أخبار وتقارير
السوريون الفارون من الموت ببلدهم هدفُ قناصات الجندرما… مئات لقوا حتفهم وآخرون أصيبوا بإعاقات دائمة برصاص حرس الحدود التركي
تقرير: يامن الخالد
تحرير: آلاء الربيعي
تتسبب قوات حرس الحدود التركي (الجندرما)، بمقتل وجرح مئات من السوريين ممن يحاولون عبور الحدود، وقطع الحدود من سوريا إلى تركيا، منذ أن بدأت الثورة / الأزمة السورية في آذار 2011.
الحوادث التي تكررت مرارًا خلال 10 سنوات مضت، خلفت العديد من الضحايا من المدنيين السوريين والكثير من المصابين بينهم مصابون بإعاقات تلازمهم في حياتهم.
زينب: أحلم اليوم بكرسي متنقل أستطيع التحرك به في المخيم
لم تكن تدرك زينب العلاوي (26 سنة)، أن قرارها العبور باتجاه تركيا هربًا من الموت في سوريا، ستكون نتيجته إصابتها بإعاقة وشلل نصفي، بطلقة رصاصة من حرس الحدود التركي، استقرت في منطقة النخاع الشوكي.
تقول “زينب” وهي من سكان ريف حماة الشمالي، في حديثها لشبكة آسو الإخبارية، إنها أصيبت بشلل نصفي نتيجة طلقة نارية أصابتها من قبل حرس الحدود التركي، عند محاولتها قطع الحدود باتجاه تركيا في شهر أيلول 2020.
قرار الهجرة بالنسبة لـ “زينب العلاوي” لم يكن اختياريًا مقارنة بالواقع الذي تعيشه، بل فرض عليها نتيجة الظروف الصعبة، فتقول “حاولت الهروب من الواقع المأساوي، وهو ترك مخيم للنزوح في مدينة أرمناز بريف إدلب الشمالي وذلك في شهر نيسان من عام 2019، وبقيت فكرة العبور لتركيا تراودها حتى شهر أيلول 2020 عندما قررت العبور، لكن كانت النتيجة إصابتها بطلقة من حرس الحدود التركي.
ويعاني السوريون من أزمة الحرب منذ عام 2011، الأمر الذي أجبر السوريين على اللجوء إلى الدول المحيطة، مثل لبنان والأردن وتركيا، عبر الحدود، وكانت السنوات الأولى للثورة تسمح بعبور السوريين لتركيا من قبل الحكومة التركية بشكل ما، لكن بعد عام 2012 بدأت تركيا تستهدف السوريين الفارين من بلادهم، برغم أن تركيا تدّعي استقبال السوريين واحتضانهم.
ولم يتم التركيز على الضحايا من السوريين الذين باتوا من الوفيات أو تعرضوا لإعاقات وإصابات نتيجة إطلاق حرس الحدود التركي النيران على كل سوري يحاول العبور لتركيا بـ “طريقة غير شرعية”.
وفي حين لم تقم المعارضة السورية (السياسية والعسكرية) بتقديم أي دعم للسوريين الفارين، كما لم تطالب بحقوق السوريين الذين يتعرضون لرصاص حرس الحدود، فإن الطريق لتركيا، أصبح أشبه بطريق الموت، يتقدم الأهالي إليه هروبًا من الظروف الصعبة في سوريا، فيستغلهم سماسرة الطرقات من المهربين بدفعهم للموت، لتكون بندقية الجيش التركي بمواجهتهم، فإما يتصادف التوقيت مع نجاة البعض، أو يكون مصير البعض هدف البندقية التركية.
تقول “زينب العلاوي” إن لحظة القرار بالهجرة لتركيا، جاءت بالاتفاق مع مجموعة من أقربائها ومعارفها، “دفعت مبلغ 400 دولار أمريكي لأحد المهربين مقابل الوصول لتركيا، وانطلقت مع أحد أقاربي ونحو سبعة أشخاص أخرين باتجاه الحدود التركية من ناحية بلدة حارم بريف إدلب، فتم إيقافنا من قبل حرس الحدود التركي، ثم تم ترحيلنا للأراضي السورية بعد أن تعرضنا للتعذيب والضرب، في اليوم التالي وكالمعتاد من قبل المقبلين على الهجرة بطرق غير شرعية، طُلب منا من قبل المهرب أن نتجاوز الحدود مجددًا، فأعدنا المحاولة لكن عند وصولنا للشريط الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا، بدأ إطلاق النار من قبل حرس الحدود التركي (الجندرما) علينا، تمت إصابتي حينها بطلق ناري في منتصف الظهر، وتم اسعافي إلى مستشفى بلدة حارم، وأجريت لي عملية فورية لانتزاع الرصاصة ثم نقلت لمستشفى بابا الهوى وهناك تم إخباري بتعرضي لشلل ولن أقدر بعد ذلك على المشي مجددا فقد أصبت بشلل نصفي، ومنذ ذلك الحين وأنا طريحة الفراش”.
تتأمل زينب وهي تجلس وتضع يدها على خدها ظروف حياتها وما جرى لها، وفي لحظة تنهمر الدموع من عينيها، وتقول “لقد تدمر مستقبلي وضاعت أحلامي، خاصة وأن الشاب الذي كان قد تقدم للارتباط بي، قد تركني بسبب الإعاقة التي حصلت لي، واليوم حلمي الوحيد أن أحصل على كرسي متحرك استطيع الخروج به من الخيمة التي اسكن فيها، فقد كانت رحلة الخلاص من الخيمة عودة لها لكن بظروف أصعب”.
محمد الساهر: أصبحت لحد بعيد ضرير بعد التعرض للضرب من الجندرما التركية
ليست الرواية التي يحدث بها “محمد الساهر” شبكة آسو الإخبارية، أبعد عن رواية زينب من حيث الفاعل (الجندرما التركية)، لكن تختلف التفاصيل، فقد تعرض محمد للضرب والتعذيب على يد حرس الحدود التركي، ويقول الشاب ذو الثلاثيين عامًا، إنه الرؤية باتت ضعيفة لديه بعد أن تعرض للضرب وبشكل مبرح من حرس الحدود التركي، خلال محاولته قطع الحدود من سوريا باتجاه تركيا في حزيران لعام 2016.
وعن أسباب محاولة محمد الهجرة لتركيا، يقول إن الظروف باتت سيئة من الناحية المعيشية، وقد حاول الانتقال لتركيا بهدف العمل، من أجل إعالة اسرته المؤلفة من 4 أشخاص.
يستذكر “محمد” الحادثة التي تعرض لها للضرب، حيث كان يحاول العبور من ناحية دركوش في ريف إدلب، عندما أمسك به حرس الحدود التركي، وتعرض للضرب الشديد من قبل 5 عساكر يستخدمون العصي والبوط العسكري، وأغلب الضربات على حد وصفه كانت في منطقة الرأس مباشرة من قبل الجنود، ثم تم اقتيادهم لمخفر حدودي، وابقي عليه والأخرين في زنزانة حتى صباح اليوم التالي، ثم أعادوه ومن معه لسوريا”.
ويكمل “الساهر” القول “بعد عودتي بأيام شعرت بآلام شديدة في الرأس فراجعت أحد المستشفيات وأجريت بعض التحاليل والصور الشعاعية، ليتبين وجود ضرر كبير من المنطقة المسؤولة عن النظر في الدماغ، حيث بدأ نظري يضعف تدريجيا وأنا الآن استعمل النظارة الطبية لكن لا يزال نظري ضعيف ما أثر على حياتي وعملي ودراستي بشكل كبير”.
ويحمل “الساهر” مسؤولية ما حدث له لقوات الحرس الحدودي التركي بسبب تعاملهم بعنف شديد مع السوريين
محاولات العبور المحبطة: تعذيب ومذلة وضرب وإعادة لسوريا من قبل الجندرما التركية
انطلق “سعد العبد الحليم” مع مجموعة من الشباب لعبور الحدود السورية التركية، بسبب الوضع المعيشي الصعب في إدلب، لكن في أخر لحظة بعد أن تم خداعهم من قبل السمسار (المهرب)، ألقى حرس الحدود التركي القبض عليهم، ثم اقتادوهم لأحد البساتين وقاموا بتعذيب المجموعة بشكل وحشي كما يصف سعد، ثم تم اقتيادهم لمخفر بمدينة الريحانية، ووضعوهم في زنزانة واحدة، وفي اليوم التالي تمت إعادتهم للأراضي السورية.
يقول “سعد” (28 عامًا) وهو من مدينة داريا، لمراسل شبكة آسو الإخبارية، إنه وشباب رفاق له قرروا الهجرة بحثًا عن حياة أفضل، ثم يقول عندما أعادونا الأتراك لسوريا، قاموا قبل ذلك بحلق رؤوسنا وسرقة الجوالات الخاصة بنا”.
يتابع “العبد الحليم” بالقول إنه بعد يومين من الحادثة بدأ يشعر بصداع شديد أفقده الوعي “أصبت بنوبات عصبية حادة، ما استدعى نقلي لمستشفى إدلب الوطني حيث أكد الأطباء أن الضرب الذي تعرضت له أثر على مناطق حساسة في الدماغ وأني سأبقى على هذا الحال لسنوات”.
ويحمل “العبد الحليم” المهرب جزءا من مسؤولية ما حدث له إلى جانب قوات الحرس الحدودي.
وبحسب مصادر محلية لشبكة آسو الإخبارية إن انتشار شبكات التهريب لتركيا بدأ بكثرة مع سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على مناطق الشمال السوري في ريف حلب الشمالي ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والجماعات الجهادية في إدلب.
وتتألف هذه الشبكات من 4 إلى 10 أشخاص يقودهم مهرب ويتمثل دور البقية بتأمين الزبائن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
وتؤكد المصادر أن غالبية هذه الشبكات احتيالية حيث تقوم بإيصال الراغبين بالهجرة إلى الحدود وتركهم يلاقون مصيرهم هناك، حيث أن أغلبهم يتم إلقاء القبض عليه من قبل الحرس الحدودي.
ويصنف المصدر طرق التهريب غير الشرعية إلى نوعين الأول تهريب مؤمن بإذن رسمي من أحد ضباط الجندرما بعد أن يتقاضى الأخير رشوة قدرها 500 دولار أمريكي لكل شخص والثاني تهريب عشوائي يعتمد على خبرة المهرب بطرق التهريب السرية
والجدير بالذكر أن تركيا شددت الحراسة على حدودها منذ عام 2015 وذلك إبان سيطرة الجماعات الجهادية وفصائل المعارضة المسلحة على مدينة إدلب وريفها، حيث شهدت المنطقة حركة نزوح كبيرة بعد تدخل سلاح الجو الروسي الذي كثف قصفه على جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري
ما دفع تركيا لرفع جدار اسمنتي وحفر خنادق ووضع أسلاك شائكة وقناصات حرارية ما تسبب بمقتل المئات.
وكانت تركيا تشكل المعبر الرئيسي لعبور المجاهدين لسوريا، قبل أن تقوم برفع السياج، لكنها بعد ذلك تدخلت بالشأن السوري وقامت باحتلال مناطق مختلفة وبعمليات عسكرية شملت مناطق الباب وجرابلس وعفرين وتل أبيض وسري كانيه / رأس العين.