Local
الموسيقار الكبير “محمد علي شاكر” كما عرفته
سردار ملادرويش
من منزله في زقاق أحد أحياء شارع الكنائس، بمدينة سري كانيه / رأس العين، وصولًا للسوق والشارع العام، امتدادًا لكل مكان داخل المدينة، كان الفنان الموسيقار محمد علي شاكر، محط احترام وتقدير بين أهله وناسه.
تعود ولادة الأستاذ محمد علي شاكر لمدينة الدرباسية لعام ١٩٤٦، لكن فعليًا عاش حياته، ويصنف من سكان سري كانيه، مع باقي أفراد عائلته، فقد خدم المدينة، كما خدم الفن والموسيقى الكردي في سوريا.
كانت الكثير من الاعتبارات تربطنا مع الأستاذ محمد علي، على الصعيد العائلي وعلى صعيد الصداقة مع والدي، فلم يكن يمر اسبوع، إلا أن يزور الأستاذ محمد علي شاكر والدي في حي الكنائس أو جارنا العزيز “علو أبو دلشاد”، يجلس ويرتشف القهوة، ويتحدث بمواضيع سياسية وأدبية وفنية، خاصة كان يجمعه مع أبو دلشاد عدا الصداقة، الموسيقى والعزف على آلة العود أحيانًا.
لاقى الأستاذ محمد علي شاكر ظروف صعبة في حياته، لم تكن الحياة بسيطة أمامه، خاصة أنه التزم بخط ونهج قومي بمسيرة حياته، فكان يصنف كموسيقار وملحن ومغني لقضيته ولم يبحث عن شهرة نفسه مع السلطات على حساب أبناء جلدته.
مواهب الأستاذ محمد علي شاكر لم تقف عند التلحين والغناء وكتابة الشعر، بل كان أيضًا رسامًا موهوبًا، ومدرس لغة إنكليزية، وشخصية اجتماعية بين الناس، بدت معرفتي به منذ الصغر فكثير من المناسبات التي كان يتواجد الأستاذ محمد علي شاكر وشقيقه محمود عزيز شاكر في جلسات في منزلنا مع والدي ورفاق أخرين، إما في المناسبات أو في جلسات متعلقة برأس السنة مثلًا.
كان الأستاذ محمد علي شاكر، يقف في أحاديثه كثيرًا على حقوق الفاعلين الكرد بشكل عام ممن يتم هضم حقوقهم ولا يتم إيلاء الاهتمام بهم، أتذكر في محل والدي تحدث أمامي عن الفنان محمد شيخو، عرفت وأنا صغير منه، أن محمد شيخو توفي في مستشفى وطني، وتبناه الناس واهتم به بعد مماته، كان آنذاك يتحدث من مبدأ الدفاع عن حق الإنسان الفاعل الذي يقدم لقضيته وشعبه، في حين أننا شاهدنا جنازة الفنان الراحل محمد علي شاكر أمس، كانت مخجلة من حيث الاهتمام والقيام بالواجب اتجاه شخص قدم لقضيته وأهله.
كان إهمال جنازة الراحل برغم ظرف كورونا، تمثل واقعنا في الصراع السياسي الذي يعيشه الكرد في سوريا، فالرجل لأنه أراد أن يكون لكل الكرد، فقد حرمته الأطراف السياسية وكذلك الأطراف الثقافية المتأثرة بالسياسة من حقه في أن يتم تأبينه بشكل مناسب ولائق بفنان وموسيقار مثل محمد علي شاكر.
الإهمال بحق الفنان محمد علي شاكر قديم جدًا ربما هو ضعف منهجية لدى القوى الكردية سياسيًا وثقافيًا، أذكر أنني أجريت حوار مع الراحل في عام ٢٠١٠ لموقع مدونة وطن كان من الحوارات النادرة التي تجري مع الفنان، قبل بروز وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قدم الاعلام في كردستان سوريا جهدًا لا بأس به بالتركيز على الفنان محمد علي شاكر، لكن بالطبع كان أفضل بكثير من اهتمام القوى السياسية والثقافية.
عانى الفنان الكبير محمد علي شاكر كثيرًا في الحفاظ على موهبته، كي لا يضطر لتركها بحكم أنها ليست المورد المعيشي له، لذا عمل كثيرًا ليحافظ على الفن، وأن يستطيع تأمين مورد لحياته، في السنوات الأخيرة كان الأستاذ محمد علي شاكر، يجلب مواد متعلقة بالزيت مثل الزيت والزيتون والصابون من عفرين ويقوم ببيعها للعوائل في سري كانيه ليؤمن قوته اليومي، أي بقي ملازمًا محترمًا لنفسه وكرامته ولم يفتح يده لأحد.
قوميًا خدم الأستاذ محمد علي شاكر وعائلته القضية الكردية دومًا دون تردد، وبإخلاص ومواجهة للسلطات مثل غالبية العائلات في مدينة سري كانيه التي كان فيها خليط سكاني، فمن “فرقة الربيع” في منتصف الثمانيينات وقبلها وبعدها، كان للفنان محمد علي شاكر وشقيقه محمود عزيز وأفراد عائلتهم دور كبير في تمثيل الفن في الفرق الفلكلورية والمناسبات الكردية، ومعروف عن العائلة التي يرتبط بها عائلة الفنان مصطفي خالد وعائلة الفنانيين “كيكي”، ليشكلوا سوية دومًا عماد الفن في المدينة، والالتزام اتجاه قضيتهم القومية.
استطاع محمد علي شاكر تخريج العشرات من الفنانيين والموسيقيين والملحنيين الكرد وكتاب الشعر، حيث لجانب محمد علي في العائلة الفنان محمود عزيز شاكر وظهر الفنان حسين شاكر، وأيضًا مصطفى خالد ومحمد أمين كيكي وسعيد كيكي ولازكين خالد وسواهم..
تدرك الأطراف السياسية الكردية في سري كانيه التعب الذي بذلته العائلة للدعم في الجانب الموسيقي، وفي جوانب أخرى، والتزام العائلة خاصة مع جميع الكرد في سوريا وخاصة نهج البارزاني، برغم أن المنتمين لنهج البارزاني في سوريا أيضًا خذلوه في موته ولم يمنحوه ما قدمه هو لهم، برغم أن العائلة كانت عماد الفرق الموسيقية في أعياء النوروز برأس العين.
عدا ما قدمه لأهله فقد اختار الأستاذ محمد علي شاكر منفاه القسري في عامودا، مهجرًا من مدينة سري كانيه المحتلة، وكانت عيناه تنتظران العودة، وفي الفترة الأخيرة كانت كتاباته توضح الشوق للمدينة التي عاش فيها، فكان يوصف واقعها في أغانيه وشعره، ويعمل مع الجميع على أن تعود المدينة ويعود سكانها الأصليون ويرحل الاحتلال التركي ومرتزقة المعارضة السورية عنها..
لقد خسرت الحركة السياسية الكردية والحركة الفنية الكردية في سوريا الكثير، بتقصيرها بحق أبا شيركو، لكنه كما عاش حياته مكتسبًا المحبة من الكرد والعرب والسريان والكلدوأشوريين والأرمن والشيشان والشركس والتركمان في مدينته، فقد كسب جمهورًا واسعًا سيقدر ما قام به الفنان الكبير محمد علي شاكر.