أصوات نسائية
نصيب المرأة في التركة… تحت مظلة العادات والتقاليد
تم إعداد المادة بالتعاون بين شبكة آسو الإخبارية وتحالف مشروع “حق المرأة في الميراث” والذي تنفذه (مركز سمارت، منظمة تاء مربوطة، وجمعية نوجين) بدعم من مركز الدعم المجتمعي.
لا تزال المرأة في المجتمعات الشرقية تحارب للحصول على حقوقها الطبيعية رغم تخطيها لأشواط عدة في سبيل ذلك إلا أنها لم تحصل حتى الآن على كافة حقوقها، فالعديد من النساء في مناطق شمال وشرق سوريا تحرمن من حقهن في الميراث سواء ميراثهن من جهة الأب أو حتى الزوج
فمن المستغرب أن نجد نساء لازلن يحاربن في سبيل الحصول على هذا الحق رغم المكانة والمنزلة التي وصلت إليها الكثيرات منهن من إعتلاء مناصب رفيعة المستوى وتحقيق العديد من الإنجازات العلمية والعملية على حد سواء
تعتبر المجتمعات الأقل تعليما الحاضنة المتمسكة بعادة عدم توريث النساء غالباً كنتيجة حتمية لارتباط قلة الوعي بالتمسك بالعادات والتقاليد السلبية وذلك بذريعة رفضهم لتوريث الأصهار (زوج المرأة) وبالتالي ذهاب ملكية أراضيهم وعقاراتهم لعائلة أخرى.
يعانين من الفقر فيما يتنعم أخوانهن الذكور بتركة الوالد
كما تروي لنا نسرين المقيمة حاليا بالدرباسية بعد نزوحها وعائلتها من مدينة رأس العين، ساردةً قصة حرمانها من ميراث والدها من أراضي زراعية وعقارات رغم حاجتها الماسة لاسيما بعد أن باتت أم لطفلتين توأم
تقول نسرين مستذكرة مأساتها، بعد وفاة والدي ووالدتي انتقلت للإقامة في منزل أخي الأكبر، عملت في منزله كخادمة حيث ألقيت كافة الأعمال المنزلية على عاتقي وحدي ربما كنوع من العقاب على كوني أنثى بدون سند
تمت الموافقة على أول عريس تقدم لخطبتي لتبدأ قصة معاناتي الحقيقية مع زوج مدمن على الكحول، وبعد زواجي قطع أخوتي أي صلة تواصل بي تخوفاً من مطالبتي بنصيبي من تركة والدي التي يتنعم بها الآن أخوتي الذكور وزوجاتهم وأولادهم بينما تحرم منها بناتي ونظراً لضيق الحال الذي أعانيه كنت الجأ إليهم بين كل حين وآخر لكن لم أكد أجد أي موقف إيجابي بل كانت تتم معاملتي بفظاظة شديدة لأجبر على مغادرة منازلهم المترفة وحرصاً منهم على إخفاء مستواهم المادي الميسور عني.
تكمل نسرين حديثها بيأس شديد، أنا لا أملك المال حتى أرفع قضية للمطالبة بحقي في ميراث والدي فأنا أجد صعوبة في تأمين أبسط متطلبات الحياة لي ولطفلتي في ظل غياب زوجي عن المشهد وما زاد الأمر سوءً معاناتي من أمراض عدة افقدتني القدرة على العمل والإعتماد على الذات، أنا لا أعلم كيف اتصرف ولا أمل لدي في الحصول على نصيبي من ميراث والدي.
أنا الآن أسكن في مدينة الدرباسية نفس المدينة التي يسكنها أخوتي الذكور وما يحز في نفسي أن الكثير من النساء تعرضن لمثل وضعي لكن يقوم اخوتهن الذكور بتعويضهن بمبلغ بسيط لاسكاتهن عن طلب الورثة أما أنا فقد حرمت من ذلك أيضاً حيث لا توجد أي صلة بيني وبين عائلتي.
تبدي الكثير من السيدات المحرومات من ميراثهن عجزاً تاماً عن اتخاذ أي إجراء من شأنه المساهمة في الحصول على حقوقهن وذلك لأسباب أهمها قلة ذات اليد أو الجهل بماهية الإجراءات الواجب اتباعها للوصول إلى ذلك
التحايل في سبيل حرمان المرأة من نصيبها في الميراث
وغالباً ما يلجأ الأخوة الذكور للحصول على تنازل ملكية من قبل الوالد خلال حياته سواء برغبته أو عن طريق التحايل ما يفقد الأخوات الإناث الأمل في حصولهن على نصيبهن من التركة، كما هو الحال في قصة مريم من مدينة الرقة التي مارس أخوها الأكبر حرمانها من نصيبها من ورث والدها
تتحدث مريم، توفي والدي في عام 2015 وفور انتهاء مراسم العزاء بدأ أخي محمود يتحدث ولأول مرة بأن والدي المرحوم قد قام بتسجيل كافة ممتلكاته باسمه قبل وفاته، لم أصدق الأمر حينها لذا طالبته بإظهار الثبوتيات التي تخص تحول الملكية وكانت دهشتي كبيرة عندما شاهدتها، لكني متأكدة من أن أخي استغل ظروف مرض أبي في الفترة التي سبقت وفاته لجعله يوقع على أوراق التنازل لصالحه
وتؤكد مريم بأنه لولا حاجتها لما طالبت بحصتها من التركة ولما لجأت بعدها للطرق القانونية وتقديم شكوى ضد أخيها.
متابعةً، القوانين لم تنصفني فلم أحصل سوى على جزء يسير من حصتي في الميراث لا سيما بعد رفض أخواتي الفتيات تقديم شكوى ضده وما زاد الأمر سوءًا، هو موقف والدتي السلبي تجاهي لضعف شخصيتها أمام أخي خوفاً من غضبه.
تتحدث مريم عن حالها اليوم مع أخيها، القطيعة لا زالت مستمرة إلى جانب عدم حصولي على باقي حصتي من الميراث والأكثر من ذلك فإن أخي اليوم يقوم بتأجير ممتلكات والدي من أراض زراعية وعقارات ويوزع الوارد المالي على جميع أخوتي وأخواتي وأنا الوحيدة التي يتم حرمانها من حصتها كنوع من العقاب بسبب جرأتي في تقديم شكوى على أحد أفراد العائلة.
ولعل أكثر مايرعب النساء من فكرة تقديم شكاوى قضائية ضد أخوانهم الشبان للحصول على نصيبهن من التركة هي فكرة القطيعة المجتمعية التي غالباً ما يلجأ إليها الأهل لردع أي فتاة تجرأ على التفكير في معارضة أخوانها الذكور والمطالبة بحقها الطبيعي، ما عدا جهلهن بحقوقهن بسبب ترسيخ العادات والتقاليد في أذهانهن منذ الصغر
خطوات من شأنها التخلص من عادة حرمان المرأة من التركة
لذلك لا بد من خلق بيئة ثقافية مناسبة تعمل على تثقيف النساء وتشجيعهن على المطالبة بحقوقهن كاملة ومن ضمنها حقهن في التركة، إضافة إلى العمل على زرع ثقافة المساواة بين الجنسين في المناهج التعليمية والتربوية، إلى جانب تحسين وتفعيل القوانين الداعمة لحق حصول المرأة على الميراث وتشديد العقوبات على المخالفين وتوفير الدعم القانوني للنساء المتضررات وهذا أحد واجبات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق المرأة وذلك من خلال تقديم استشارات قانونية مجانية للنساء ومساعدتهن للوصول إلى حقهن.
وقد يكون من الصعب تحقيق تغييرات جذرية في المجتمعات المتمسكة بعادة حرمان المرأة من ميراثها في وقت قصير إلا أن أي خطوة في هذا الإتجاه ستحقق حتما أثرا ملموسا في سبيل ذلك.
*الصورة من النت