مدونة آسو
المرأة المشرقية… حقوق مسلوبة باسم الدين
هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.
فخري محمد
على مر العصور كانت الأنثى الحلقة الأضعف في الوجود، حتى جاءت الأديان لتعيد لها بعضاً من كرامتها المسلوبة من تصرفات الذكور، لكن جميع الأديان لم تستطع أن تغير الكثير من الثقافة الجمعية للذكور، الذين سيطروا فعلياً على زمام الأمور قبل ظهور الأديان وبعد ذلك، وإلى يومنا هذا.
المرأة في مجتمعاتنا استمرت معاناتها في نيل حقوقها إلى يوم الناس هذا، على عكس قريناتها في المجتمع الغربي اللواتي تحصلن على حقوقهن ولو بنسب متفاوتة، لكنهن على الورق أفضل حالاً بكثير مما تعيشه المرأة في المجتمعات الشرقية على وجه الخصوص.
وخلال كل تلك الفترات عانت المرأة في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي المنطقة العربية بشكل خاص من خطاب الكراهية الموجه ضدها، لا لشيء، فقط لأنها امرأة، ولأنها امرأة، ففرصها تقل إلى ما دون النصف في سوق العمل، وإن حصلت على تلك الفرصة فستكون مهددة بخطر التحرش اللفظي أو الجسدي، دون أن يكون هناك أية قوانين تحميها في بيئة العمل التي يعد مصدر رزقها، وأحد أهم عوامل استقلالية شخصيتها.
وكلما كانت المرأة تخترق سداً، أو تكسر حاجزاً من الحواجز المفروضة عليها من المجتمع، كانت تزداد حدة خطاب الكراهية الموجه ضدها، وزاد زخم الخطاب مع تطور وسائل الإعلام من المقروء إلى المسموع والمرئي، ثم مع ثورة التكنولوجيا وتغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمعات.
تلك المواقع شرعت الباب على مصراعيه لكل أنواع الهجوم، ومن كل من هب ودب، لانتقاد المرأة على كل حركة تتحركها، وعلى كل تصرف تتصرفه، لكن بالمقابل نشطت الحركات النسوية عبر السوشيال ميديا لإيصال صوت المستضعفات، ونقل معاناتهن، والاستفادة من تجاربهن، وإبراز صور للناجحات والمتميزات في المجتمع.
وكان لرجال الدين الدور البارز في زيادة الهجوم على النساء، وذلك عبر منصات إعلامية دينية، خصصت لهم ساعات وساعات من البرامج والبث على الهواء لضخ أفكارهم المناهضة للمرأة وحقوقها، بل وسلبها ما وصلت إليه عبر سنين من النضال السلمي.
وهكذا ضجت وسائل الإعلام بفيديوهات رجال دين سلفيين يكيلون التهم للنساء بالجهل وقلة العقل، ويدعوهن للجلوس في بيوتهن وعدم الاختلاط بالرجال، بل وعدم التحدث معهم إلا للضرورة القصوى. (1)
ولم تخلو هذه القنوات الفضائية والمنصات الإعلامية من مواجهات بين رجال دين ودعاة لحقوق المرأة بغض النظر إن كانت امرأة أو رجل، وعادة ما شهدت هذه المناظرات جدالاً محتدماً بين المؤيد لفكرة حقوق المرأة وبين المعارض لهذا الحق، مؤكدين على قوامة الرجل على المرأة، وأفضليته عليها في الحياة العامة وفي كافة الأعمال. (2)
السبعينات ازدهار الخطاب الديني
بالعودة بعقارب الزمن إلى الوراء، نجد أن هذا العصف في خطاب الكراهية لم يكن وليد اللحظة، بل كان قبل ذلك بعقود، بالتحديد في أواخر السبعينات من القرن الماضي، عندما أرخى الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، على عكس سلفه جمال عبد الناصر، الحبل لمنتسبي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والذين بدأوا نشاطهم الدعوي والتحريضي بالخطب في الجوامع والزوايا الدينية في أرياف مصر، والبعض منهم اتخذ اتباعهم وسيلة جديدة لنشر تلك الخطب، بتسجيلها وتوزيعها عبر أشرطة الكاسيت المنتشرة بين عوام الناس بكثرة في ذلك الحين.
ومارس رجال الإخوان المسلمون خلال تلك الفترة تحريضاً وكأنه ممنهج على الأقليات والنساء، اللواتي كن صاحبات الحظوة في الهجوم، فكانت المرأة في مرمى انتقادات هؤلاء دون أي سبب.
وكانت الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين في مصر وغيرها من البلاد العربية، جذوة الصراع بين دعاة حقوق المرأة وبين رجال الدين الذين طالب البعض منهم بفرض الحجاب الإسلامي على المجتمع، وكذلك إجبار الإناث على الختان.
رجال الدين والسلطة
من الصعب إنكار أهمية مصر ضمن خارطة الوطن العربي، ومن الصعب كذلك إنكار تأثير وسائل إعلامها على المحيط العربي، فاللغة شبه مفهومة لمعظم العرب إن لم نقل الكل نتيجة الإنتاج الفني الكبير منذ أفلام الأبيض والأسود، وإلى يومنا هذا.
هذا التأثير استثمره الإخوان بعد انطلاق ما يعرف بثورات الربيع العربي، فاستغلوا ذلك أفضل استغلال، لا سيما مع استلامهم السلطة في مصر وفي غيرها من البلدان العربية، لتقوى شوكتهم سياسياً على عكس ما عايشوه وما خبروه على مدار سنوات طويلة منذ تأسيس جماعة الإخوان على يد حسن البنا عام 1928.
الوجود في السلطة، والحصول على متنفس إعلامي يتيح لهم التحدث ما يطيب لهم دون حسيب أو رقيب، لربما كان أقصى أمنيات رجال الدين في الحياة، فكل ما كان يقال سراً وفي الخفاء، بات يقال جهراً دون خوف من محاسبة قانونية هنا، أو من مساءلة هناك.
وهكذا شاهدنا عشرات القنوات الدينية تبث على مدار الساعة كافة أنواع الخطاب الموجه ضد النساء وضد كل ما هو مخالف في المجتمع للشريعة الإسلامية، وهو ما انعكس فعلياً على الحياة المجتمعية، إذ زادت حالات العنف الأسري، وحالات التحرش في الشوارع وفي الأماكن العامة.
جاء ذلك صراحة في دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة في مصر، الدراسة التي صدرت في كانون الثاني/ يناير عام 2022، حملت عنوان “العنف ضد المرأة، الأبعاد وآليات المواجهة”.
الدراسة كشفت أن 75% من النساء يتعرضن للعنف، و80% منهن يتعرضن للتحرش. (3)
المواجهة والحلول
كما استغل رجال الدين كل ما هو ممكن من وسائل إعلام وسلطة لنشر أفكارهم المسمومة وزيادة حدة خطاب الكراهية الموجه ضد المرأة، أعتقد أنه من المباح كذلك لمناصري حقوق المرأة استخدام كافة الوسائل القانونية المتاحة لنيل ما هو حق أصيل، فرجال الدين ما زالوا يملكون _ بطريقة أو بأخرى_ الحظوة في المجتمع، ويستمدونها من بعض النصوص “المقدسة”، لذا يجب العمل على سن قوانين تجرم خطاب الكراهية بأي شكل كان، لا سيما خطاب الكراهية المبني على أساس الجنس، لأنه يجرد شريحة واسعة من المجتمع من أبسط أساسيات الحياة وهو حق التعبير عن الرأي بكل حرية.
الصورة من النت
المراجع
(1) الرابط
(2) الرابط
(3) الرابط