرف والحفاظ عليه. ربما يدرك قلة من أبناء شعبه ما الذي يعنيه “صالح حيدو” بالنسبة لتراثهم وجذورهم، وكيف يمكن للشغف أن يحول إنسان إلى “معهد متنقل” عن تراث بلاده.

*الصور من مشاركته في معرض هركول الأخير

*المادة منشورة بالتعاون بين شبكة آسو الإخبارية ومنظمة بيل للأمواج المدنية، وهي نتاج ورشة إعداد صحفي/ شمس جولو