Connect with us

Local

“ملكة جمال قامشلو”.. قليل من النقد البناء وكثير من الحرب!

نشر

قبل

-
حجم الخط:

فرق شاسع بين النقد الموجه لبناء المجتمع، واستخدام الذم والقدح والإشهار و”السخرية” في قضايا، تعيد لكل إنسان الحق في الخوض فيها، أو تمنحه مساحات الحرية وهوامش الديمقراطية والتعددية والمساواة، أيضًا للحق في اتخاذها.

مقابل هذا لا سبيل لارتقاء مجتمع دون أن يكون فيه النقد بهدف التطوير سبيلًا. كما أن الوقوف على الأخطاء لتداركها أو تفاديها أحد الجوانب التي تضخ الثقة بالنفس بين ناس المجتمع، وتزيد من علمية الإصرار بدواخلهم بجميع الاتجاهات.

مناسبة هذه المقدمة، لسجال ونقاش ونقد بناء وأخر هدام، وذم وقدح وتشهير، وسخرية، كان عنوان نقاشات ليلة السابع عشر من تشرين الثاني 2018، على وسائل التواصل الاجتماعي بين متابعين بغالبيتهم من مناطق “روج آفا\ شمال سوريا” قاطنين في المنطقة، ومغتربين عنها، عن حدث جرى في مدينة “قامشلو\ القامشلي” وهو إقامة حفل لاختيار (ملكة جمال قامشلو\ القامشلي).

وكانت مجموعة من النسوة على وسائل التواصل الاجتماعي (الفايس بوك)، ضمن مجموعة مغلقة باسم (جميلات روج آفا)، قد جهزن لفكرة الإعداد لحفل يتم فيه ترشيح فتيات ليمثلن مسابقة اختيار ملكة جمال قامشلو\ القامشلي.

بحسب المشرفين على العمل، فإن المجموعة تقوم بأعمال خيرية ونشاطات وهذا يعد النشاط الرابع لهن، حيث تم التصويت على اختيار ملكة جمال قامشلو من قبل 300 فتاة حاضرات في حفل أقيم في صالة بالمدينة، ولجنية تحكيم مؤلفة من “خبيرات تجميل” وأطباء على حد قولهم.

7 سنوات يجلد فيها السوريون ذاتهم، تجاه الوصول لحل ينهي الأزمة، لكن جميع المؤشرات تدل أن لا خيار للسوريين إلا بانتظار التوافقات الدولية. فعاش السوريون هذه السنين بين تناقضات عدّة بدأت بقضية (الداخل والخارج) التي شكلت الحساسيات في انقسام المجتمع السوري، ليست أقل خطورة من قضية انقسام (الموالين والمعارضين)، في حين احتكر البعض القضايا التي تصب في مصالحهم كأن يكون في ضفة المعارضة أو النظام ويرى أن الحياة يجب أن تسير برغباته وكما يريد، أو تراه بعيد عن الطرفين الأخرين ويرى أن الحياة في ظل الحرب يجب أن تكون البرزخ الذي يريد، ما شكل صراعات في المجتمع، انقسم على إثرها الناس أكثر فأكثر.

من حق فتيات ضمن مجموعة ما أن يقمن بما يرغبن في المجتمع، طالما أن هناك ما يكفل لهن حقوقهن وحريتهن، وطالما أنه لا يسيئ أو يتعدى على حرية ومعتقدات الأخرين، ولا يخفَ أن الفكرة بحد ذاتها جرئية في كسر عديد من المحرمات التي تفرضها قيود مجتمعية على المجتمع ككل، خاصة وأن المجتمع مازال مرتبط بعادات وتقاليد تلزمه بعدم التحرك بقناعاته ورغباته بوجه الخصوص لدى الإناث. برغم أن واقع مناطق الكرد في سوريا يختلف عن عديد من المناطق الأخرى بأن هناك متنفس وهامش للحريات والتحرر، على خلاف القيود المفروضة في مجتمعات أخرى خاصة بالنسبة للمرأة، ولكن التحدي دومًا هو في السؤال (هل أن تحرر المرأة بالمجتمع في سبيل تطويره وأن تكون شريكة في المجتمع ينتهي بالتحرر الجسدي أو في الزي أو في الشكل فقط)!. لا لأن مفهوم التحرر يبدأ من الفكر نفسه، الذي يقوم بغرس الفكرة الصحيحة بشكل إيجابي في المجتمع ومفيد للكل، فكرة قادرة على أن تهدف لبناء وتطوير مجتمع سليم يبنى على مقومات العلم والمعرفة، ويمارس يمارس الإنسان فيه حقوقه، وأن يعم فيه الحريات وصون الكرامة بتشكيل مساحة ديمقراطية، حرية الفرد فيها لا تتعدى على حرية الأخرين.

إن عوامل تحويل النشاط الذي قمن به مجموعة (جميلات روج آفا) في مدينة قامشلو، إلى قالب سخرية بأغلبه، مع وجود نقاش جاد ونقد بناء في القليل منه، بين هشاشة المجتمع في التعامل مع الأزمات والأحداث مجددًا، فمن السهل أن يرى المجتمع الخطأ ويقف عنده، ويقوم بنقده لهدف الإصلاح (لكن هذا صعب في مجتمعاتنا)، ومن الصعب أن تقوم بالذم والقدح والتشهير والإساءة والسخرية بحق الأخرين (وهذا السهل في مجتمعاتنا)، فتعددت التعليقات على الحدث بين أناس قاموا بنقد بناء للحدث نفسه وهذا أمر طبيعي على القائمين على النشاط إدراكه، لأن الحدث خرج من إطار المجموعة إلى تبني فكرة باسم الرأي العام وهذا يتطلب من القائمين إدراكه. في الضفة الأخرى كان هناك الكثير من السخرية والاستهزاء والقدح وهذا أسلوب يجرح الغير، فهو غير مقبول ولا يمت بالانفتاح والديمقراطية بصلة، كما أنه تعدٍ على حقوق الأخرين!

في الحرب السورية هناك من اختار (مع أي كان) طريق النضال، أو طريق السياسة، أو طريق العسكرة، أو طريق العيش في مساحة ولو أنها سوداء، فمع السنوات من الطبيعي أن تعيش الناس حياتها، ويبقى تقدير الواقع مقابل ما يقوم به المجتمع عائدًا لذاتهم، لكن أن لا يتم استغلال الأفعال كقضية صراع في الحرب! فمثلًا لا يمكن اعتبار أن إقامة حفل فيه بزخ من الممكن أن يعبر عن مشهد سوريا الأسود، فهذه الوقائع هي مثل متطلبات الحياة اليومية فمن ينتقد يعيش حياته ويأكل ويشرب ويمارس حياته ويحب ويمارس الرياضة ويمارس الجنس ويمارس العمل ويمارس السرقة والنفاق، ويتمم تعليمه ويتابع مهنته ومهامه في الحياة، فأيضًا ساعات الفرح للبعض تستحق الوجود بين ساعات الحزن التي يعيشها الناس.

من وجهة نظر أخري فإن أحد الأخطاء المتكررة في المشهد السوري أيضًا هو الاستهتار بالوقائع والعلم والاختصاصات. في حدث قامشلو أمس كان يحتاج التنفيذ للنشاط وضع استراتيجية تنفيذ بتفكير عميق واحتياطات أكثر، فحدث باسم مدينة من الطبيعي أن يلفت الناس، لذا من غير الطبيعي أن يكون الإعداد له قد تم بطريقة عشوائية، أو هو ناتج نقاش مجموعة فيس بوك فقط! لأن اختيار ملكة جمال باسم مدينة قامشلو أمر يهم الرأي العام الذي له الحق في إبداء رأيه بالمدح أو النقد.

لقد  كان ضعف الإعداد للحدث واضحًا من محاولة القائمين في البداية عدم استقبال الإعلام لتغطية الحدث (مسابقة ملكة جمال ممنوع فيها وجود الصحافة!؟)، أما العشوائية الأخرى في الحفل أن القائمين على النشاط لم يصرحوا أو يعطوا أجوبة على أسئلة متعلقة بالحدث فمثلًا كان بين قائمة أسئلة مراسل شبكة آسو الإخبارية أسئلة: – ما هي مقومات اختيار الفتيات؟

  • ما هي مقومات فريق التحكيم؟
  • ما هي آلية التجهيز للفاعلية؟

هذه الأسئلة لم تلق جوابًا من القائمين، وهذا يشير إلى أن أي حدث أو عمل أو فاعلية تحتاج لجهود مختصة بالتجهيز لها، وإن كان الأمر كبيرًا على المعدين فهناك نشاطات بسيطة ومفيدة أخرى من الممكن العمل عليها دون الخوض في قضايا تخص الرأي العام، في حين أن التحدي الأكبر هو حجم السخرية والذم الذي ظهر في التعليقات من معلقات فتيات بحق عمل نسوي من المفترض أن يتعامل بحساسية أكثر معه لأنه بالناية تحدي لتحرر المرأة!