Connect with us

مواطن وعدالة

الألغام تطمر أحلام العودة في البوادي السورية: عندما تكون الأرض فخاً للموت

نشر

قبل

-
حجم الخط:

“كان انفجاراً مرعباً… سمعت الصوت من الجهة الغربية، حيث توجه أخي وزوجته لتفقد منزلهما. تصاعد الغبار بشكل كثيف، وهرعتُ فوراً نحو المكان، لكن الفاجعة كانت أقسى من أن توصف. وجدت جثتيهما ممزقتين، وقد قذفهما الانفجار بعيداً عن السيارة التي دُمرت تماماً”، يقول علي العيسى بصوت متهدج وهو يسترجع ذكرى اليوم الذي فقد فيه شقيقه وزوجة شقيقه جرّاء انفجار لغم أرضي.

بعد سنوات من النزوح، عاد علي وأفراد من عائلته إلى قريتهم “انباج” الواقعة غرب حقول الطبقة النفطية، على بعد 45 كيلومترا من مدينة الطبقة. كان الهدف بسيطاً من زيارتها، وهو تفقد البيوت التي هجروها خلال الحرب وسيطرة قوات النظام على المنطقة، بهدف العودة إليها، والاستقرار فيها.

وصل علي إلى منزل العائلة الواقع عند مدخل القرية، بينما أكمل أخوه وزوجته طريقهما بسيارتهم نحو منزلهم البعيد قرابة 300 متر، دقائق فقط مرت ثم دوى صوت الانفجار.

بالنسبة لعلي العيسى، فإن حلم العودة إلى قريته بات بعيداً أكثر من أي وقت مضى، ليس لأن منزله مهدّم أو الخدمات مفقودة، بل لأن الأرض نفسها صارت عدواً خفياً. “لم أتخيل أن تكون العودة إلى بيتي رحلة موت”، يقولها وخو يتذكر لحظة وفاة شقيقه وزوجته.

أرض مفخخة بالألغام
تُعدّ بادية الرصافة الممتدة نحو بوادٍ أخرى في دير الزور وحمص، من أكثر المناطق السورية خطورة لانتشار مخلفات الحرب، وعلى رأسها الألغام الأرضية، منذ انسحاب قوات النظام السوري السابق والمليشيات الموالية لها أواخر عام 2024، تُركت هذه الأراضي دون خرائط أو تحذيرات واضحة، لتتحول إلى مصائد موت صامتة.

قصة علي ليست القصة الوحيدة إنما هي واحدة من مئات القصص التي تجسّد الواقع المؤلم الذي يعيشه الآلاف من سكان البادية السورية. فكل خطوة خارج البيت، أو حتى داخله أحياناً، قد تكون الأخيرة.

محمد حسين “راعٍ” من بادية الرصافة، يروي تفاصيل نجاته من الألغام: “كنت أرعى أغنامي كالمعتاد، وفجأة انفجر لغم تحت أقدام القطيع، مات 15 رأساً من الغنم في لحظة، أما أنا فنجوتُ بأعجوبة”، يقول محمد الذي يخرج كل صباح إلى المراعي رغم علمه بالخطر المحدق، “لا خيار لدي هذه هي مصدر رزقي الوحيد”.

محمد واحدا من كثير من الرعاة والأهالي في البوادي السورية الذين يواجهون الخطر ذاته يومياً في غياب أي برامج فعلية لإزالة الألغام أو توعية السكان المحليين.

غياب عمل الجهات المختصة
بحسب إسماعيل المبروك، مدير قسم الإطفاء في مقاطعة الطبقة، فإن معظم المناطق التي انسحب منها النظام وتنظيم داعش، خصوصاً البوادي المتصلة بحمص ودير الزور، تعاني من انتشار الألغام. “نحث الأهالي على عدم الاقتراب من أي أجسام مشبوهة، وضرورة الإبلاغ عنها فوراً. وفي حال تعذر التواصل مع الجهات المختصة، يجب وضع إشارات تحذيرية واضحة لمنع تكرار الكارثة”، يقول المبروك.

ورغم مرور عدة أشهرعلى انسحاب قوات النظام السابق بعد السقوط ، لا تزال المناطق المتضررة تعاني من إهمال شبه تام في عمليات إزالة الألغام، فالمنظمات الدولية المعنية، سواء بالألغام أو الإغاثة، لم تُسجّل حضوراً فاعلاً، في وقت لا توجد فيه أي إحصائيات دقيقة عن عدد الضحايا.

في البوادي السورية، تظل الألغام حاجزاً مميتاً أمام عودة الحياة فيها.