مدونة آسو
أبعد من اللّغة, أعمق من الكلام… قراءة في ديوان (نداء يتعثر كحجر) للشاعر خالد حسين
أفين علو
عن منشورات رامينا في لندن، صدرت المجموعة الشعرية الأولى للشاعر والناقد الأكاديمي خالد حسين بعنوان “نداء يتعثر كحجر”، بتصميم وتنضيد ياسين أحمدي، ولوحة الغلاف للفنان زهير حسيب، حيث تضم المجموعة (104) صفحات من قصائد النثر متفاوتة الحجم.
ومن خلال العنوان تتشكل في ذهن القارئ فكرة عن مضمون الرسالة- الكتاب, وقد يخيّل للقارئ من الوهلة الأولى أنّ نداء الشاعر قد ضل طريقه إليه، لكن هذا التصور يزول ويتلاشى مع الوصول إلى الصفحات الأخيرة للديوان.
تضاريس بدلاً عن الفهرس وثلاثة منعطفات شعرية شاهقة: المنعطف الأول والثاني ينقسمان إلى أربعة عناوين، أما الثالث فإلى عنوانين, وبين تلك التضاريس وتنوعها، التي نسّقها لغوي محترف، نلمح عناوين فرعية للقصائد, مثل: سفوح كباش ولسان معضوض، و (عن تلك الشجرة التي تستضيء بها الليل في سيره الأعمى)، و (كقصيدة تمكث على لسان اللغة) و (لكي أتورد كالنسيان بين أصابعك)… “اشتباكات سردية في إهاب الشعر”, هكذا رصّع الشاعر خالد حسين بوابة عالمه الشعري الواسع بالكلمات، ليدخلها القارئ وينبهر بتوهجها التي تخلق عالماً غرائبياً موازياً للعالم الذي نعيش فيه.
تتميز لغة خالد حسين في هذه المجموعة بجمالها وعمقها وغموضها, وهو يستخدم الصور والاستعارات والرموز لخلق فضاء شعري غني وفريد؛ إذ تتناول قصائد المجموعة مواضيع متنوعة، مثل: الحب والفقدان والوحدة والذاكرة والوجود. وتتميز تجربته الشعرية بسحرها وعمقها, فهي تلامس مشاعر القارئ وتثير تأملاته, وتُعبّر عن مشاعر إنسانية عميقة، بجمال ودقة, وتعتمد صوره الشعرية غالباً على دقة الوصف والوقوف على تفاصيل الأشياء.
فإذا تأملت الأشياء الجامدة التي يتحدث عنها، لا تلبث أن تشعر بنبضها وتدفق الروح فيها،
وتكاد تسمع صوتها وتشعر بحزنها وقلقها، وبالتالي تلمح موتها الغريب، ومن ثم خلودها في ذهن القارئ، وقد اعتاد الشاعر في صياغة هذه اللغة على رهافة الحس، وجمال التراكيب والصور الشعرية والمجازات المتداخلة.
(يا ليتني كنت حجراً ملموماً على صمتي، يعبرني الرعاة ويبكيني العشاق، تعبرني الرياح، والعواصف تجتاحني وأبقى، كما أنا، حجراً ألقن الأبدية نشيد الأزل. يا ليتني كنت حجراً، ليعبرني الحب كمسافر دون أثرٍ لتعبرني الغزالة ولا تطعن قلبي النوى!.. يا ليتني كنت هناك ويسكنني حجر…)
(ببهائها
تندلع الغزالة قمراً في فضاء الحجرة!
تتكئ على حافة الصدى, تحدّق عبر النافذة الى سماء ضيقة, تلتفت لصوته أغنيةً ثم تغيم بعينيها اليه.)
(الماء الذي يبطش بخصرك
الماء الذي يتلألأ بإشراقة فخذيك
الماء الذي ينحدر حول نهديك متلألئاً
الماء الذي يصول على هضابك
يا لك من داعر
أيها الماء…!)
(من قال أن الوعل رماني في الوادي؟ فالوعول تؤاخيني, لم أقتل الوعل, ولا الوعل رماني! كنت على الجرف أعزف شعرك للريح وشفتيك للورد حين أصابني في جهة القلب سهم!
ناديتك: خجه Xecê ….. الغصن لم يرحمني, لم يرحمني الغصن في الهاوية, آآآآآآآآآه .. هي صرختي لمّا تصل..!!!)
نداء يتعثر كحجر تُجسّد رحلة خالد حسين عبر ذاكرته الشخصية وتجاربه مُمزوجةً بالرمزية والدلالات الكثيرة, تُعبّر عن مشاعر الحبّ والأمل لدى الشاعر، رغم الظروف القاسية التي يمرّ بها كما يبدو لنا من خلال نصوصه, فمفهوم الحبّ لديه له أشكال متعددة؛ وهو يتنقل بين الحبّ كمفهوم مجرّد، وحب الذات والأرض, ما يجعل هذه المجموعة تثير مشاعر متنوعة ومركبة لدى القارئ، ويدفعه للتأمل بعد الانتهاء من قراءتها.