أخبار وتقارير
“عودة طوعية” أم تغيير ديموغرافي ودفع مليون لاجئ نحو مصير مجهول؟
أعلنت سلطات الاحتلال التركي على لسان “رجب طيب أردوغان” ووزير خارجيته عن عزمها إعادة ما يقارب مليون لاجئ سوري إلى الشمال السوري.
وستتم عمليات الترحيل إلى مناطق من ريف حلب الشمالي على وجه الخصوص، وهي مناطق خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة الموالية لها.
ويهدف المشروع التركي إلى إحداث تغيير ديموغرافي ممنهج للمنطقة، وذلك من خلال إنشاء مستوطنات لترحيل اللاجئين إليها.
وذكرت مصادر محلية لشبكة آسو الإخبارية أنّ سلطات الاحتلال التركي بدأت فعلياً ببناء مستوطنات ضمن المناطق التي تحتلها في ريف حلب الشمالي ومناطق أخرى في ريف إدلب. حيث انتهت من بناء مستوطنة سكنية ضمن منطقة “باتبو” في ريف إدلب الشمالي تضم مئات المنازل، وبحسب المصادر ذاتها فقد شارك وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” في افتتاح المستوطنة بتاريخ 5 أيار الجاري خلال زيارة أجراها لمناطق الشمال السوري.
وتم إنشاء المستوطنة تحت إشراف كامل من سلطات الاحتلال التركي دون تدخل من المنظمات الإنسانية السورية، حيث أشرفت على دعم بناء المستوطنة كل من “هيئة الكوارث والطوارئ التركية” و”الهلال الأحمر التركي” و” وقف الديانة التركية”، وتهدف المستوطنة لاستيعاب آلاف العائلات التي سيتم نقلها من تركيا إلى الشمال السوري خلال المرحلة القادمة.
خطة ترحيل اللاجئين السوريين كشفت عن تفاصيلها العديد من المصادر الإعلامية التركية وأوضحت ما تخطط له سلطات الاحتلال التركي خلال الفترة القادمة، ومن بين تلك المصادر الإعلامية قناة ” h haber” التركية التي كشفت عما أسمتها الخطة المؤلفة من 8 مراحل والتي وضعتها حكومة الاحتلال التركي لإعادة اللاجئين السوريين لبلادهم، وبحسب القناة فإن المرحلة الأولى ستركز على ترحيل السوريين من المدن والمحافظات الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة وعينتاب وأضنة، ليتم بعدها العمل على تجهيز مناطق الشمال السوري وتهيئتها لاستقبال نحو مليون لاجئ سوري كمرحلة أولى.
وسيتم التركيز على 13 منطقة في بداية عمليات التوطين، ومنها جرابلس وجنديرس وإعزاز والباب وغيرها في المدن في ريف حلب الشمالي، ليتم لاحقاً العمل على تجهيز المنشآت الحيوية مثل المشافي والمدارس والأفران والمؤسسات الخدمية، وأخيراً سيتم افتتاح مشاريع تنموية وخدمية لتوفير فرص عمل لأكبر عدد ممكن من السوريين الذين سيتم ترحيلهم.
لكن هذه الوعود لا تحظى بأية مصداقية من قبل الكثير من السوريين سواء كانوا مقيمين في الشمال السوري أو ضمن الأراضي التركية، معتبرين أنها مجرد “وعود كاذبة” لن تنفذ فعلياً على الأرض ويبدون تخوفهم من بدء سلطات الاحتلال التركي بتنفيذ عمليات الترحيل القسرية.
وفي هذا السياق يقول خالد الأحمد” (اسم مستعار) يقيم مع زوجته وعائلته منذ العام 2012 في إحدى القرى المحيطة بمدينة أنطاكيا التركية، في حديثه مع “شبكة آسو الإخبارية”، إنه يشعر بالاستقرار في تركيا وقد استطاع الحصول على عمل في إحدى المؤسسات الخيرية إضافة لحصوله على مساعدات غذائية وراتب شهري وبالكاد يستطيع دفع إيجار منزله وإعالة عائلته، ففكرة عودته للشمال السوري ستكون كارثية بالنسبة له “على عد وصفه.
ويضيف بالقول أنّ الكثير من أقاربه يقيمون في الشمال السوري ضمن مخيمات ريف إدلب الشمالي وهو على تواصل دائم معهم ويعلم حقيقة ظروفهم.” ففي كل عام مع قدوم فصل الشتاء تعاني المخيمات من الفيضانات بسبب الأمطار وخلال فصل الصيف تعاني من شدة الحرارة، فضلاً عن الفقر الشديد وعدم وجود إمكانيات مادية وفرص عمل ولا حتى دعم إغاثي بشكل جيد”.
وفي ظل هذه الظروف يرفض “الأحمد” فكرة العودة، لا سيما مع وجود “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً” وفصائل المعارضة المسلحة الموالية للاحتلال التركي التي “تضيق الخناق على المدنيين ضمن مناطق سيطرتها وتفرض عليهم قوانينها والضرائب والإتاوات وتتدخل بكل شيء” بحسب قوله.
ويناشد “الأحمد” عبر شبكة آسو الإخبارية، المنظمات الحقوقية والدول الأوروبية للتدخل لحل هذه القضية ومنع تركيا من إرسال كل هذه الأعداد من المدنيين لمصير مجهول وتحت تهديد خطر الجوع والفقر والموت المحتمل، إما تحت قصف طائرات الحكومة السورية أو بسبب الفلتان الأمني وحالة الفوضى التي تشهدها جميع مناطق الاحتلال التركي و”هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري، وفقاً لقوله.
وفي سياق متصل يقول الصحافي والحقوقي ” لؤي أبو جواد” المقيم في إدلب، لشبكة آسو الإخبارية: “هناك تعمد من قبل سلطات الاحتلال التركي لإنهاء ملف اللاجئين السوريين وتخفيف أعدادهم لحد كبير قبل أن تبدأ دورة الانتخابات الرئاسية المزمع انطلاقها في العام 2023، حيث يسعى “أردوغان” لكسب الحاضنة الشعبية وتهدئة الأحزاب المعارضة التي تضع ملف اللاجئين ضمن جدول أولوياتها”.
ويعتبر أنّ ترحيل السوريين هو إجراء غير قانوني مناقض لتعهدات أردوغان طيلة السنوات الماضية. حيث كان يكرر بشكل دائم أنه لن يدفع السوريين للخروج من تركيا ولن يعيدهم ما دام هناك خطر على حياتهم، وهو الآن يريد إعادتهم تحت مسمى “المناطق الآمنة” وهي ليست بالآمنة على الإطلاق وبشكل مستمر تتكرر عمليات التفجيرات والقصف والاشتباكات وتعيش هذه المناطق حالة من الفلتان الأمني ولا يمكن العودة إليها.
ويوضح أن هناك تعهدات تركية رسمية بخصوص قضية اللاجئين، “ولم يعد السوريون مجرد هاربين من الحرب لفترة قصيرة بل أصبح لهم في تركيا الكثير من الأشياء التي تربطهم وتدفعهم لعدم التفكير بالعودة”، حيث يشير إلى أن هناك الكثير من حملة الجنسية والجميع يحمل بطاقات الحماية المؤقتة والتي تمنحهم حق البقاء على الأراضي التركية ما دامت هناك تهديدات محتملة على حياتهم في حال عودتهم.
ويرى الصحافي السوري أن السوريين لا يشكلون أي عبء على تركيا، وأن المسألة هي العكس تماماً من ذلك، فقد “انتعش اقتصادها كثيراً بسبب آلاف الصناعيين والحرفين ورجال الأعمال السوريين إضافة لما تأخذه تركيا باسم اللاجئين من دول الاتحاد الأوروبي سنوياً، ويضاف لذلك أن وجود السوريين ساهم في انتعاش كبرى المدن التركية وافتتاح مئات المشاريع الاستثمارية”.
ويلفت إلى أن بناء المزيد من المستوطنات السكنية في مناطق سيطرة الفصائل في ريف حلب الشمالي يعد انتهاكاً آخر لحقوق الإنسان، فمعظم هذه المناطق تعود لمدنيين كُرد هجرتهم تركيا من قراهم وبلداتهم بذريعة إبعاد خطر “قوات سوريا الديمقراطية” عن حدودها، فبناء المستوطنات وتوطين المزيد من اللاجئين والمهجرين يعني استمرار تركيا بالتلاعب بالتركيبة السكانية للمنطقة وتغيير ديموغرافيتها”.
ويؤكد على أهمية الوقوف بوجه هذا القرار التركي من الداخل، كما يدعو السوريين في تركيا لرفض القرار عبر الخروج بمظاهرات منددة به والتعبير عن رأيهم بجميع الطرق المتاحة، وضرورة تدحل الدول المعنية بقضية اللاجئين السوريين مثل الدول الأوروبية، لحل هذه القضية ومنع تركيا من تنفيذ مخططها.
وفي هذا السياق يقول سليمان المحمود (اسم مستعار لأحد مصادر شبكة آسو الإخبارية) بأن “سلطات الاحتلال التركي بدأت فعلياً بالتضييق على اللاجئين السوريين وبدأت بنشر العديد من الحواجز على مداخل المدن الرئيسية للتدقيق على الأوراق الثبوتية الخاصة باللاجئين السوريين، وقامت بتاريخ 12 أيار/ مايو الجاري بترحيل نحو 200 لاجئ من السوريين والأفغان وهذه الحادثة لم تأخذ أي صدى إعلامي، وقد سحبت الجنسية التركية أو ما تعرف باسم “الجنسية المزدوجة” من العديد من السوريين رغم حصولهم عليها قانونياً ووفقاً للشروط التركية التي وضعتها وهي إما الاستثمار داخل تركيا بمبلغ يزيد عن 250 ألف ليرة تركية أو أن يكون الشخص موظفاً أو له دور مهم في تركيا”.
وأضاف “المحمود” بالقول: إنّ “السوريين يعانون كثيراً منذ بدء إطلاق التصريحات التركية، جراء ملاحقتهم أمنياً والتدقيق على أماكن سكنهم وبطاقاتهم الشخصية مما يعيق من تحركهم ويزيد من معاناتهم داخل الأراضي التركية”.
ولفت إلى وجود نية تركية فعلية بترحيل مليون لاجئ حالياً كما أن الانتهاء الكامل من خطة الترحيل ستكتمل قبل عام 2023 القادم بحسب ما يدور في الشارع التركي الذي يبدي ترحيباً وفرحاً بخبر إعادة وترحيل اللاجئين السوريين، وفقاً للمصدر السابق.
المصدر بيّن أن هناك رفضاً كاملاً قبل السوريين للترحيل، وهم يتخوفون من مصير خطير لعدم ثقتهم بالجانب التركي، حيث يتخوف البعض من تسليم مناطق الشمال السوري للنظام السوري بعد إعادة اللاجئين. فالفصائل الموالية للاحتلال التركي لم يعد لها أي دور حقيقي على الأرض وأصبحت مجرد أداة بيد سلطات الاحتلال التركي لتنفيذ مخططاتها وأجنداته، بحسب قوله.
ورغم وضوح عملية الترحيل القسري التي بدأت العمل عليها سلطات الاحتلال التركي بحق اللاجئين السوريين على أراضيها، ورغم استمرار المنظمات التركية مثل “هيئة الكوارث والطوارئ التركية” و”الهلال الأحمر التركي” و”وقف الديانة التركية” ببناء المستوطنات ضمن مناطق الاحتلال التركي والتي كان آخرها قرية سكنية في منطقة “باتبو” في ريف إدلب الشمالي وقرية أخرى ضمن منطقة عفرين المحتلة اطلق عليها اسم قرية “بسمة”، فإن هذه المنظمات سابقة الذكر، تدعي بأن هذه القرى تهدف لنقل سكان المخيمات إليها وليس لإعادة اللاجئين السوريين.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد طالب دول حلف الناتو في 18 أيار/ مايو الجاري بإنشاء “منطقة آمنة” في الشمال السوري، وهو يسعى من خلال ترحيل السوريين في تركيا، إلى تغيير ديموغرافية مناطق شمال سوريا، بما يتماشى مع الأجندات التركية ويحقق أطماعها في الأزمة السورية.