أخبار وتقارير
قبل قرار إقالته: محمد الجاسم أبو عمشة… مملكة إجرام وسلب ونهب في سوريا
يامن الخالد – حلب / شبكة آسو الإخبارية
تم إعداد هذا التقرير قبل قرار إقالة محمد الجاسم “أبو عمشة” من منصبه، واستندنا في إعداده إلى معلومات وحقائق موثقة تحيط بسلوك وممارسات وطبيعة الفصائل الموالية للاحتلال التركي في المناطق المحتلة الخاضعة لسيطرتها
يعرف فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” الموالي للاحتلال التركي، وأحد القوى الضاربة لتركيا في احتلال أراضي في سوريا، بأنه من أبرز الفصائل التي تبسط نفوذها ضمن مناطق ريف حلب الشمالي، وكان يعتبر متزعم الفصيل “محمد الجاسم” (أبو عمشة)، الذي تمت إقالته حديثًا، من أكثر القيادات العسكرية قرباً من سلطات الاحتلال التركي، حيث استخدم عناصر فصيله كمرتزقة للقتال في أذربيجان وليبيا، كما ساهموا في التغير الديمغرافي الحاصل في مناطق ريف حلب الشمالي.
ارتزاق الفصيل
لم يقف الأمر عند حد إرسال فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” عناصره كمرتزقة للقتال في أذربيجان وليبيا، بل عمد زعيم الفصيل (أبو عمشة) إلى سرقة رواتب نحو 1000 عنصر بين المرتزقة الذين اتجهوا لليبيا وأذربيجان، بعد أن وعدهم برواتب مغرية.
يقول “إبراهيم الأحمد” وهو اسم مستعار لأحد العناصر المنشقين عن فصيل سليمان شاه، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه خوفاً على حياته، إنه شارك مع عناصر سورية مرتزقة للقتال في ليبيا وأذربيجان: “توجهنا إلى أذربيجان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2020، برفقة أكثر من 200 عنصر يمثلون “الجيش الوطني السوري”، تم نقلنا لتركيا عبر (معبر باب السلامة) بالشاحنات، ولمنطقة غازي عنتاب تحديدًا، ومنها تم نقلنا عبر طائرة مدنية إلى مطار إسطنبول، ثم توجهنا بطائرة شحن عسكرية إلى أذربيجان)”.
ويضيف أنه في أذربيجان، بدأت تتوافد دفعات متتالية، وصل العدد لنحو 1500 عنصر من فصيل “سليمان شاه”، وشارك الفصيل في المعارك لمدة شهرين، بوعود من القيادة وبينهم أبو عمشة بالحصول على مبلغ (2000) دولار أمريكي عن الشهر الواحد، وفي حين كان يجب أن يتقاضى الأحمد مبلغ (4000) دولار أمريكي عن “الارتزاق لشهرين في أذربيجان، لم يحصل سوى على النصف فقط.”
ويتهم الأحمد قائد الفصيل أبو عمشة بسرقة الأموال المخصصة للفصائل المشاركة لجانب تركيا في ليبيا وأذربيجان.
مطالب “المرتزقة” بأموالهم لم تجدِ نفعاً
بعد عودة العناصر من أذربيجان، بدأوا المطالبة برواتبهم، لكنهم في الواقع لم يحصلوا على مكافأتهم بالارتزاق، كما لم يحصلوا على ما يرونه حقوقهم وذلك، بسبب النفوذ الذي كان يتمتع به قائد الفصيل محمد الجاسم” (أبو عمشة).
يقول إبراهيم الأحمد، أنه بعد عودته علم أنه ليس الوحيد الذي تعرض للاحتيال، بل أن عمليات الدفع طالت أكثر من ألف عنصر في الفصيل، “لقد تملص الفصيل وجميع قياداته من دفع باقي المستحقات المالية المتفق عليها”. في حين يؤكد مشاركة العديد من فصائل “الجيش الوطني” الموالي للاحتلال التركي بالقتال في ليبيا ثم أذربيجان، وأبرز من صادفهم هناك، ” فرقة السلطان سليمان شاه” و”فرقة السلطان مراد” و”الجبهة الشامية” و”فرقة الحمزات”.
فساد يلاحق فصيل سليمان شاه
اشتهر فصيل سليمان شاه بممارساته القمعية والتعسفية، في عفرين عامة وضمن المناطق المحتلة من قبله في ناحية الشيخ حديد/ شيه، حيث ظهرت وتكشفت في الفترة الأخيرة العديد من قضايا الفساد من قتل وتعذيب ومصادرة ممتلكات وفرض إتاوات، حيث أثار جزء من هذه الانتهاكات أحد أقارب المدعو “أبو عمشة” في تسجيل مصور تحدث فيه عن العديد من القصص والأحداث المتعلقة بفساد الفصيل، وظهر في التسجيل المصور الذي تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي “عبد الغفور العمر” وهو زوج ابنة ” أبو عمشة” متحدثاً عن حجم الانتهاكات التي قام بها والتي كان من بينها اعتقاله وزجه في السجن ثم طلب فدية مالية تقدر بأكثر من مليون دولار أمريكي
كما وتحدث العمر أيضاً، عن تورط “أبو عمشة” بقتل أربعة عناصر كرد ضمن صفوف فصيله داخل أقبية السجون، دون أي سبب، وبعد وصول الخبر لسطات الاحتلال التركي توجه شقيق “أبو عمشة” المدعو “سيف” وقام بحفر قبورهم ودفنهم بمقبرة جماعية بعيداً عن منطقة الشيخ حديد / شيه، كما تحدث أيضاً عن تورط “أبو عمشة” وفصيله بقتل قياديين بارزين من ضمن الفصيل وهما “حازم زينو” و”زهير أمنية” بعد اعتقالهما وتعذيبها داخل أقبية السجون السرية.
ولفت أيضاً إلى سرقات مواسم الزيتون وفرض إتاوات كبيرة على المزارعين ووصف الواقع الأمني داخل معقل الفصيل بأنه مخيف ويحكم المدنيين بقوة السلاح وتحت الترهيب والتهديد.
شناعة أفعال الفصائل تحرج الاحتلال التركي
العديد من ملفات وقضايا الفساد والانتهاكات التي تقوم بها فصائل “الجيش الوطني السوري”، وصلت لحد تصنيفها ضمن قوائم الإرهاب، وتركيز مؤسسات ومنظمات دولية على الانتهاكات التي تجري من قبل فصائل مدعومة من تركيا، الأمر الذي تسبب في الفترات الأخيرة بحالة احتقان بدأت تظهر من المستوطنين بحكم أن لهم سلطة وفصائل تدافع عنهم، على عكس أهالي عفرين الذين يصعب أن يجدوا من يدافع عنهم، فيكونون الحلقة الأضعف.
تصرفات الفصائل وملاحقة انتهاكاتها، احرجت تركيا بشكل كبير، فقامت الأخيرة بإقالة أبو عمشة من قبل لجنة رد المظالم في عفرين، وجاء ذلك بعد الطلب بإجراء تشكيل محكمة عسكرية تحت مسمى “لجنة رد المظالم” للنظر في قضايا الفساد بحق ” أبو عمشة” بهدف تهدئة الشارع وعدم تأجيج الرأي العام الدولي ضد تركيا الداعمة بشدة لهذا الفصيل، وقد تم تشكيل المحكمة وتألفت من عدد من الشرعيين والعسكريين، وبدأت أعمالها في استجواب قيادات فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” وضمت اللجنة كل من “وائل قسوم” و” موفق العمر” و”عبد العليم العبد الله” و”أحمد علوان” وهؤلاء جميعهم شرعيون يتبعون لما يعرف باسم” المجلس الإسلامي السوري” ، الأخير المدعوم من تركيا وقام بإصدار فتاوي توجب احتلال تركيا لأراضي سورية.
محاكمة فاسد من قبل فاسدين
بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر من العام الفائت 2021 قام المدعو “أبو عمشة” بتسليم شقيقه الملقب “سيف العمشة” وجلس للمحاكمة لعدة ساعات دون التوصل لنتيجة تذكر من هذه الجلسة، غير أن ” أبو عمشة” أقدم على إقالة شقيقه من منصبه كقائد عسكري ضمن الفصيل، وعين مكانه قيادي آخر يدعى” حسام عبود” وهو شقيق مؤسس “حركة أحرار الشام الإسلامية” حسان عبود”.
وبعد جولات من الأخذ والرد وجلسات التحقيق التي بدت كأنها وهمية وشكلية قام المدعو “أبو عمشة” بتاريخ 5 شباط/ فبراير الجاري بالمثول أمام لجنة “رد المظالم” للتحقيق معه بعد أن قام بالعديد من الإجراءات التي ساهمت لحد كبير في تخليصه من المحاكمة، وأسفرت المحاكمة عن عزله أواسط شهر شباط الجاري.
وتفيد مصادر محلية بأن دور “أبو عمشة” انتهى لذا أوعزت تركيا إلى ضرورة محاسبته شكليًا، لكن في الواقع من تم تكليفها بمحاسبة “أبو عمشة” بسبب الفساد، هي لجنة تعمل أيضًا تحت إمرة تركيا؛ أي لا يختلف دورها عن دور “أبو عمشة” في الاحتلال وتسيير مصالح تركيا.
وبحسب ما ذكرت مصادر محلية لشبكة آسو الإخبارية، فإن جلسة محاكمة “أبو عمشة” جرت في قاعدة مغلقة في مدينة عفرين المحتلة من قبل الفصائل الموالية للاحتلال التركي، وحضر الجلسة جميع أعضاء “لجنة رد المظالم” إضافة لعدد من القياديين العسكريين من فصائل مختلفة، وكان من بينهم قيادي في فصيل” الجبهة الشامية” يدعى” أبو عمر” من بلدة قلعة المضيق في ريف حماة الغربي، وقائد فصيل” فرقة السلطان مراد” ويدعى ” فهيم العيسى” واستمرت جلسة المحاكمة لمدة خمس ساعات تقريباً، وانتهت دون التصريح بنتائجها أو حتى إثبات أي تهمة من القضايا التي أثيرت إعلامياً، وخرج “أبو عمشة” على إثر الجلسة عائداً لمنطقة نفوذه في ناحية الشيخ حديد / شيه دون محاكمته، قبل أن يتم نشر خبر عزله بتاريخ 16 شباط 2022.
تضيف المصادر عن محاكمة أبو عمشة، بأن الأجواء التي سادت قضية محاكمة ” أبو عمشة” وفصيله لم تكن بسبب براءته من الجرائم المرتكبة، بل جاءت نتيجة قيامه بالسعي لنيل رضا أعضاء اللجنة وبعض القيادات العسكرية ووجهاء العشائر عبر منحهم مبالغ مالية كبيرة للوقوف لجانبه، وعدم توريطه بهذه التهم والتي كانت ستؤدي لزعزعة فصيله أو تقليص دوره في المنطقة.
وأكدت مصادر شبكة آسو الإخبارية، أن “أبو عمشة” ومنذ بداية عمل اللجنة سعى لاستقطاب موالين له والوقوف لجانبه عبر منحهم المال والهدايا، كان من بينها تقديم مبلغ يقدر بأكثر من 30 ألف دولار للمتحدث باسم اللجنة “وائل قسوم” بحجة مساعدة المحكمة وتقديم الدعم لها، كما قام بإهداء سيارة لقيادي في فصيل ” الجبهة الشامية” من نوع “سبورتاج” تقدر قيمتها بنحو ثمانية آلاف دولار أمريكي، وسيارة أخرى لقائد فصيل “فرقة السلطان مراد” فهيم عيسى”، كما استقطب عشرات الشبان من أبناء العشائر من ريف حماة للوقوف إلى جانبه، ومنحهم المال والسلاح واستقبالهم في ناحية الشيخ حديد/ شيه، وقام بتخليص قيادي آخر ضمن فصيل “الجبهة الشامية” من السجن بعد قيام الفصيل بسجنه على خلفية اتهامه باختلاس أموال، حيث قام بدفع مبلغ مالي كبير وأخرجه بكفالة.
وفي شهادته لشبكة آسو الإخبارية يتحدث “فيصل عواد” وهو صحفي يقيم في إدلب قائلاً: إن من الصعب على الفصائل الموالية للاحتلال التركي أن تنهي فصيل أبو عمشة، حتى لو تم انهاء دور محمد الجاسم فإنّ الفصيل سيبقى، لأن الظاهر عكس الباطن، فهناك دعم تركي وتوافق مع الفصيل إلى حد كبير، وكل هذه الأخبار التي نشرت عن محاكمته ماهي إلا لإثبات أنّ تركيا وفصائلها يسعون للقضاء على الفساد بالرغم من الانتهاكات الكبيرة التي تحدث في مناطق سيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي، ولا بأس حيث تم التضحية بـ”أبو عمشة” لكن الفصيل بقي!
يرى البعض أنه ربما يتم ترضية “أبو عمشة” بعدم محاسبته، أو في حال كانت الملفات بحقهه ضخمة ربما تضحي تركيا به وهذا ليس من عادتها، فتركيا حتى اليوم لم تضحي بعد بفصيل أحرار الشرقية وقائده أبو حاتم شقرا بعد تصنيف الفصيل على قوائم الإرهاب.
وعرف عن “أبو عمشة” أنه شخص ديكتاتوري وصارم في معاملته حتى مع عناصر وقياديي فصيله، ومن المعروف عن منطقة نفوذه أن المدنيين فيها محكومون بالحديد والنار ولا يجرؤ أحدهم على الوقوف في وجهه، وقد ظهر في الكثير من الفيديوهات والأخبار التي تتحدث عن إشرافه على الانتهاكات بحق المدنيين، وقدرته على إزالة الاتهامات الموجهة إليه بتهديد الأهالي، حيث استطاع أن يجبر سيدة اتهمته بالتحرش والاغتصاب على العدول عن أقوالها، حيث قال بعض المتابعين إن أبو عمشة اجبرها على ذلك.
فصائل تخدم تركيا لا سوريا
يتحدث أحد الناشطين من ريف إدلب بأن فصائل “الجيش الوطني السوري” باتت تخدم مصالح تركيا وليس السوريين، فهي فصائل تهدف فقط لجمع المال والتسلط على المدنيين فيصبح لديها مجال في استثمار المناطق بسهولة، وهذا بالفعل ما يحدث، ففي الوقت الذي يتسابق فيه قادة الفصائل بالجري خلف المناصب، والاعتداء على المدنيين، هناك في الجهة المقابلة غزو للشركات التركية التي تستثمر الكهرباء والانترنت والزراعة والصناعة وكل ما يمكن استثماره لصالح تركيا.
يتحدث مصدر محلي من ناحية الشيخ حديد/ شيه التي تعتبر معقل فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” لشبكة آسو الإخبارية، أن حالة من التوتر والاستنفار شهدتها المنطقة منذ بداية عملية التحقيق مع قياديي الفصيل ومن ضمنهم أبو عمشة، ومن جهة أخرى حاول الفصيل خلال أيام المحاكمة العمل على كسب ثقة المدنيين وتغيرت معاملة العناصر معهم على الحواجز، وفي أقسام الشرطة والمرور وحتى في المجلس المحلي والمؤسسات المدنية.
ويذكر المصدر أن موضوع المحاكمة والتحقيق مع فصيل سليمان شاه، كان حديث الشارع خلال الأيام الماضية لكن الآن عاد كل شيء لطبيعته، ويعرف قائد الفصيل محمد الجاسم الملقب بـ “أبو عمشة” بأن لديه أساليب خبيثة وطرق متنوعة للانتقام من معارضيه، لذلك يتجنب الجميع التعامل مع عناصره والحذر الشديد منهم، وكان خلال فترة المحاكمة يأمل الكثير من المدنيين أن يتم سجنه أو إنهاء الفصيل بشكل كامل لكن أصابتهم خيبة أمل، بعد نتائج هذه المحاكمة التي بدأت أنها وهمية في المرحلة الأولى، لكن اليوم بعد أن تمت إقالته، ارتاح الشارع قليلًا، لكن في عفرين الخوف من المجهول قائم دائما..
سليمان شاه متورط بالسرقات والانتهاكات
تفيد مصادر من عفرين المحتلة أن فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية للاحتلال التركي متورطة في عمليات سرقة أرزاق الكثير من المدنيين والتضييق عليهم عبر فرض الضرائب والإتاوات، وتحت التهديد بالاعتقال لمن يخالف الأوامر، أيضاً هناك مصادرات لمنازل المدنيين من سكان المنطقة الأصليين الكرد، وإنشاء المشاريع الاستثمارية واحتكار السلع والمواد الغذائية والمحروقات من قبل تجار موالين للفصائل وبشكل خاص فصيل “سليمان شاه”.
ويسيطر فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” على كامل ناحية الشيخ حديد/ شيه والقرى المحيطة بها بدعم من الاحتلال التركي الذي يساهم في تقوية نفوذ الفصيل، ومع بداية احتلال الفصيل مع تركيا لعفرين، قام الفصيل بطرد وتهجير العائلات الكردية من السكان الأصليين وتوطين آلاف النازحين والمهجرين والعمل على استثمار المنازل والأراضي الزراعية العائد ملكيتها للكرد عبر بيعها وتأجيرها أو إنشاء مشاريع استثمارية فيها وسرقة عائداتها.
وينحدر محمد الجاسم “أبو عمشة” من إحدى القرى التابعة لمدينة السقيلبية في ريف حماة الغربي، وقد بدأ ظهوره منذ العام 2013 حيث شكل فصيل تحت اسم “لواء خط النار”، وشارك في العديد من المعارك إلى جانب الجماعات الجهادية ضد قوات النظام السوري، ثم حدثت خلافات بينه وبين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي انتهت فصيله وهرب على إثرها لتركيا التي دعمته وشكلت له فصيله الحالي وزجت به في معاركها ضد قوات سوريا الديمقراطية واستخدمته لاحقاً في عمليات التغيير الديمغرافي وفي القتال في كل من ليبيا وأذربيجان ليصبح من أكثر المقربين لها.