مدونة آسو
أعياد ومناسبات تحيي روح الألفة والمحبة بين مكونات تهشمت بنيران الحرب والصراع الدموي في سوريا
هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.
حمزة فوزي
لم يعد من المستغرب معرفة تاريخ يوم عيد الاكيتو أو موعد عيد النوروز وحتى ما مدى أهمية هذه الأعياد والمناسبات الحافلة بروح الألفة والمحبة والتسامح، منذ سنوات عديدة كانت هذه الأعياد خاصة وممنوع الاحتفال بها إلى أن انطلقت شرارة الحرب في سوريا، لم تعد هذه الأعياد خاصة كعيدي الفطر والأضحى أو غير معلن عنها، ولم تعد فقط لجماعة خاصة، صارت هذه الأعياد والمناسبات تشاركية بما لا يترك اي مجال لأحد لأن يشوه تلك الأعياد والمناسبات التي انطلقت لتنشر المحبة والسلام وتنبذ الكراهية والعنف والتحريض، يبدأ عيد الأربعاء الأحمر جارشمبا سور بالتحضيرات والتجهيزات التي يشارك فيها المئات للاحتفال والتبريكات بهذا العيد، وحتى أن الجميع يرتدون ملابس مزخرفه ويرقصون وسط جو حافل بالبهجة والسرور وحتى لا يتساءلون فيما بينهم من يشاركهم الاحتفالات.
في عيد النوروز يتجمع الآلاف وسط ساحات كبيرة للاحتفال ولكن يسبق يوم الاحتفال ليلة مميزة تجمع الكرد والعرب والسريان والآشور وهم يحتفلون وسط جو بهيج وهنا نستذكر المقولة التي تقول “أن الله لا ينظر إلى ملابسكم ولا لأشكالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم” هذا هو التسامح والمحبة التي حاولت قوى الشر أن تطفيها خلال المجازر التي ارتكبت على أساس الدين والقومية، ولكن باختصار شديد يمكننا أن ندرك أن قوى الشر انهارت وتتبدت وبقيت هذه الأعياد والمناسبات تجمع كل المكونات والجماعات وانتصرت كما انتصرت أمم سابقة.
أصبح شهر نيسان مميز حيث يبدأ بأول الشهر عيد الأكيتو وبعده الأربعاء الأحمر وصار انتظار شهر نيسان ليس فقط خاص بأحد وإنما يجتمع فيها الجميع بدون استثناء لم يعد خافيا على أحد جمالية هذه الأعياد والرونق الذي ينبثق منها مثل عيدي الفطر والأضحى حيث يتبادل السكان التبريكات فيما بينهم ويحتفلون سويا مثل النوروز الذي يجمع كل الأطياف والألوان.
انتظار الأعياد التي تشمل النوروز والأربعاء الأحمر والفطر والأضحى لتشارك الاحتفالات بين المكونات
ومع اقتراب عيد النوروز الماضي جرت الاحتفالات بشكل كبير على غير العادة، ولكن المستغرب أن الفترة السابقة لعيد النوروز مرت بأيام حداد طويلة، هذه الأيام انتهت حيث كان الجميع ينتظر عيد النوروز للاحتفال به ومرت الليلة بسلام تام وبدأت بإشعال المواقد والرقصات بين السكان في كل مكان على امتداد دول ما بين النهرين حيث الحضارة التي انبثقت منها عيد النوروز، كان الاستعداد كبير وضخم للاحتفال بعيد النوروز في كل من حلب والرقة ودير الزور وحتى في دمشق لم نعهد ونسمع سابقا بهذا العيد إلا بعد التحرر من القبضة الأمنية التي كانت تفرض علينا أعياد محددة وتمنعنا من ممارسة الطقوس والاحتفال بالأعياد التاريخية التي تعيد علينا عبق الحضارات التي مرت وتوسعت ليومنا هذا، كما الاستعداد لعيد النوروز كان الاستعداد للاحتفال بالأول من نيسان أنه عيد “أكيتو” الذي يعبر عن المحبة والسلام والألفة يتشارك الجميع للاحتفال بهذا العيد يتشاركون بهذه المناسبة السعيدة بفرح غامر وبعيدا عن الكراهية والعنف، ربما هذه هي روح الألفة والمحبة التي تسعى قوى الشر لأن تدفنها بعدما فشلت بدفن وطمس حضارات امتدت لمئات السنوات حيث وصلت إلينا ببركة المحبة والسلام التي يسعى لها الكثيرين لينشروها.
ونحن اليوم على أعتاب عيد الأضحى الذي يتشارك فيه الجميع للاحتفال دون اي تمييز وهو أيام فرح مثل عيد النوروز والأربعاء الأحمر، هذه الأيام يجتمع فيها الجميع لا يسألون بعضهم عن ديانتهم ولا عن افكارهم لأن ديانتهم التسامح والمحبة والتعايش المشترك على أساس الإنسانية التي وضعها الله في الإنسان الأول آدم عليه السلام.
ربما لم يعلم آدم عليه السلام أن الإنسانية التي وضعها الله في قلوب البشر أصبحوا يحاولون نزعها، هناك الآلاف ممن يحاولون أن يبقوا أعيادهم خاصة بهم سابقا، بالإضافة لأن سلطات الأمر الواقع فرضت قيود على تلك العرقيات وجعلتهم يحاسبون إذا احتفلوا وأعلنوا عن بهجتهم وسرورهم، تلاشت وانتهت القبضة الأمنية وانكسرت معها قوى الشر المتمثلة بظلال تريد أن يعم الخراب والدمار لبلاد ما بين النهرين حيث الحضارة الأولى لإبراهيم عليه السلام الذي أذن للحج ولم يكن ندائه يقتصر على جهة محددة وإنما شملت الناس هذا النداء الذي بدأ من إبراهيم عليه السلام، هو نداء للتجمع لم يكن للون أو لعرقية دون الأخرى وهذه هي أعيادنا اليوم تتنوع بين عيد النوروز والأربعاء الأحمر وأكيتو والفطر والأضحى والميلاد، ننتظرها لنحتفل بها ونستعد لها لنسعد فيها بعيدا عن أي تعصب وبعيدا عن العنف والكراهية التي تريد قوى الشر المتمثلة بداعش والنصرة وجماعات راديكالية أخرى أن تجعل أعيادنا محرمة وخلالها تقوم بالقتل والذبح وسفك الدماء في أصقاع الأرض وقد رمت إنسانيتها بسلة من التخلف والرجعية.
مكونات تأخذ من عادات وتقاليد غيرها وتمارسها في الأعياد
أنتج تداخل المكونات والاحتفال الجماعي بالأعياد وممارسة العادات والتقاليد بأن جزء كبير من هذه المكونات أصبحت تمارس عادات وتقاليد تشاركية ولم يعد يقتصر لباس الزي الكردي على الأكراد بلا أن العرب أصبحوا يرتدونه بما تشمل الملابس النسائية أو الرجالية فترى بعض الرجال خلال الاحتفال بعيد النوروز يرتدون شروال مع قميص وهم من العرب وكذلك من السريان وحتى أن ملابس النساء خلال الأعياد والأفراح أصبحت الزي الفلكلوري للمرأة الكردية وهذا يدل على الثقافة السمحة التي تنتشر عبر تداول العادات والتقاليد بين أفراد المجتمعات على إختلاف عرقياتهم، حتى خلال عيد الفطر وعيد الأضحى ترى الرجال يخرجون من المساجد وهم يرتدون ملابس فلكورية تدل على أنهم أكراد وهذا التفاخر بالزي هو جزء من العادات والتقاليد وثقافة مجتمع عريق مثل بستان مليء بالزهور والورود الملونة التي تعبر عن المكونات والقوميات وهذه الزهور والورود كلها تسقى من ذات الماء.
خلال التعازي يتواجد الجميع ويعزون بعضهم بالرغم من الاختلاف الديني الذي لم يعد هو الأهم وإنما الأخلاق التي تربت عليها هذه الأمم والمكونات، وفي إحدى المرات طلبت امرأة في الشهباء من جارتها أن تعيرها فستان من الزي الفلكلوري للمرأة الكردية من أجل أن تشارك بحفل زفاف ابنة أخيها، لم تترد ولم تتخوف من ارتدائه، وحتى ضمن الأعراس تجد أن حفلات الزفاف صار يتنوع فيها الغناء ما بين العربي والكردي والألحان الموسيقية المشتركة، ربما أن محاولات قوى الشر باءت بالفشل الذريع ولم يقدروا على أن يحدثوا خلل في هذه المنظومة الديمقراطية التي يعيش فيها شعوب المنطقة بشكل عام.
وأصبح البعض خلال احتفاله بعيد ميلاد أحد أبنائه يجلب له البيض الملون وهذا الطقس أخذه من عيد الأربعاء الأحمر وأصبح يمارسه بكل حرية دون أن يتملق منه وكذلك توزيع الأضاحي بين المكونات هو عادة وليس عبادة وليست حكر على أحد، ما نمر به اليوم غير المفاهيم المغلوطة والمعادلات الشاذة التي تنتقد وتحرض على عدم الاحتفال بعيد النوروز أو بعيد أكيتو، خابت مساعيهم لمن أرادوا أن يفرقوا هذه الأمم.
من يلعب لتفتيت المجتمعات ونشر خطاب الكراهية أصبح يحظى بكراهية كونه ينشر الشر
هؤلاء الفئات والأشخاص يختبئون خلف اصبعهم أو لا ينظرون لأبعد من أنفهم وبالرغم من أنهم يسعون لنشر خطاب الكراهية ومحاولتهم لنشر العنف لم يعد لديهم القدرة للظهور بشكل علني وحتى أنهم اندثروا وأصبحوا في مزبلة التاريخ، منهم داعش والنصرة وجماعات راديكالية أخرى، وربما حتى اليوم لم يعد لهم أي صوت لأنهم وصلوا لطريق مسدود بسبب شرورهم وما اقترفوا من مجازر كلامية تسببت بتشرذم المجتمع، لم يمانع الكردي أخاه العربي بأن يشاركه في عيد النوروز وكذلك يحتفلون مع الآشوريين بعيد أكيتو.
باختصار وهو أننا نمر بعصر جديد كله محبة وتسامح ولذلك المقالات والافتتاحيات المحرضة على خطاب الكراهية والعنف والتحريض ضد الآخرين أصبحوا أوراق عليها حبر بدون أن تسهم في نشر الألفة والمحبة، لم تعد المقالات والافتتاحيات تجدي نفعا معهم ولذلك لجأوا للقتل والتعذيب وقاموا بافتعال الكثير من المجازر ولكنهم أيضا فشلوا وهاهم أصبحوا مثل المقالات والافتتاحيات البالية التي لم تعد تقرأ وأصبحت طي النسيان، ولا يذكر سوى أن مكونات المجتمع التي تهشمت بنيران الحرب والصراع الدموي في سوريا انتصرت بوعيها وتبادل ثقافتها ولم تتأثر بالأفكار الدخيلة التي ولت معهم، حاول تنظيم داعش الإرهابي أن يفتت المجتمع ونشر خطاب الكراهية وفعل المجازر ولكن جاء من جمع المجتمع ونشر روح الألفة والمحبة والتعايش المشترك بين مكونات الشعب بالشمال الشرقي لسوريا ولكن ثمة محاولات من الشمال الغربي لأن تتطاير منهم شرارات الكراهية والعنف والتحريض على مناطقنا بشمال وشرق سوريا، ولتعم نعمة الألفة والمحبة والتعايش المشترك يجب علينا تجاوز الأزمة السورية بوعينا وأخلاقنا الحميدة والفاضلة.
*الصورة من النت