أخبار وتقارير
في سلسلة مستمرة لأفعال الجيش الوطني السوري في المناطق المحتلة… القوى المدعومة من تركيا تحول منازل مدنيين سوريين مهجرين لمقار عسكرية وتوسع الانتهاكات
يامن الخالد – حلب
دأب “الجيش الوطني السوري” منذ دعم احتلال تركيا لأراضٍ في سوريا، على القيام بانتهاكات جمة وأفعال مضادة لحقوق الإنسان، من مصادرة لمنازل المدنيين والمباني الحكومية والمنشآت العامة، إلى عمليات استيلاء واعتقال بحق الأهالي وممتلكاتهم في عفرين المحتلة، وثقتها تقارير منظمات حقوقية دولية، واليوم تتوسع سلسلة الانتهاكات حيث تقوم فصائل الجيش الوطني السوري بتحويل منازل المدنيين المهجرين من عفرين لمقار عسكرية، ويستخدمها في الجانب العسكري.
انتهاكات عديدة تشهدها عدة مناطق تخضع لسيطرة واحتلال الجيش الوطني السوري، تحويل مباني ومنازل تعود لمدنيين إلى مقار وثكنات عسكرية، بعد طرد وتهجير أصحابها منها وبشكل تعسفي، وذلك منذ احتلال تركيا والفصائل المسلحة في الجيش الوطني السوري لمناطق الشمال السوري، ولاسيما مدن عفرين وسري كانيه/ رأس العين وتل أبيض وغيرها، ما نتج عن ذلك تهجير فتشرد عدد كبير من العائلات ونزوحهم وخسارتهم لممتلكاتهم، إضافة لخروج المباني الحكومية والمؤسسات المدنية والمنشآت الحيوية عن الخدمة بعد تخريبها والعبث بها، والقيام بتحويلها لمقار شخصية.
أرزاق وممتلكات تعود للمدنيين تحولت إلى مقار وثكنات
منذ أن خضعت قوى المعارضة السورية، السياسية والمسلحة، لهيمنة الاحتلال التركي في شراكة غير عادلة مع تركيا، أصبحت الأداة الضاربة للمدنيين بيد تركيا، ومساهمة بتنفيذ مصالح ومشاريع تركيا في سوريا، لدرجة أصبح تاريخ فصائل “الجيش الوطني السوري” حافلًا بالانتهاكات وجرائم الحرب، إضافة لانتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي تحاول تركيا أن تغطي على احتلالها وجرائم فصائل المعارضة السوري، توثق منظمات دولية وحقوقية عشرات التقارير التي تدعم رواية قيام تركيا باحتلال الأراضي السورية، وتهجير السكان الأصليين، وجلب مجموعات بشرية من مناطق أخرى بهدف التغيير الديمغرافي، كما أطلقت العنان لفصائل الجيش الوطني السوري لتعيث الفساد وتغير من شكل البنى التحتية للمناطق المحتلة.
“شبكة آسو الإخبارية” قامت برصد عمليات انتهاك قامت بها فصائل المعارضة السورية المسلحة، في مصادرة المنازل والمباني والمنشآت الحيوية وتحويلها لمقرات وثكنات عسكرية.
ويشير الناشط الصحفي “سليمان عساف” ( اسم مستعار) في مدينة عفرين لشبكة آسو الإخبارية، إلى النقاط التي تتواجد فيها المدارس بمدينة عفرين، وتم تحويلها لثكنات عسكرية، فيقول إن عناصر من “القوات الخاصة” التابعة للاحتلال التركي والتي تتمركز في إحدى مدارس مدينة عفرين، وهي مدرسة” فيصل القدور” الواقعة في حي “الفيلات” داخل المدينة، قام الاحتلال التركي بتحويل المدرسة لثكنة عسكرية منذ بداية احتلال المدينة في آذار 2018، في حين تتمركز عناصر بزي عسكري، تعرف باسم “الشرطة العسكرية” قام الاحتلال التركي بدعم تأسيسهم، في المدرسة الثانوية للبنات داخل المدينة، بينما تتمركز عناصر “الشرطة المدنية” بمشاركة مع عناصر من قوات الاحتلال التركي داخل مدرسة “الزراعة” في المدينة، كما تخضع مدرسة” أمير غوباري” لسيطرة قوات الاحتلال التركي التي تتخذ منها ثكنة عسكرية لها، في حين تم تحويل مدرسة “أزهار عفرين” لثكنة عسكرية أيضاً تتمركز بداخلها قوات الاحتلال التركي، ومدرسة “الأصدقاء” التي تتمركز بداخلها حالياً قوات مشتركة من الاحتلال التركي وفصائل الجيش الوطني السوري.
ويهدف الاحتلال التركي بفرض التتريك وفرض التغيير الديمغرافي على المنطقة، وبذلك يغيب التعليم، ويعمل بهدف محدد لتحويل دور التعليم إلى ثكنات عسكرية لفرض الطابع العسكري على المنطقة، فيذكر “سليمان عساف” أنه في غالبية النواحي التي تتبع عفرين، مثل جنديرس وشران ومعبطلي وراجو وشيه، هناك تواجد عسكري كثيف للاحتلال التركي وفصائل الجيش الوطني السوري، في العديد من المدارس الثانوية والإعدادية، في حين أسفر الاجتياح التركي لعفرين، لتخريب وتدمير عشرات المدارس في عفرين وريفها، وخروجها عن الخدمة، بسبب القصف الممنهج الذي تعرضت له من قبل طائرات الاحتلال التركي خلال المعارك التي دارت في العام 2018 وانتهت باحتلال هذه المناطق.
ليس المدارس فقط بل ممتلكات مدنيين تتحول لثكنات عسكرية
لا يقف الأمر عند التغيير الديمغرافي، وتحويل المنشآت لمقار عسكرية، بل منازل مدنيين وسكان أصليين مهجرين عن عفرين، تم تحويلها لثكنات عسكرية، فمصادر خاصة بشبكة آسو الإخبارية من داخل عفرين، أشارت إلى عشرات المنازل التي تعود لمدنيين، تم تحويلها لمقار وثكنات عسكرية يتمركز فيها الاحتلال التركي والجيش الوطني السوري، ففي قرية “غاوندا” التابعة لناحية راجو على سبيل المثال لا الحصر، تم تحويل منزل المدني “خليل شكري مصطفى” من سكان المنطقة الأصليين، إلى ثكنة عسكرية ومقر لقوات الاحتلال التركي، في حين تحول منزل في قرية “كفر صفرة” بناحية جنديرس، لمقر عسكري للاحتلال التركي ويشاركه في الهيمنة على المنزل لواء “سمرقند” الموالي للاحتلال التركي.
بتاريخ 8 تشرين الأول 2021، أقدم عناصر مسلحون يتبعون لفصيل “جيش الأحفاد” الموالي للاحتلال التركي على اقتحام ثلاثة منازل بناحية معبطلي، وقاموا بإخراج أصحاب المنازل الأصليين وتحويل المنازل لمقار عسكرية، وبتاريخ 15 أيلول 2021 أقدم عناصر مسلحين يتبعون لفصيل “فرقة السلطان مراد” على اقتحام عدد من منازل قرية “كفر جنة” التابعة لمدينة عفرين المحتلة، واعتدوا بالضرب على أصحاب المنازل وإخراجهم منها بقوة السلاح ثم قام عناصر الفصيل بالسكن في هذه المنازل وتحويلها لمقرات عسكرية، على حد قول مصادر متعددة من المدينة.
وتسيطر تركيا على مناطق عفرين وتحتلها، وتقوم بممارسة سياسات استثنائية أقرب للاحتلال في المنطقة، وهذا ما أشارت إليه وثائق مؤسسات دولية وتقارير أممية.
في ناحية شيه/الشيخ حديد تم الاستيلاء بين 50 إلى 80 منزل يعود للمدنيين، وتسيطر عليه عناصر فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” الموالية للاحتلال التركي، حيث تحولت جميعها لمقار عسكرية، وثكنات مبيت عسكرية للعناصر، كما تم تخريب العديد من هذه المنازل، وتحويلها لمقار بعد طرد وتهجير سكانها الأصليين خارج المنطقة.
وتوجد العديد من المنازل التي تعود ملكيتها لمدنيين مهجرين من قرية “باصوفان” ذات الأغلبية الإيزيدية، الواقعة جنوب مدينة عفرين المحتلة، بعد أن تم طرد وتهجير سكانها استولت عليها عناصر فصيل “فيلق الشام” وقامت بتحويلها لمقار عسكرية تتبع الفصيل، بينها منزل المدني “دلكش العمر”، ومنزل لامرأة مسنة تدعى” غزالة السلمو” ومنزل المدني “سليمان جعفر”، علماً أن من تبقى من سكان القرية لا يشكلون نسبة 5 بالمائة من السكان الأصليين، حيث يتواجد فيها حالياً أقل من 100 نسمة من السكان الأصليين من أصل 2000 نسمة، وذلك بسبب طردهم وتهجيرهم على يد الفصائل لأسباب تتعلق غالبيتها بالانتماء الديني، على حد قوله.
ممارسات الاحتلال التركي مستمرة بجميع المدن المحتلة، ففي سري كانيه/ رأس العين، قامت فصائل الجيش الوطني السوري، المدعومة من الاحتلال التركي، بالاستيلاء على منازل مدنيين، وفي الريف قامت بالاستيلاء على قرى وتم تجريف المنازل العائدة للمدنيين كما حصل في قرية عين الحصان غرب سري كانيه/ رأس العين، وقرية الداودية التي تم تجريفها وتحويلها إلى قاعدة عسكرية، ونشرت لجنة مهجري سري كانيه/ رأس العين، في 22 آذار الفائت، في بيان أن مجموعة تابعة لمرتزقة فرقة الحمزة التابعة للجيش الوطني، وبالتزامن مع حلول عيد نوروز، أقدمت على جرف أكثر من 9 منازل في قرية عين حصان جنوب غرب مدينة سري كانيه/رأس العين، إضافة إلى جرف بساتينهم لتحويل القرية إلى مقار عسكرية وساحات لتدريب المرتزقة.
وأسماء أصحاب المنازل التي تم جرف منازلهم من قبل جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، وهم: علي مصطفى حمو كور، مظلوم علي مصطفى، حمو كور، دوغان علي مصطفى حمو كور، أحمد محمد حمو كور، علي محمد حمو كور، عبد القادر محمد حمو كور، محمود محمد حمو كور، عدنان محمد حمو كور، عزيز محمد حمو كور، عزيز مصطفى حمو كور، فرهاد عزيز مصطفى، حمو كور، علي عزيز مصطفى حمو كور.
منظمات دولية وحقوقية: القوات الموالية لتركيا المسؤولة عن مصادرة الممتلكات
جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2018، أنه منذ أن بسطت القوات المسلحة التركية والجماعات المسلحة الموالية لها سيطرتها على عفرين في آذار 2018، اكتشف الكثيرون ممن تمكنوا من العودة أن الجماعات المسلحة الموالية لتركيا قد صادرت ممتلكاتهم وسرقت متعلقاتهم.
وفي هذا السياق، قال عشرة أشخاص لمنظمة العفو الدولية إن الجماعات المسلحة السورية قد صادرت الممتلكات والمحلات التجارية في عفرين، وقال نازحون إن أقاربهم وجيرانهم أخبروهم بأن منازلهم قد أصبحت بمثابة مقار عسكرية للجماعات المسلحة الموالية لتركيا أو تعيش فيها عائلات نازحة من الغوطة الشرقية وحمص.
وقال مدرس من النازحين في أحد المخيمات بمنطقة الشهباء لمنظمة العفو الدولية إن جماعة “فيلق الشام” صادرت منزله بمنطقة جنديرس، وأضاف قائلاً: قال لي جاري إن منزلي قد صودر، وأرسل إلي صوراً يظهر فيها بوضوح اسم “فيلق الشام” مكتوباً على جدار مدخل البيت.
وتضمن تقرير حقوق الإنسان عام 2020، أن لجنة تقصي الحقائق “تثبتت من وجود أنماط متكررة من النهب الممنهج والاستيلاء على الممتلكات” من قبل أعضاء الجيش الوطني في عفرين ورأس العين وأنه “بعد نهب ممتلكات المدنيين، احتل مقاتلو الجيش وعائلاتهم المنازل بعد فرار المدنيين، أو في نهاية المطاف أجبروا السكان، ومعظمهم من أصل كردي، على الفرار من منازلهم من خلال التهديدات والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز”. وأبلغت لجنة تقصي الحقائق أيضاً عن قيام جماعات المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا بنهب ومصادرة المدارس والشركات والآلات الزراعية.
خطورة تحويل ممتلكات المدنيين إلى مقرات وثكنات على المدى البعيد
من ناحية أخرى، قال الناشط المقيم في مدينة الباب “محمد الأحمد” (اسم مستعار) لشبكة آسو الإخبارية، أن تحويل منازل المدنيين والمنشآت الحيوية لثكنات ومقرات عسكرية من قبل الفصائل الموالية للاحتلال التركي، يترتب عليها خسارة المدنيين لممتلكاتهم ودفعهم للنزوح من منازلهم، وكذلك خروج المباني الحكومية والمراكز الصحية والمدارس عن الخدمة.
وأن تحويل المخابز ودور العبادة والمؤسسات المدنية وغيرها، إلى مقرات عسكرية في مناطق ريف حلب الشمالي، ليس إلا دليل على جهل وهمجية الفصائل المسلحة، وأن الاحتلال التركي لم يجلب سوى الدمار والخراب للمناطق التي احتلتها، على حد قوله.
فيما لا تزال القوات التركية والفصائل الموالية لها تتخذ العديد من المنازل والمدارس والمباني الحكومية والمنشآت الهامة ثكنات عسكرية لها في تحدي واضح لجميع القوانين الدولية التي تجرم هذا الفعل.
ويذكر بأن قوات الاحتلال التركي والفصائل الموالية لها ومنذ بداية الاحتلال في شهر آذار 2018 لمناطق عفرين، لم تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية واستخدمت القوة المفرطة بحق منازل المدنيين والمنشآت الحيوية الهامة، ولا تزال هذه الانتهاكات مستمرة.