أخبار وتقارير
نازحو سري كانيه هروب من الموت وكبرياء غير محدود
آسو- لورين صبري
يفترش (محمد. س) على مجموعة كراتين جمعها، صانعًا منها مفرشًا، ويجلس مع ابنيه الصغيرين، في زاوية بأحد مراكز الإيواء في مدينة قامشلو/القامشلي. أما زوجته ووالدته فتجلسان في قاعة صفية ضمن مدرسة تحولت لمركز نزوح للأهالي، من مدن مختلفة معظمهم من سري كانيه/ رأس العين، بعد العدوان التركي على روج آفا/شمال وشرق سوريا بدءًا من التاسع من تشرين الأول 2019.
أمام باب المأوى تأتي سيارة محملة بمعونات للأهالى وهم ينظرون لبعضهم البعض لا يتحركون اتجاه العربة، حيث علامات الخجل والكبرياء واضحة، وتظهر مدى الاعتزاز بالنفس لدى هؤلاء الأهالي الذين أجبرتهم الظروف أن يكونوا في هذا المأوى، فالعدوان التركي أجبرهم على الهروب من مدينتهم.
النازحون بطبيعة الحال يعيشون ظروف استثنائية صعبة، وهم بحاجة ماسة للمساعدة خاصة في ظل وجود أطفال ونساء بينهم.
لا تفارق علامات الخجل “محمد. س” وهو يمد يده لاستلام سلة غذائية ربما تؤمن قوت أولاده هذا اليوم، بانتظار يوم غد فربما يأتيهم خبر جديد، يساعد في عودتهم لديارهم بعد وقف إطلاق النار، أو نتيجة للاتفاقات السياسية الدولية.
يسأل الموظف المسؤول عن التوزيع مشيرًا لـ “محمد. س” بالقول: هل تكفيك سلة واحدة، فيما يطلب منه استمارة تحمل بيانات الأسرة، فيجيب “محمد” بـ “نعم تكفي” ثم يذهب.
يقول “محمد” أنا من مدينة سري كانيه، لم نعتد أن نرى أنفسنا في ظرف كهذا، فقد كنا دومًا نبحث عن السلام، ونساعد النازحين من باقي المحافظات، اليوم الأهالي هنا يساهمون بالمساعدة لكن المعاناة أكبر من قدرة الأهالي.
“محمد. س” تاجر جملة في مدينة سري كانيه، يعتبر أن هذا الظرف الاستثنائي الذي أوصلهم للمأوى يجب أن يكون مؤقتًا “أهالي المدينة جميعهم خرجوا منها ونزحوا لمدن داخل محافظة الحسكة، أي عائق يسبب بعدم عودتهم لديارهم سيكون كارثة”.
في نفس المأوى يقف “سعيد” أيضًا من سكان سري كانيه، يسأل الموظفين المتطوعين بمساعدة النازحين، عن واقع مدينته، ويسألهم “هل هناك بوادر تغير تساهم بعودتنا… هل سيخرج المحتلون من مدينتنا”.
يقول سعيد لشبكة آسو الإخبارية “أنا اعتبر نفسي أعيش في كابوس مؤقت سينتهي، لا بد أن ينتهي ونعود”.
تتجنب والدة “محمد. س” الحديث، وتبتعد كل ما شاهدت وسيلة إعلام، تقول خجلًا لمراسلة شبكة آسو الإخبارية “ليس هذا مكاننا يا بنيتي، لم نطلب السلام حتى نكون هنا، لدينا منازل وأراض، نحن نخجل من النظر لبعضنا البعض في هذا الظرف، ليس هناك ما يأوينا… متى سنعود لمنزلنا ومدينتنا”.
أنهى “محمد. س” علبة السجائر التي في جيبه وهو يبحث عن اشعال سيكارة جديدة لكن لا يحمل المال الكافي، “في اليوم الأول لم نخرج، لكن في اليوم الثاني اضطررنا للخروج بعد وقوع السقف، لم استطع إخراج أموالنا من المنزل، الأن لا أعلم ماذا أفعل”.
زوجة “محمد. س” تلوم زوجها لعدم الخروج من اليوم الأول قبل اشتداد القصف، وتقول هو السبب بعدم إخراج نقودنا، فيجيب محمد “كان تشبثي بالأرض ومدينتي يمنعني من ذلك”.
يخشى أهالي مدينة سري كانيه النازحين لمدن مختلفة، من أن يعود سيناريو عام 2012 عندما دخلت الفصائل المعارضة المسلحة مدينتهم، وقامت بسرقة ونهب وسلب ممتلكاتهم.
“محمد” وكثيرون من أهالي المدن التي نزح أهلها، يعيشون الصراع بين هدف البقاء في الأرض والخوف الذي يدفعهم للتفكير بالرحيل، بين نزاع الحرص على أرضه وممتلكاته والخوف على اسرته، أسئلة كثيرة تراود الأهالي الذين ينتظرون حلًا سلميًا يزيل عنهم هموم الحياة وتعب الحرب.
وكانت تركيا بدأت العدوان على مناطق شمال وشرق سوريا بتاريخ 09 تشرين الأول 2019، حيث أسفر الهجوم عن نزوح معظم أهالي المدينة الذين لم يعودوا إليها حتى الأن.
*الصورة لنازح من سري كانيه / رأس العين إلى بلدة كركي لكي /المعبدة.