Connect with us

أخبار وتقارير

مسابح قامشلو… من أماكن ترفيه إلى منابع لمشاكل صحية

نشر

قبل

-
حجم الخط:

آسو-لورين صبري

لم يكن “ريباز” ابن العاشرة يتوقّع أن يحدث له ما يمنعه من ارتياد المسابح في مدينة قامشلو/ القامشلي، لممارسة هوايته المفضّلة في فصل الصيف.

تقول والدته، اكتشفتُ أنّ طبقة جلده تتقشَّر وأنه يعاني من حكة مزعجة ومؤلمة سرعان ما تصيبه بجروح دامية.
نزلت مقولة الطبيب عليه وعلى والدته كالصاعقة. “ريباز” مصاب بمرض الأكزيما أو جفاف الجلد، وسيحتاج إلى وقت طويلٍ للعلاج، ولن يسبح مجدَّداً في الوقت القريب.

حدث هذا بعد أن تمكَّنت مادة الكلور الموجودة في مياه المسبح من تهريش جلده وإصابته بالأكزيما الحادة، فهي غير مطابقة للمعايير الآمنة وضارة بالجلد.

تلوّث مياه المسابح وعدم الالتزام بمعايير التعقيم والتطهير والأوبئة الناتجة عنها، وحالات التحرّش الجنسي بالأطفال، تفتح المجال للخوض فيما إذا كانت هذه المسابح تعمل في ظل رقابة صحية وإدارية أم أنها تعمل بلا رقيب في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ العام 2011.

إهمال وعدم خبرة في تعقيم مياه المسابح

حالة “ريباز” وإصابته بالأكزيما ليست حالة فردية، وعلى الرغم من أن بعض الأطباء يعزون ذلك لأشعة الشمس الحارقة، إلا أنّ الطبيب “حسين خليفة” وهو طبيب أمراض جلدية في مدينة قامشلو ويعالج ريباز، له رأي مختلف، ويصرّ على أن الكلور الموجود في مياه المسابح هو السبب الرئيسي.

يقول الطبيب “حسين خليفة” لشبكة آسو الإخبارية، إن حالة ريباز كانت مزمنة، وأوشك الجلد أن يتهرش فالتعرض المستمر ولمدة طويلة للكلور الموجود في المياه يمكن أن يسبب إنتاج مادة سامة تسبب الطفح، أو يؤدي إلى إصابة الجسم بأية عدوى أخرى، وقد يكون الكلور هو الجاني الحقيقي بسبب مادة التريهالوميثان الثانوية المسؤولة عن نمو الخلايا السرطانية في الجلد.
قادتنا مقولة الطبيب “خليفة” للبحث عن نظام التعقيم في أحد المسابح بالمدينة، ومعرفة المواد التي يتم بها التعقيم.

يكشف “مهند هائل” المسؤول عن التعقيم والفلاتر في مسبح مدينة الشباب أنّ مواد التعقيم هي الكلور الخماسي، و هو عبارة عن خمس مواد نسبة الكلور فيها 10% ومرسب، وموازن لحموضة المياه، وهناك مادة ج.س (جيوسن سويت) التي تقتل البيكتريا، على حد تعبيره.

ويقع مسبح مدينة الشباب في مركز مدينة قامشلو، وهو يتبع لاتحاد الشبيبة الثورية التابعين لحركة المجتمع الديمقراطي.

ويتعارض ما يقوله “هائل” مع ما أفاد به الطبيب “خليفة” حول الكلور المستخدم والذي يسبِّب الأكزيما وأمراض أخرى، يقول “هائل” ثمة التباس لدى الناس في فهم مسألة الكلور، حيث يظنون أن الكلور الذي يستخدم في المسابح هو نفسه الكلور المنزلي، ولكن هذا الكلام غير صحيح، فهناك شركات إسبانية وكورية واماراتية تنتج هذه الأنواع من المعقمات، أما كلور البودرة الذي نسبة الكلور فيه تتجاوز 60% فهذا النوع يعرض أجساد السباحين للتهيج والتهرش والطفح الجلدي.

الفلاتر تقوم بسحب المياه الملوثة ومزجها مع الرمال الموجودة داخل المسبح، يقول “هائل” والفلتر له ست وضعيات، ويحتاج إلى مختص حتى يستطيع العمل به بشكل جيد.
ويزيد، نقوم بتشغيل الفلاتر المائية حوالي 7 ساعات يومياً، وأحياناً يتطلب الوضع تشغيلها لمدة 24 ساعة، فمياه المسبح تكون غير نظيفة، بحكم المفرزات التي تخرج من أجسام السبّاحين.

هذه المفرزات بالذات دفعت “هيفاء أوسي” وهي أم لأربعة أطفال بالعزوف عن إرسال أطفالها للمسابح خوفاً عليهم من التلوث والمرض.

“لن أرسل أولادي للمسبح بعد الآن لأنه غير نظيف، صدمني ابني في آخر زيارة له للمسبح، بعد أن أراني براز من فضلات الإنسان يطفو على سطح الماء”.

الأمر الذي لا ينكره “شهاب محمد” مدير مسبح الصحاري في مدينة قامشلو مبرِّراً ذلك بـ “أنهم لا يمكنهم التحكم بدوافع الأطفال وميلهم للخروج، ونتيجة الخوف من الماء فإنهم قد يتبولون ويتبرزون في قاع المسبح، وهذا خارج عن إرادتنا ولا ذنب لنا في ذلك” على حد تعبيره.

يفصح “هائل” عن أنّ المياه المفلترة لا يمكن تبديلها كل يوم بسبب ارتفاع سعر أقراص الكلور التي تبلغ 1000 ليرة سورية للقرص الواحد، أما روح الملح فهو يستخدم كل 20 يوماً ومهمته ترسيب الأوساخ إلى أسفل قاع المسبح، وعادةً يتم مسح القاع من الأوساخ بعد انتهاء ساعات السباحة.
“هذه هي الاجراءات التعقيمية للمسابح وهي وقائية ويجب أن تطبّق” يقول هائل.

فوضى وسلوكيات غير أخلاقية وصحية

الالتزام بمعايير النظافة الذاتية لروّاد المسابح من أهم الاجراءات الوقائية التي تساعد في الحد من انتشار الأمراض، والتقليل من تلوث مياه المسابح بشكلٍ عام.

ويتعلّق الأمر بنسبة الوعي لدى الروّاد، والتزامهم بالإجراءات الوقائية الذاتية، لكن الأمر لا يخلو من سلوكيات خاطئة تحدث في مسابح قامشلو، في ظل فقدان السيطرة لإدارات المسابح، وفوضى الرقابة الصحية والإدارية.

يشير “شيرو برفو ” مدير مسبح مدينة الشباب إلى أن مياه المسابح بإمكانها أن تكون أنظف بكثير، لكن الوعي غائب لدى بعضهم، يقول “برفو” نظافة المسبح يمكن تأمينها ولكن نظافة السباحين لا يمكن التحكم بها، فالمفرزات الأنفية والبولية والعرَق تتعلق بمدى سلوكيات ووعي السباح، والتزامه بمعايير النظافة الشخصية.

ويشتكي “برفو” من تعنّت السبّاحين في الالتزام بشروط السباحة، ويضيف “إن إجبار السباحين لأخذ دوش (حمام سريع) قبل الدخول في الماء من شروط دخول المسبح، لكننا نعاني من تعنت البعض وامتناعهم عن أخذه، بحجة أنهم نظيفون ولا يحتاجون إلى الدوش؟!”.

مثال آخر يسرده “برفو” الألبسة المصنوعة من مادة النايلون هي المسموح بها فقط، الألبسة القطنية ممنوعة لأن هذه النوعية من اللباس يتحسس منها الجلد، إذ أنها تمتص الكلور والمواد التعقيمية الأخرى.

البقاء في المياه لفترة طويلة هو أيضاً من العادات والسلوكيات المضرّة بالسباحين أنفسهم، يقول “برفو” هناك مفهوم مغلوط لدى الناس في زياراتهم للمسبح، فهم يدفعون رسم الدخول ويظلون ساعات طويلة داخل المسبح من الصباح حتى انتهاء فترة الظهيرة، متناسين أن السباحة هي رياضة قبل كل شيء، وليست حماماً أو وسيلة تبريد.

يوافقه الرأي “جوزيف لازوريان” الإداري في مسبح ميريلاند بمدينة قامشلو، فيقول لشبكة آسو الإخبارية، السباحة لها أوقات محددة، بمعنى لايمكن السباحة بشكل يومي، ولا يمكن أن تكون الزيارة شهرية إنما في كل أسبوع مرة أو مرتين فهي كافية.

عدم قدرة إدارات المسابح على فرض الشروط الصحية والأخلاقية على مرتادي المسابح في ظل غياب الرقابة والفوضى الحاصلة تجعل الباب مفتوحاً لارتكاب سلوكيات غير أخلاقية أيضاً، كالتحرّش الجنسي بالأطفال في المسبح.

أثارت “أمينة شاكر” وهي أم لطفلين، الموضوع، وباحت لنا بما حدث مع ابنها أثناء السباحة في أحد مسابح قامشلو التي تقع خارج المدينة، الصيف الفائت، حين حاول رجلٌ كبير بالسن التحرّش بأعضاء ابنها الحسّاسة في مياه المسبح، بحسب تعبيرها.

توجهنا لمديري المسابح بالسؤال حول الاجراءات التي من الممكن أن تتخذ في هكذا حالات، وفيما إذا كان من الضروري فصل الأطفال عن البالغين، إلا أنهم رفضوا التعليق على هذه القضية.

لكن “رفعت حكمت” وكان يعمل منقذاً في المسبح الذي حصلت فيه الحادثة علّق عليها بالقول، “هذا أمر قد يحدث أحياناً ، العامل الأخلاقي مهم جداً فلا يمكن السماح لإنسان معروف بأنه سكّير ومخمور بالدخول للمسبح، ولا يمكن لرجل معروف بدناءة أخلاقه أن يختلط مع الأطفال والشباب، ولا أن يتم السماح له بالدخول حتى لو دفع مبلغاً كبيراً لأن الأطفال أمانة في أعناقنا.

يعمل “رفعت” حالياً منقذاً في مسبح بيلسان السياحي بريف عامودا.

غياب للرقابة والأمر سداح مداح؟

توجد في مدينة قامشلو خمسة مسابح في الجهة الغربية من المدينة وهي، مسبح مدينة الشباب، ومسبح الصحاري “وهو تابع إدارياً للإسكان العسكري في رميلان”، ومسبح ميري لاند “وهو تابع لأخوية السريان الأرثوذكس”، ومسبح القمة، ومسبح سيزر بالاس “وهما مسبحان خاصان”. تنتشر المسابح الثلاثة الأولى داخل المدينة، والمسبحين الآخرين خارجها. ويوجد مسبح واحد في الجهة الشرقية من المدينة وهو المسبح البلدي.

كانت هذه المسابح ولا زالت مرخّصة من قبل الحكومة السورية، باستثناء مسبح مدينة الشباب الذي يتبع حالياً لـ “اتحاد الشبيبة الثورية” التابع بدوره لحركة المجتمع الديمقراطي ( TEV DEM).

اللافت في الأمر، أنّ بلدية قامشلو غربي التابعة للإدارة الذاتية، كانت قد أصدرت تعميماً بتاريخ 12/06/2018 ويحمل الرقم 45، يحدد فيه وجوب ترخيص المسابح، وتعقيم المياه، والالتزام بشروط النظافة، وتحديد نسبة الكلور المخصصة لتعقيم مياه المسابح. الأمر الذي لم يحدث فعلياً، إذ ليس هناك أي مسبح مرخَّص من قبل الإدارة الذاتية، بحسب “فارس سليمان” مدير دائرة الصحة في بلدية قامشلو غربي “عادةً نطلب من مالكي المسابح تقديم أوراق التسجيل الممهِّدة لإجراءات الترخيص ولكن حتى الآن لم يتم ترخيص أي مسبح اقتصر الأمر فقط على تسجيل الأوراق.”

وسجَّلت مسابح (مدينة الشباب، وميريلاند، والصحاري) أوراقها لدى البلدية، بغية استصدار بطاقات صحية للمنقذين فقط.

يضيف “فارس” في حال عدم تقديم الأوراق فإن البلدية تقوم بإنذارهم مدة خمسة أيام ونطلب من المنقذ الحصول على بطاقة صحية، وفي حال عدم استجابة المسابح بالإنذار يتم تغريمهم بمبلغ 10000 ليرة سورية، وإن أصرّ صاحب المسبح عدم تسجيل أوراقه تضطر البلدية لتشميع المسبح إلى حين تسجيل أوراقه.”

ولا ينطبق هذا على مسبحي سيزر بالاس والقمة اللذين يقعان في منطقة سيطرة النظام السوري.

اللافت في الأمر أنه حتى الآن لم تفرض البلدية أي إنذار ولم تسجل أي مخالفة، وحتى الآن لم يصدر أي قرار لتحديد قيمة المخالفة، ويترك الأمر لتقدير المكتب التنفيذي.

أدى هذا لعدم وضوح الجهة صاحبة المسؤولية التي تتبعها هذه المسابح إدارياً، وإلى أين سيتجه المشتكي بشكواه ضدها، ومن سيصدر أمر المخالفة فيما لم تلتزم أي من المسابح بشروط السلامة الصحية.

إلا أن هذا التسجيل لا يعني الشروع بالترخيص، فالمسابح عليها أن تتقدّم بأوراق محدّدة للحصول على الرخصة كما تفيد “هلز عيسى” وهي إدارية في القسم الفني لبلدية قامشلو غربي وهذه الأوراق هي،
1- موافقة الكومين
2- موافقة هيئة السياحة
3- موافقة هيئة الصحة
4- تقديم مخططات هندسية
5- موافقة من اتحاد المهندسين
6- بيان ملكية الأرض أو عقد إيجار

أثناء إعداد التحقيق أصدرت بلدية قامشلو غربي تعميماً بتاريخ 22/07/2019، حددت فيه تعرفة الدخول بـ 500 ل.س للمسابح داخل المدينة، و1000 ل.س للمسابح خارج المدينة.

ورغم ذلك، فالتعرفة الحقيقية لدخول مسبح سيزر بالاس هي 1500 ل.س وميريلاند 1000ل.س ومدينة الشباب 700 ل.س والصحارى 500 ل.س.

ولا تمارس الإدارة الذاتية ممثلةً ببلدياتها أي رقابة على المسابح، باستثناء ما زودنا به “فارس سليمان” عن أنّ هناك لجنة يتم تعيينها من قبل رئاسة البلدية وتتألف من موظف فني وآخر من البلدية إضافةً إلى موظف في الصحة، يقومون بجولات كل 15 يوماً وتحديد نسبة الكلور والتعقيم وساعات تشغيل الفلاتر عبر جهاز مخصّص لذلك.

ولا تزال المسابح في قامشلو تتحوّل ( في ظل الأزمة) من كونها مجرّد مكانٍ للترفيه عن النفس للأطفال والعائلات، إلى مرتع للمشاكل الصحية والأخلاقية، وتبقى المشكلة مستمرة دون وجود أية حلول تلوح في الأفق، ما لم يتم ضبطها بدافع الحفاظ على صحة مرتاديها وتأمين أدنى مقومات الترويح عن النفس فيها.