أخبار وتقارير
استمراراً لسياسة التغيير الديمغرافي… اللغة التركية تغزو الشمال السوري
يامن الخالد
حلب – شبكة آسو الإخبارية
تحاول سلطات الاحتلال التركي فرض هيمنتها الكاملة عسكرياً ومدنياً على مدينة عفرين الكردية، والمناطق الأخرى في ريف حلب الشمالي، متبعة سياسة التغيير الديمغرافي في سبيل طمس الهوية الكردية وادلجتها والتلاعب بتركيبتها السكانية، وتسعى سلطات الاحتلال التركي إلى فرض اللغة التركية عبر تعليمها للمدنيين بشكل طوعي وإلزامي.
منظمات ومراكز تساهم في فرض اللغة التركية
تستخدم تركيا المنظمات ومراكز التعليم كأدوات لفرض اللغة التركية في المناطق المحتلة من قبلها، وقال “قاسم الحلبي” (وهو اسم مستعار لمصدر مدني يقيم في منطقة عفرين فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية) لشبكة آسو الإخبارية، إن العديد من المنظمات العاملة في المنطقة والمراكز المدعومة من قبل سلطات الاحتلال التركي، تقوم بافتتاح دورات تعليم اللغة التركية في منطقة عفرين الكردية، وتمنح اهتماماً بالغاً للغة التركية، وذلك تنفيذاً لأجندات سلطات الاحتلال التركي، ولا سيما مركز “يونس آمره” المعني باللغة التركية، ومنظمة الرواد ومنظمة رؤية وهي جميعها منظمات مرخصة في تركيا ومدعومة من قبلها.
وأضاف المصدر أن وزارة “التربية والتعليم” التابعة “للحكومة السورية المؤقتة” المدعومة من قبل حكومة الاحتلال التركي، تفرض مادة اللغة التركية في الجامعات والمدارس التابعة لها في جميع مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري.
وتقيم هذه المنظمات والمراكز بشكل دائم دورات لتعليم اللغة التركية في جميع مناطق النفوذ التركي لاسيما ضمن منطقة عفرين الكردية المحتلة وما حولها، وتستقطب لهذه الدورات الشبان والشابات بشكل خاص إضافة لاستهداف الكوادر التدريسية وفئة الشباب الفاعلين بالمجتمع، وتقدم خلال هذه الدورات مبالغ مالية تحت مسمى “بدل حضور” يقدر بنحو 15 دولار أمريكي عن كل يوم من حضور الدورة.
دورات ومبادرات لترسيخ اللغة التركية في عفرين الكردية
أقام مركز “يونس آمره” ( وهو مركز تركي مختص بتعليم اللغة التركية) بتاريخ 22 شباط الفائت دورة لتعليم اللغة التركية داخل مدينة عفرين الكردية، واستهدفت الدورة نحو 300 شاب وشابة من أبناء عفرين الكرد ومن أبناء المهجرين والنازحين فيها، حيث قدمت من خلاله دروساً في تعلم أساسيات اللغة التركية بهدف تعلمها من قبل الشبان والشابات، وهذه الدورة ليست الأولى من نوعها من قبل المركز في مناطق ريف حلب الشمالي، حيث يتضح من خلال إعلاناته على صفحته الرسمية على منصة “فيسبوك” أنه يقدم دورات في عدة مناطق مثل إعزاز والباب، وكذلك الجامعات التابعة “للحكومة السورية المؤقتة” المدعومة من حكومة الاحتلال التركي.
ولم يقتصر الأمر عند اللغة التركية ضمن نشاطات هذا المركز، بتاريخ 13 آذار الجاري أعلن مركز “يونس آمره” عن انطلاق معرض لخط اللغة العربية في مدينة عفرين الكردية، وبحسب المركز فإن المعرض سيستمر لغاية 20 من الشهر الجاري، حيث يقام المعرض في منطقة المحمودية داخل مدينة عفرين وتحديداً في أحد الأبنية السكنية في “شارع راجو” وأظهرت الصور التي نشرها المركز عبر صفحته على منصة “فيسبوك” حضور عشرات المدنيين من شابات وشبان للاطلاع على لوحات ومخطوطات كتبت باللغة العربية.
وتنشط “منظمة الرواد” داخل عفرين الكردية، حيث أنهت المنظمة دورة مكثفة لتعليم اللغة التركية في مدينة عفرين الكردية بتاريخ 12 شباط الفائت، وقدمت شهادات للشبان والشابات المشاركين/ات في هذه الدورة التي استمرت لمدة شهر كامل، وبحسب المشرف على دورات اللغة التركية في مدينة عفرين في المنظمة المدعو “جوان آكري” فقد أكد خلال تقرير نشرته المنظمة بأن هذه الدورة تميزت كثيراً عن سابقاتها، ما يعني قيام المنظمة بعدة دورات سابقة داخل عفرين، كما وصف “جوان آكري” هذه الدورة بأنها كانت مميزة لكونها كانت مكثفة، وأنها حظيت بتفاعل كبير من قبل المشاركين فيها.
وتعد منظمة “الرواد” إحدى المنظمات العاملة في الشمال السوري، وتعرف عن نفسها بأنها تركز في عملها على خدمة الإنسانية عامة والمجتمع السوري خاصة وبناء القدرات وتمكين المرأة والشباب واليافعين.
بدوره يعمل ما يعرف باسم “مجلس مدينة عفرين المحلي” والمدعوم من قبل حكومة الاحتلال التركي، على إقامة دورات لغة تركية بشكل سنوي لمدرسي المدارس في المنطقة، بهدف فرض تعلم مادة اللغة التركية في جميع المدارس ضمن مناطق نفوذ الفصائل الموالية للاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي، وتم استحداث هذا المجلس بعد احتلال المدينة من قبل تركيا وفصائلها العسكرية خلال عملية “غصن الزيتون” التي انطلقت في 30 كانون الثاني 2018، ويتبع المجلس إدارياً للحكومة السورية المؤقتة المدعومة من قبل حكومة الاحتلال التركي.
وبتاريخ 30 كانون الثاني 2021 افتتحت حكومة الاحتلال التركي مركز الأناضول داخل مدينة عفرين، وهو مركز يعني بنشر الثقافة واللغة التركية، وأقام المركز دورات ولقاءات وندوات ثقافية بشكل مستمر لنشر وتعليم التاريخ التركي والتعريف بالخلافة العثمانية، ويركز بشكل أساسي على إقامة دورات مكثفة ومستمرة لتعليم اللغة التركية، كما ويستقطب مئات الطلاب للدراسة وتعلم اللغة التركية بشكل خاص إلى جانب اللغة الإنكليزية، وبتاريخ 12 آذار الجاري أقام المركز امتحاناً لعشرات الطلاب في مادة اللغة التركية للمستوى الأول، وذلك بحسب ما نشر المركز عبر صفحته على منصة “فيسبوك”.
جامعات تركية تتوسع في ريف حلب الشمالي
وتعمل حكومة الاحتلال التركي على توسيع جامعاتها التي تفرض اللغة التركية كمادة أساسية فيها، فضلاً عن وجود مادة اللغة التركية كمادة أساسية في جميع الجامعات والمدارس ولجميع المراحل التعليمية، وقرر مجلس التعليم العالي التركي أن يوسع فروع جامعة غازي عينتاب المنتشرة في كل من عفرين والباب وجرابلس، حيث قرر المجلس افتتاح كليات جديدة في المنطقة ومن بينها كلية اللغة التركية في 15 آب عام 2020.
خلال تحقيق لشبكة آسو الإخبارية، يقول خالد الحسين (اسم مستعار) 32 عام، وهو طالب في كلية العلوم في جامعة إعزاز، أن مادة اللغة التركية تعد من المواد الأساسية وهناك عدد من الكتب لها خلال المنهاج الدراسي ويتم تدريسها من قبل مدرسين متخصصين بها ولا يمكن استثناء هذه المادة فهي مهمة جداً بالنسبة لإدارة الجامعة.
وأضاف خالد أنه يجد صعوبة كبيرة في تعلم اللغة التركية ولا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها، وأنه في حال التقدم لأي وظيفة فإنه يشترط إتقان اللغة التركية.
وافتتحت نهاية شهر آب عام 2020، كلية خاصة باللغة التركية في الجامعة، ولديها مقر خاص ومدرسين أخصائيين من بينهم أتراك، وتعد رسوم التسجيل في هذه الكلية الأقل تكلفة مقارنة بباقي الكليات.
وأشار إلى رغبة تركيا فرض لغتها وتعليمها في الجامعات فضلاً عن تدريس التاريخ التركي (الخلافة العثمانية)، وهناك الكثير من الطلاب من يعلم حقيقة سياسات تركيا الهادفة لتغيير ديمغرافية المنطقة، لكنهم لا يملكون أي خيار آخر سوى تعلمها بسبب هيمنتها على الوظائف وعلى جميع نواحي الحياة العامة.
ويستنكر تغيير ديمغرافية المنطقة لاسيما ضمن مناطق الأكراد في عفرين المحتلة وما حولها، معرباً عن تخوفه من المزيد من الهيمنة التركية على المنطقة وتغير تركيبة المنطقة السكانية.
اللغة التركية تغزو مدارس الأطفال أيضاً
أدرجت الحكومة السورية المؤقتة بداية العام الدراسي في 2018، اللغة التركية في جميع المدارس في مناطق نفوذ الاحتلال التركي، ويجد الأطفال من كافة المكونات صعوبات في تعلمها، وتعتبر اللغة التركية مادة إلزامية وأساسية وعلامتها 100 درجة ويرسب الطالب فيها بحال حصل على أقل من 50 درجة، بحسب المنهاج الدراسي المتبع.
وقال عبد الله الأحمد (اسم مستعار) وهو أحد المدرسين في المرحلة الابتدائية في مدينة إعزاز، لشبكة آسو الإخبارية، إن الطلاب يواجهون صعوبة بالغة في تعلم اللغة التركية باعتبارها لغة جديدة دخلت على المناهج التعليمية وهي تعد صعبة التعلم بخلاف اللغة الإنكليزية، ولذلك فإن ذوي التلاميذ دائماً يشتكون من عدم قدرة أطفالهم على التأقلم مع هذه اللغة.
وأضاف أن وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة السورية المؤقتة تولي اهتماماً بالغاً في هذه المادة دون غيرها باعتبارها لغة الدولة الداعمة للحكومة والتي تبسط نفوذها وهيمنتها على المنطقة بشكل عام.
وأشار بأن التعديلات التي أجريت على الكتب الدراسية عليها الكثير من إشارات الاستفهام مثل إدراج التاريخ التركي ولمحات عن شخصيات دينية وقيادية تركية، وفرض اللغة التركية وغيرها من الأساليب الأخرى التي تدل على وجود سياسة تتريك ممنهج للمناطق السورية المحتلة.
ويتخوف من تراجع اللغة العربية لحد كبير ولا سيما لدى مئات الآلاف من الطلاب السوريين داخل تركيا، حيث ألغيت اللغة العربية بشكل كامل من المناهج الخاصة للأطفال اللاجئين في تركيا، وبقيت فقط اللغة التركية وهذا يعني ظهور أجيال تتحدث التركية مستقبلاً، ولابد من وجود حلول جذرية لهذا الانتهاك وهذه السياسة التي تتبعها حكومة الاحتلال التركي، على حد وصفه.
لا تزال حكومة الاحتلال التركي وفصائلها ماضية في اتباع سياسة التغيير الديمغرافي في المناطق المحتلة في عفرين الكردية وما حولها وجميع مناطق ريف حلب الشمالي، حيث تعمل على عدة أساليب لتغير ديمغرافية المنطقة والتلاعب بتركيبتها السكانية وادلجتها، حيث تولي اهتماماً بالغاً في نشر اللغة التركية والثقافة التركية في القطاع التعليمي.