أخبار وتقارير
جبهة النصرة تتقدم سريعاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي
تتسارع وتيرة الأحداث الميدانية في الشمال السوري، حيث تتغير خارطة النفوذ والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية للاحتلال تركيا، وتتقدم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بشكل سريع وملحوظ، على حساب ما يعرف باسم “الفيلق الثالث” الذي يضم عدة فصائل مثل “الجبهة الشامية” و”حركة التحرير والبناء” و”جيش الإسلام”، وغيرها.
التقدم العسكري اللافت الذي حققته “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) المتحالفة مع فصائل “فرقة الحمزة” و”حركة أحرار الشام” و”فرقة السلطان سليمان شاه”، كان تحت أنظار قوات الاحتلال التركي التي تنتشر بكثرة في جميع المناطق عبر نقاط عسكرية وحواجز ومقرات تابعة لها، دون أن تحرك الأخيرة ساكناً أو تفعل أي شيء يحول دون تقدمها، وسط حديث عن تواطؤ تركي مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، وموافقتها على ما يحدث من تغير في خارطة السيطرة الفصائلية.
ومنذ بداية الاشتباكات وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير كانت قد سيطرت “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة، على كل من مدينتي عفرين، وجنديرس التي كانت أبرز معاقل ما يسمى “الفيلق الثالث”، ومع دخولها مدينة عفرين بدأت بتثبيت نقاط عسكرية لها وتعزيز وجودها بأكثر من 700 عنصر من عناصرها داخل المدينة، بل وعمدت إلى إظهار سيطرتها المدنية والإدارية على المدينة من خلال توزيع المساعدات الإنسانية والخبز على المدنيين.
ويقول الناشط الإعلامي تيم الأحمد (اسم مستعار)، من ريف عفرين، لشبكة آسو الإخبارية، إنّ
دخول قوات “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) إلى عفرين جرى بدون أي مقاومة تذكر من قبل “الفيلق الثالث”، ومع دخولها المدينة بدأت بنشر عناصرها وعناصر جهازها الأمني، إضافة لوصول موظفي ما تسمى “وزارة التنمية” التابعة “لحكومة الإنقاذ” إلى المدينة، وبدأها بتوزيع مادة الخبز والمواد الغذائية على المدينة.
ويضيف بالقول: ” لم تتغير خارطة السيطرة كثيراً، سوى السيطرة على عفرين وانتقال القوات “المدافعة” باتجاه قرية كفرجنة التي تعد معقلاً هاماً لفصائل “الجيش الوطني”. وهي بمثابة درع عسكري لمدينة إعزاز التي تقع أنظار “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، عليها حالياً، لكن ما حدث هو أن يوم الجمعة 14 تشرين الأول الجاري، كان قد شهد هدوءاً كامل على جبهات القتال وسط أنباء عن هدنة أبرمت في هذا اليوم.
ويتابع بالقول: “أما بالنسبة لخطوط الاشتباكات على الجبهة الأخرى مدينة “الباب”، فلا تزال أيضاً تشهد هدوءاً حذراً بعد أن سيطرت “الجبهة الشامية” التابعة لـ “الفيلق الثالث” عليها بشكل كامل، حيث تحاول قوات تتبع لفصيل” فرقة الحمزة” أن تعيد السيطرة على هذه المدينة التي تعد استراتيجية بالنسبة لجميع الفصائل، إلا أن المحاولات باءت بالفشل بسبب ثقل التعزيزات العسكرية لفصيل “الجبهة الشامية” داخل أحياء المدينة ووجود خطوط إمداد للفصيل على عكس فصيل “فرقة الحمزة”.
ويشير “الأحمد” إلى ميل بعض الفصائل لتجنب القتال، مثل فصيل “حركة التحرير والبناء” الذي شارك فقط خلال اليوم الأول من المعارك ثم أعلن عن حياده، بحسب قوله.
وتتوارد أنباء عن محاولات لوقف الاقتتال عبر وساطات من عدة فصائل مثل “فرقة السلطان مراد” و”فيلق الشام”، وإبرام اتفاق، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل مع إصرار “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، مواصلة تقدمها، وفق ما بيّن “الأحمد”.
وتتخوف باقي الفصائل ومعها ما تسمى بـ “الحكومة السورية المؤقتة” من أن تقع جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي في قبضة “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة سابقاً). وسط ترجيحات من هذه الفصائل بوجود تساهل تركي كبير جداً ومنحها الضوء الأخضر لكل من “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة سابقاُ) والفصائل المتحالفة معها، بدخول مدينة عفرين وغيرها.
وفي هذا السياق يقول محمد الدرويش (اسم مستعار) وهو ضابط منشق عن جيش الحكومة السورية، وكان منضوياً في وقت سابق في صفوف “فيلق الشام”، يقول لشبكة آسو الإخبارية: إنّ ” السيطرة السريعة “لهيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، لم تأتِ من فراغ، إذ أن السلطات التركية خلال الأعوام الماضية وضعت ملايين الدولارات لدعم مشاريع خدمية وصحية وتعليمية وغيرها في هذه المناطق، كما دعم فصائل “الجيش الوطني” بكل ما يحتاجه من سلاح وتدريب وأموال، وليس من السهل أن تتخلى عن هذا التشكيل العسكري وتتركه “لهيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، دون أن يكون هناك تفاهمات واتفاقيات جرت “تحت الطاولة.”
ويرى أن لتركيا العديد من الأسباب لمنح الضوء الأخضر “هيئة تحرير الشام” لدخول هذه المناطق، ومنها التخلص من الأعباء المالية التي كانت تقدمها تركيا لـ “الجيش الوطني السوري” في حين أنها تعتقد أن “هيئة التحرير الشام” قادرة على تمويل نفسها دون الحاجة للدعم التركي.
كما أنّ الاحتلال التركي بات “يحتاج لأن تكون هذه المناطق خاضعة لسلطة مدنية محلية واحدة على عكس عمل الفصائل التي تتقاسم القرى والبلدات وكل فصيل يبسط نفوذه ضمن منطقة ويديرها كما يحلو له، فهذا أيضاً أحد أبرز الأسباب التي جعلت تركيا حالياً تعطي الضوء الأخضر “لهيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، ويضاف لذلك تصارع الفصائل بشكل دائم وعدم تقبل كل فصيل للآخر وتناحرها.”
ومن المتوقع أن تستمر المعارك لعدة أيام وأن تبسط “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) والفصائل التي تقاتل إلى جانبها سيطرتها على كامل المناطق بما فيها ما تعرف بمنطقة “نبع السلام” في مدينتي سري كانيه/رأس العين، وتل أبيض، أو أن تتوقف المعارك بموجب اتفاق تسليم المناطق دون قتال.
ومع تقدم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) تظهر العديد من التخوفات لدى شريحة من المدنيين والنشطاء في الشمال السوري، على ضوء المجريات المتسارعة التي تحدث، حيث تقول الناشطة الحقوقية “مرام البكري” التي تقيم في تركيا، في حديث لها مع شبكة آسو الإخبارية: “أنا ضد سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، على مناطق الشمال السوري بشكل كامل وذلك لعدة أسباب، من أبرزها أن التنظيم هذا يصنف على أنه “إرهابي”، وهذا سينعكس بالسلب على المنطقة.”
وتضيف، بداية سيكون ذلك سبباً كافياً لتغير نظرة العديد من الدول التي لا زالت إلى الآن تنظر لفصائل “الجيش الوطني السوري”، على أنه معتدل ومتعاون مع تركيا ولا يشكل تهديداً خارجياً، بينما في حال تسلمت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) زمام المنطقة فستعتبر هذه المنطقة حاضنة فصيل إرهابي.
ومن جهة أخرى ترى البكري، أن هناك أعداد كبيرة من المنظمات الإنسانية التي تنفذ مشاريع إنسانية ستتوقف عن العمل في المنطقة “فهي لا تقبل العمل ضمن منطقة تخضع لسيطرة فصيل يعتبر ضمن التصنيفات الإرهابية، وهذا سينعكس سلباً على المدنيين من سكان أصليين ومهجرين فيها حيث ستتراجع قوة المساعدات الإنسانية والمشاريع الخدمية والطبية والتعليمية.”
كما وتتوقع في حال سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) على المنطقة، “سيكون هذا بمثابة ذريعة قوية لقوات الحكومة السورية وروسيا بشن عمل عسكري على الشمال السوري ومحاولة السيطرة عليه وحينها لن تستطيع أي دولة منع ذلك بسبب وجود “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تؤكد بأنه من الأفضل أن تبقى “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، بعيدة عن هذه المناطق التي يقطنها أكثر من 3 مليون نسمة، مثل قضية التخوف على بعض الأقليات الدينية وعلى من تبقى من الكرد من انتهاكات خطيرة قد يتعرضون لها.”
من جهةٍ أخرى، يرى نشطاء محليون في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، أنه إذا أتمت الأخيرة سيطرتها على مناطق سيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي بشكل كامل، فهي ستنقلب في يوم من الأيام على الفصائل التي تتحالف معها حالياً مثل فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” بقيادة “محمد الجاسم” المدعو “أبو عمشة”، وفصيل “حركة أحرار الشام” وفصيل “فرقة الحمزة، وذلك بما عهده الجميع عن “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، بأنها لا تقبل التشارك مع أي طرف في السيطرة وترغب دائماً بأن تكون صاحبة النفوذ الأكبر.
بدورهم يتخوف مدنيون من سيناريوهات تطرح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في أن تكون هذه المعارك هي بداية لتسليم المناطق للحكومة السورية ضمن اتفاقيات سرية مبرمة بينها وبين الجانب التركي، وستكشف الأيام القليلة القادمة عن تفاصيل ما يدور من تطورات ميدانية في الشمال السوري.
وبدأت الاشتباكات الفصائلية على خلفية اغتيال ناشط صحفي مع زوجته على يد عصابة تتبع لفصيل “فرقة الحمزة” الموالي للاحتلال التركي، حيث بدأت بهجوم “الفيلق الثالث” متمثلاً بفصيل “الجبهة الشامية” على مقرات الفصيل في مدينة الباب، ليتشكل عقب ذلك حلف من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، و”فرقة الحمزة” و”حركة أحرار الشام” و”فرقة السلطان سليمان شاه”، وتبدأ المعارك التي امتدت لعدة مناطق.
ويذكر بأنه مساء الجمعة بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تم التوصل لاتفاق مبدئي مؤلف من 10 بنود، لفض النزاع والاشتباكات بين الطرفين لكن بعض مكونات “الجيش الوطني” رفضته وقامت بحذفه واعتباره ملغياً.