أخبار وتقارير
استغلال العمل المدني كبوابة تمويل… كيف تهيمن هيئة تحرير الشام على العمل المدني بمناطق سيطرتها في سوريا؟
إعداد: يامن الخالد
تحرير: (س.م.د)
تتقيد حرية العمل المدني لمنظمات المجتمع المدني الإغاثية والإنسانية، في المناطق الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، بهيمنة الهيئة على مساحة واسعة من عمل المنظمات والمؤسسات الإغاثية والجمعيات الخيرية العاملة، وبشكل أخص، في منطقة إدلب وريفها وأجزاء من ريف حلب الغربي، وذلك بفرض آتاوات ونسب من حصة العمل المدني، ونسب من كمية المساعدات المخصصة للمنظمات التي تدخل عبر معبر باب الهوى، إضافة لتخصيص حصص مالية ضمن المشاريع المنفذة في مناطق سيطرة الهيئة.
مصادر خاصة من مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، ذكرت لشبكة آسو الإخبارية، أن عمليات هيمنة وسرقة من المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر باب الهوى، تتم من قبل موظفي “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام.
آلية الحصص المفروضة على المنظمات المدنية، من قبل حكومة الإنقاذ تتم عبر إنزال كميات وحصص تفرضها الحكومة من السيارات والآليات التي تدخل من معبر باب الهوى، ثم يتم نقلها لبناء خاص بهيئة تحرير الشام يسمى “المعمل الأزرق”، (وهو مبنى تتخذه حكومة الإنقاذ كمقر لإدارة منطقة الشريط الحدودي وفيه مكتب للمسؤول عن المخيمات)، ويتم تخزين المواد المخصصة لصالح هيئة تحرير الشام من حصة المنظمات المحلية، المكونة من سلل غذائية، ومساعدات أخرى، ليتم طرحها في الأسواق بعد إزالة شعار المنظمة عن المواد.
ويقول “محمود سعيد” (اسم مستعار لعامل في منظمة محلية بريف إدلب)، إن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، تفرض نسبة تقدر بأكثر من (١٠٪) على جميع كميات الدعم الذي توجهه المنظمات الإنسانية سواء كانت مساعدات غذائية أو كتل مالية لتنفيذ مشاريع معينة، ويتم فرض النسبة على المنظمات التي تدعم قطاعات الصحة والتعليم والخدمات (مثل الانترنت والكهرباء والنظافة وسواها)، ولا يوجد استثناء لأي منظمة من الحصة ويتم دفعها رغمًا وإلزامًا، على حد وصف “سعيد”.
ويضيف سعيد بأن هيئة تحرير الشام عبر حكومة الإنقاذ تشرف على تسيير عمل المنظمات الإنسانية، في عمليات توزيع المساعدات الإنسانية للنازحين والمهجرين، عبر إدارة شؤون المهجرين، كما لا يسمح للمنظمات العمل إلا بالتنسيق مع حكومة الإنقاذ، بالإشراف على عملية التوزيع في المخيمات وإنشاء المشاريع.
خلفية
وهيئة تحرير الشام بحسب ويكبيديا (هيَ جماعة سلفية جهادية متشددة شاركت وتُشارك في الحرب الأهلية السورية، فإنّ الهيئة تتكوّن من عناصر في جبهة النُصرة بالخصوص حيث يُسيطر قادة هذه الجبهة المُنحلّة على أبرز المراكز في الهيئة، على الرغم من الاندماج وتغيير الاسم وما إلى ذلك من الخُطوات فإنّ بعض الدول لا زالت تُشير إلى الهيئة باعتبارها فرع تنظيم القاعدة في سوريا خاصّة أنها لا زالت تحتضنُ العديد من القياديين والشخصيات الذين كان لهم دورٌ مهم في نشرِ فكر تنظيم القاعدة في منطقة الشرق الأوسط وبالخصوص في سوريا والعِراق)
منفذي عمليات الهيمنة على العمل المدني
وحصلت شبكة آسو الإخبارية، من مصادر محلية فاعلة، على معلومات عن وجود أموال وممتلكات يديرها متنفذون وقيادات في هيئة تحرير الشام، مصدرها السرقات والهيمنة على حصص من عمل المنظمات المحلية، بينهم “محمد عمر قديد” الملقب أبو عبد الرحمن الزربة (من بلدة دركوش بريف إدلب الغربي وتقع قرب جسر الشغور)، حيث يعتبر قديد الرجل الثاني بعد قائد هيئة تحرير الشام، وقديد يعمل مدير لشركة “وتد للبترول” التي تتفرد ببيع المحروقات في مناطق إدلب وريفها، كما يمتلك قديد عقارات وأبنية في بلدة سلقين، ومكاتب سيارات في بلدة سرمدا، ويقول أحد المقربين للقديد (لم يكشف عن نفسه) يعمل في شركة وتد للبترول، إن مدخول قديد الشهري الخاص يصل لنحو 50 ألف دولار أمريكي
وتفرض الليرة التركية بالتداول في مناطق شمال غرب سوريا، وكانت مؤسسات المعارضة السورية دعمت التجربة، التي يراها الكثير من المتابعين أنها تدخل لصالح تركيا المهيمنة على الواقع في شمال غرب سوريا، بينما جاءت فكرت استبدال العملة السورية بالليرة التركية سلبية على المواطنين.
الصور التالية هي ايصالات خاصة بشركة وتد
مخيمات وهمية لكسب المال
بعد أن باتت المخيمات مدخل مدر للأموال لهيئة تحرير الشام، قامت الهيئة في شهر أيلول\ سبتمبر لعام 2020، بإنشاء نحو 50 مخيمًا وهميًا في مناطق مختلفة ببلدات “سرمدا” و”أطمي” و”دير حسان” و”كفرلوسين” بريف إدلب الشمالي، وطالبت المنظمات المحلية الإنسانية بدعم المخيمات التي تكاد تخلو من السكان، ويتواجد فيها بعض عناصر وقيادات هيئة تحرير الشام، لكنها في الواقع مخيمات وهمية، تم أعدادها لزيادة مدخول الهيئة من المنظمات المدنية.
شرعنة واضحة للسرقة
في حديثه “لشبكة آسو الإخبارية” يقول” عماد الحاج عبدو” وهو موظف سابق في منظمة “يداً بيد” الإنسانية، يقول إن هيمنة “هيئة تحرير الشام” وتحكمها بعمل المنظمات الإنسانية، بات أمر واضح للمتابعين عن قرب للعمل المدني في شمال غرب سوريا، مؤكدًا أن الهيئة لا تخفِ ذلك، بل تجاهر به تحت مبرر تنظيم العمل المدني في المنطقة تحت غطاء حكومة الإنقاذ.
ويؤكد الحاج عبدو من جانبه نسبة المخصصات التي تفرضها الهيئة على المنظمات المحلية والتي يحددها بين 10 إلى 15٪ من إجمالي الكتل المالية المخصصة لإقامة مشاريع إنسانية، كما يتم اقتطاع الكمية ذاتها، من المساعدات الغذائية للنازحين والمهجرين في كافة المخيمات الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.
وتحارب هيئة تحرير الشام الأفكار المدنية والداعمة للديمقراطية في فكرها، لكن تحاول في الفترات السابقة القريبة، أن تظهر وجه مخالف لفكرها الجهادي أمام المجتمع الدولي، وظهر هذا في مقابلات أجراها زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني.
وظهر عمل المنظمات المدنية في سوريا، بعد الأزمة السورية، مرافقا لمسار الحراك في التغيير، والمساعدات الإنسانية، وتعمل غالبية المنظمات المدنية في سوريا، بدعم من المجتمع الدولي، بينما تعمل منظمات أخرى بتوجه سياسي ودعم إقليمي وعربي.
واستطاع العمل المدني في مناطق المعارضة من الحصول على الدعم الأكبر من المجتمع الدولي، لكن تقلص عمل المنظمات نتيجة هيمنة فصائل راديكالية على مناطق المعارضة السورية، كما أصبح العمل المدني صعب في ظل تواجد المنظمات المحلية في تركيا، التي بدأت بعد عام 2015 بفرض صعوبات على العمل المدني، واهتمت بدعم قوى سياسية وعسكرية في سوريا.
مشاريع العمل المدني يجب أن تمر بموافقة حكومة الإنقاذ
يقول “عماد الحاج عبدو” إن كل مشروع للعمل المدني، يجب أن يمر بموافقة حكومة الإنقاذ في شمال غرب سوريا، ويتم تنفيذه بإشرافها من البداية حتى النهاية، والحكومة هي من تحدد الفئات المستفيدة من المشروع، فهي تهتم “بمشاريع الكتل السكانية التي تقوم المنظمات المحلية بدعم النازحين فيها”، مضيفًا أن حصة خاصة من المستفيدين يتم تحديدهم من قبل حكومة الإنقاذ، وهم أشخاص مقربين من الهيئة يتم تخصيص نسب من الدعم لهم.
في جانب الدعم الفردي أو دعم الجمعيات، أيضًا تقوم هيئة تحرير الشام عبر حكومة الإنقاذ، بفرض ضرائب على آليات التبرع الفردية للمخيمات من قبل متبرعين فرديين ومجموعات، وتخصص قسم من كمية الدعم (صغيرة أو كبيرة) للهيئة، وذلك قبل البدء بالمشروع والتوزيع لعينات مادية أو إغاثية.
وقلصت العديد من المنظمات المدنية السورية عملها في مناطق شمال غرب سوريا، بسبب هيمنة هيئة التحرير على المنطقة، كما أن منظمات دولية انعكفت عن تقديم الدعم للمنظمات العاملة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام خشية أن يتم عبر ذلك تمويل الإرهاب، خاصة أن هيئة تحرير الشام تصنف كجماعة متطرفة.
في حين تعمل العديد من المؤسسات والمنظمات ولكن بموافقة من هيئة تحرير الشام.
وتعمل نحو 100 منظمة (إحصائية غير رسمية) محلية إنسانية وإغاثية مدنية ضمن مناطق نفود هيئة تحرير الشام، بينها هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات IHH التركية، ومنظمة عطاء ومنظمة شفق ومنظمة “سيريا ريليف (Syria Relief Operations)، ومنظمة بنفسج وفريق ملهم التطوعي، وغالبيتها منظمات مرخصة في تركيا وتتلقى دعماً من الإتحاد الأوروبي ومنظمات دولية ولديها مكاتب في تركيا.