Connect with us

Local

“عَودُه على بدئه”.. النظام السوري يجدد التحريض، بتجنيد العشائر ضد مكونات شمال وشرق سوريا

نشر

قبل

-
حجم الخط:

سردار ملادرويش
لا يخرج النظام السوري، من ذهنية التفكير التي عمل عليها لعقود. والتي تسببت دومًا بإيجاد تجارب سلطوية مركزية، أسست لمجتمع سوري متشتت، يعيش تحت سلطة مركزية مستبدة. كما لم يغير النظام من نفسه، ولم يغير من أساليبه، فعادة يتعلق مفهوم التغيير الذاتي للسلطة، بأدوات التغيير والتفكير والممارسات، وانعدامها لدى النظام السوري ساهم بتدمير المجتمع السوري منذ عقد من الزمن.

في متابعة لوقائع ما يحدث في سوريا، وخلال خوض النقاش مع فاعلين على الأرض، استطعت الوصول لمعرفة أن النظام السوري، قد قام أخيرًا بإيعاز لفروع الأمن وشعب حزب البعث والعاملين معه وزعماء العشائر العربية التابعين له في شمال وشرق سوريا، بالعمل على إيجاد أرضية لمصالحات مع أبناء العشائر ، العاملين مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، أو التحالف الدولي، أو قوات سوريا الديمقراطية.

سبق الخطوة قيام النظام بالقيام بما يسميه مصالحات وتسويات مع أبناء بعض المناطق الخاضعة لسيطرته ببادية الرقة ودير الزور، وأظهر الإعلام التابع للسلطة صورًا لاستقبال الناس للمصالحات بالترحيب، وهي صورة نمطية تعبر عن إذلال للمجتمع أكثر من احترامه.

المصالحات والتسويات والدعم، خطوة ليست بجديدة، فقد عمل النظام السوري عليها، معتمدًا ورقة العشائر مع بداية الأزمة السورية، من خلال الفرض على زعماء العشائر، وبحضور عناصر للأمن السوري، بتأييد وولاء السلطة، من خلال القيام بنشاطات أو ندوات، أو عبر تصريحات للصحف تدعم السلطة، وفي أغلبها كان الوجهاء يتكفلون بطباعة منشورات الوسيلة الإعلامية، التي يدعمون عبرها ولاءهم لنظام بشار الأسد.

السياسة المتبعة من النظام لم تنجح، فقد تأثر مجتمع العشائر في سوريا، بين القوى المتصارعة، واليوم نرى في العشيرة الواحدة، من يقف مع النظام ومن يقف مع المعارضة، ومن يقف مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، وشملت سياسة استجلاب تبعية العشائر حتى من قبل الجهات الإقليمية والعربية والدولية، بمنح العشائر ريادة المجتمع المدمر أساسًا، وهذا الاعتماد على ذهنية العشيرة والقبيلة، يأتي منافيًا تمامًا لقيم الحياة المدنية، ويعمل على تقويض مبدأ الحريات والديمقراطية، بحكم أن الواقع يبقى تحت هيمنة الحكم القبلي.

الإيعاز الذي جاء من قبل النظام، بحسب المعلومات في النقاش، تستهدف مناطق شمال وشرق سوريا، حيث يسعى النظام إلى أخذ وعود من قبل العشائر، بأن يقوم ويتعهد أبناء العشائر بالعودة لحضن النظام، ودعمه عبر المصالحات الحالية، في المستقبل، لذا أوكل المهمة لبعض المحسوبين على زعامة عشائر عربية، فيشمل الإيعاز أبناء العشائر العربية فقط، في محاولة لزرع تفرقة مجتمعية جديدة، وبمعنى أدق تجنيد العرب مقابل الكرد.

الغاية للنظام السوري هي أن يضمن حاضنة من العشائر العربية في حال كان هناك أي صراع مع الإدارة الذاتية الديمقراطية في المستقبل، واعتماد النظام على العشائر هو ترسيخ صورة عنصرية، وللنظام باع في ذلك، استخدمه في انتفاضة 2004 عندما قام بتجنيد العرب في وجه الكرد المنتفضين.

سياسة استخدام العشائر برزت دائما في الصراع السوري، فقد استخدمها النظام السوري والمعارضة السورية، وأيضًا قوات سوريا الديمقراطية، لكن في الحقيقة لم يفرز هذا الدعم عن استبدال ببنية المجتمعات في مناحي التغيير نحو تقدم وتطوير المجتمع السوري.

لا اعتقد أن النظام السوري لديه الثقة التامة بأن العشائر لازالت ترضخ للسلطة فقط، لكن هي ورقة معتادة يستخدمها في طور أن النظام السوري لا يريد التفكير بطريقة مغايرة، خاصة في ظل خسارة النظام لهذا المجتمع في الضفتين المقابلتين له، أي العشائر التي وقفت في صف المعارضة السورية، والعشائر التي وقفت في صف الإدارة الذاتية الديمقراطية، وكانت طريقة استقطاب العشائر بارزة خلال الحرب السورية، اعتمد الداعمون في استجلاب العشائر على الجانب المادي المقدم لها، فكان هذا كفيًلا بأن يتم تقسيم المجتمع العشائري بالولاءات.

يعتمد النظام على مساحة جيدة في مدينة الحسكة والمربع الأمني في قامشلو\ القامشلي، لمحاولة تأييد أبناء العشائر، فبحسب المعلومات الأولية، فإن زعماء العشائر التابعين للنظام سيتكفلون بجمع أبناء عشائرهم، والحديث معهم للقيام بتسوية لمن هم في صفوف الإدارة الذاتية الديمقراطية أو قسد أو التحالف الدولي، على أن يتعهد أبناء العشائر بدعم النظام في المستقبل، وأن يتكفل النظام السوري بعدم الإضرار بهم واعتقالهم مستقبلًا، في حين أن المصالحات والتسويات التي حصلت في مناطق أخرى في سوريا مثل درعا، اثبتت أن ذهنية النظام لا تتغير، فقام الأخير باعتقال شباب من درعا وسوقهم للتجنيد الإلزامي، ما يعني أن النظام لم ولن يكون جادًا.

يعتمد النظام على هذه الآلية من خلال استعادته السيطرة على مساحات في سوريا بدعم من روسيا وإيران، وربما يرى أن العودة لاستقطاب العشائر سينفعه مستقبلًا، لكن هذا غير كافي نتيجة التحولات التي حدثت في سوريا، خاصة أن النظام ليس لديه أي خرائط ملموسة في استعادة السيطرة على كامل مساحة سوريا، في ظل الانقسام الذي تشهده البلاد، وتواجد للقوات الأجنبية في كامل جغرافية سوريا، لذا هي محاولة أكثر لتفرقة مجتمعية في شمال وشرق سوريا، واللعب على الوتر القومي، وهي ورقة قديمة اعتاد النظام السوري استخدامها في الصراع القومي الذي عمل عليه لعقود بين الكرد والعرب في المنطقة.

هنا تقع المسؤولية على عاتق العشائر، وعليهم تحمل مسؤولية التسوية المجتمعية، بعدم القبول بأي استقطاب قد يؤدي إلى صراعات جديدة في المنطقة، خاصة أن الواقع السوري الهش، قادر على إيجاد تحولات جديدة تزيد من الحرب الأهلية في سوريا، الأمر الذي يتطلب التفكير من قبل العشائر بعدم الانجرار خلف أي صراع سياسي يساهم بزيادة الشرخ المجتمعي، في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة على المجتمع السوري.

يقع على عاتق العشائر أن تقوم بالرد على أي محاولة لجعلهم وقود حرب، وترفض التفرقة وخطاب الكراهية، وتساهم بممارسة العمل على بقاء القيم المجتمعية، والعيش المشترك، والتعددية، التي تتمتع بها منطقة شمال وشرق سوريا، وأن يكون المجتمع المتعدد في المنطقة بعيدًا عن الحسابات والصراعات السياسية مجددًا، وهذا ما يدع القول بأن الكرة في ملعب العشائر، وعلى رموز العشائر بدل العمل على الرضوخ لمطالب النظام السوري، العمل على تقوية أواصر الأخوة بين مكونات المجتمع والمساهمة مع باقي الأطياف بترميم ما بقي في المجتمع لصالح التغيير في سوريا وليس لصالح استمرار الاستبداد..