مدونة آسو
سجين لدى داعش: الخروج من سجونهم ولادة جديدة
قصص من سلسلة عائدون من الموت التي تجمعها شبكة آسو الإخبارية، وتظهر مأساة مدنيين عانوا الألم في فترة حكم داعش، روايات وقصص واقعية تعبر عن حجم الإرهاب والتطرف في التأثير على بنية المجتمع..
“عائدون من الموت”
سلسلة شهادات من قلب المأساة… مدنيون عادوا من الموت في ظل حكم داعش في شمال وشرق سوريا، سلسلة تقارير خاصة من انتاج شبكة آسو الإخبارية، تنشرها لأول مرة تباعًا، تسلط الضوء على الانتهاكات الفظيعة التي شهدتها مدينة الطبقة خلال فترة سيطرة تنظيم داعش.
قصص مروعة من شهود عيان عايشوا كابوس التنظيم الإرهابي، حيث تعرض الأهالي لأقسى أنواع العذاب الجسدي والنفسي؛ من عقوبات مهينة تهدر الكرامة الإنسانية، إلى سجون مظلمة لا يخرج منها سوى القليل أحياء، وانتهاءً بتدمير المدارس وتحويلها إلى مصانع للموت.
نشارككم هذه الشهادات الحية لإبراز حجم المعاناة والألم، ولتقديم صورة حقيقية لما جرى في تلك الفترة السوداء.
جميع الحقوق محفوظة لشبكة آسو الإخبارية
شمال شرق سوريا 2024
من الطبقة بقلم حسان الأحمد
عاش محمد (أ) تجربة قاسية في سجون داعش الأمنية، التي كانت من أبشع السجون وأشدها قسوة، حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي. تم اعتقاله من منزله، ولم يعرف في البداية سبب اعتقاله الذي دام قرابة عشرين يوماً. لاحقاً، خلال التحقيق، تم اتهامه بالعمالة بسبب مراسلة أحد أصدقائه على تطبيق “واتساب”، يطلب منه تصوير منزله.
روى محمد لشبكة آسو الإخبارية تفاصيل اعتقاله وسجنه، حيث داهمت منزله سيارة نوع H1 يستقلها عدد من المقنعين الذين يرتدون الزي الباكستاني (الشيشاني بالمصطلح العامي) والأقنعة السوداء. تم تعصيب عينيه وربط يديه للخلف ووضعه داخل السيارة، ثم التجوال في شوارع مدينة الطبقة لإيهامه بأن المكان مجهول.
تم إدخاله إلى سجن “الأمنيين” في مبنى البرج مقابل الحي الثالث في الطبقة، أو كما يسميه أهالي الطبقة “برج الموت” لقلة من يخرج منه حياً. عُرف المكان من خلال السجناء الآخرين، ووُضع في زنزانة منفردة صغيرة بأبعاد (1×1م)، تحتوي على مكان للخلاء وصنبور ماء وشفاط هواء. كان العذاب النفسي مسيطراً على الموقف، حيث سيطرت الأفكار المخيفة والمصير المجهول على ذهن محمد، مع أصوات التعذيب والصراخ القريبة من زنزانته.
يقول محمد إنه لم يكن يعرف الليل من النهار، حيث سيطر الموت والخوف والرعب على الوضع. يروي قصة شاب سُجن معه ليوم واحد وحكم عليه بالإعدام ذبحاً بالسكين بتهمة العمالة. حين أُخذ الشاب للإعدام، فقد محمد صوابه ولم يجد وسيلة سوى البكاء على ذلك الشاب الذي طلب منه نقل رسالة لأمه في حال خروجه سالماً.
في اليوم التالي، اكتشف محمد وجود ثقب بجانب صنبور الماء يؤدي إلى الزنزانة المجاورة. بدأ الحديث مع شاب آخر يبلغ من العمر 19 عاماً، حكم عليه أيضاً بالقصاص والذبح بتهمة تهريب أشخاص إلى تركيا. بعد ساعات، لم يعد الشاب يجيب، وعرف محمد لاحقاً أنه نُقل إلى ساحات الإعدام في مدينة معدان بريف الرقة. “كانت لحظات حزينة وثقيلة تعجز الكلمات عن وصفها”، يقول محمد.
بعد ثلاثة أيام، تم نقل محمد وعدد من السجناء الآخرين معصوبي الأعين إلى الملعب الأسود في الرقة، الذي أطلق عليه داعش “نقطة 11”. هناك، وُضع في زنزانة منفردة مع طبيب تهمته التواصل مع زوجته في مناطق الحكومة السورية، حيث كان يصف لها وضع الرقة من خلال محادثة هاتفية. بعد ساعات قليلة، طُلب الطبيب للتحقيق، وعاد وهو يرتدي الثوب البرتقالي، مما يعني أنه حُكم عليه بالإعدام.
بقي محمد في الزنزانة وحيداً لعدة أيام دون تحقيق، حتى تم قصف الملعب الأسود من قبل الطيران، مما أدى إلى خلع الأبواب وتطايرها. بدأ المساجين بالهروب، وأصيب محمد بجروح جراء تطاير الحجارة. عند الباب، كانت هناك سيارات تنتظرهم لنقلهم إلى مكان آخر مجهول.
في اليوم التالي، عُرض محمد على التحقيق، وعرف أن تهمته محادثة “واتساب”. في ساعات متأخرة من الليل، تم ترحيلهم بسيارة وطلب منهم الخروج والركض. حينها، عرف محمد أنه خرج من السجن حياً. كان الوقت قبل الفجر، وكان حافي القدمين يركض بشدة دون النظر إلى الخلف، حتى وجد مسجداً مفتوحاً دخل إليه. في الصباح، طلب من سائق تاكسي أن يوصله إلى أهله في الطبقة، ودفع له الأجرة.
في نهاية سرد قصته، وعيناه ممتلئتان بالدموع، يقول محمد إنه لا يزال يعاني من الخوف والرعب الذي عاشه في سجن داعش. لم ينسَ تلك الذكريات المؤلمة والسجناء الذين تم إعدامهم. وصف خروجه من السجن بأنه “بعث بعد الموت أو ولادة جديدة”.