مجتمع محلي
خديجة وأطفالها يعيشون ظروف قاهرة بعد أن دمرت داعش أسرتهم
آسو-بتول علي
تشكو “خديجة علي”، وهي ربة أسرة مطلقة بسبب داعش، في مدينة الطبقة، كمعيلة لأسرتها المؤلفة من سبعة أطفال، كما لا تلق أي دعم ومساعدة من أحد، في إعالة أسرتها التي هجرها الوالد.
يعاني عديد من الأهالي في المناطق الخارجة عن سيطرة داعش في (روج آفا/ شمال سوريا)، من آثار سلبية أثرت في المجتمع، نتيجة أفعال وفكر داعش الإرهابي.
لا تقف فواجع الأهالي من التنظيم، عند حدود القصاص والقتل، وتفكيك الأسر، وتجنيد الأطفال والسلب والنهب، وفرض الفكر المتطرف، وزرع الخلافات داخل المجتمع الواحد، فمثلها الكثير، من بينها أن يكون داعش سببًا في تفكيك أسرة بطلاق رب وربة الأسرة والإنفصال للبحث في درب جديد ومؤلم مع الأطفال.
تجلس خديجة التي تبلغ من العمر 35 سنة وأم لسبعة أطفال، وسط غرفة بسقف قديم وأعمدة خشب عليه أثار تسرب المطر من فصل الشتاء، ووجهها متعب بعد العودة من العمل التطوعي الذي تقوم به، لتروي لنا سيرة معاناة أسرتها التي تعيش بدون رب أسرة، والذي هجرهم وسافر خارج سوريا.
خديجة التي نزحت من مدينة الرصافة باتجاه الطبقة حيث تقطن عائلتها، انفصلت عن زوجها، نتيجة ظروف الحياة الصعبة، وبعد أن حلت المشاكل بدل السعادة في دارهم، في ظل حكم داعش، الذي أوقف الحياة، وفرض واقع جديد على الناس، فأمثال زوج خديجة كثيرون ممن لم يعملوا مع داعش فباتوا عاطلين عن العمل، ليخلق هذا مشاكل لهم داخل أسرهم نتيجة عدم استطاعة تلبية متطلبات المنزل.
يقول باحث مجتمعي من مدينة الطبقة، إن الطلاق يعتبر من القرارات الصعبة، والمؤثرة على مجرى حياة أسرة كاملة، فيتخذ بعض الأزواج هذا القرار دون تفكير جدي، ما يشكل حياة مؤلمة داخل الأسرة.
تروي خديجة بداية حياتها لشبكة آسو الإخبارية، أنها تزوجت وهي في سن العشرين سنة، بزواج تقليدي من أحد أقاربها، “عشت حياة مستقرة مع زوجي قبل 15 عام، وسعيدة حيث انجبت سبعة أطفال وأنا أعيش حياتي كباقي الأمهات، وحياة معظم الأسر، حياة سعيدة لا تخلو من المنغصات التي تمر بها كل أسرة، مع مشاكل مادية وأمراض أطفال، لكن لم تكن تعكر صفو حياتنا، حتى قدوم داعش”.
تتابع خديجة القول إن دخول داعش للمنطقة غير من مجرى حياة عائلتها، وهذا مشهد عام على حد وصفها للعديد من العائلات التي تضررت من داعش، وتضيف أنه مع بداية دخول داعش للطبقة، فقد زوجها عمله، وتعيد فقدان زوجها للعمل لضغوطات كان سببها داعش “التنظيم ضغط على الجميع ليكونوا في صفه وبدأ بالاعتقالات وفرض الضرائب الباهظة على الأهالي”.
وبحسب ما تروي خديجة هنا بدأت معاناة الأسرة بالقول “بدأ التعب يظهر على واقع الأسرة، كما بدأت المشاكل بيني وبين زوجي نتيجة الضغوط النفسية، فلا يوجد عمل والمنزل والأولاد يحتاجان لرعاية ودعم مادي، نتيجة الضغط عليه لحاجة الأولاد، حصلت مشاجرة بيننا فطلقني على إثرها وسافر إلى خارج البلاد”.
ليس سهلًا أن تجد خديجة نفسها مسؤولة عن 7 أولاد جميعهم بأعمار صغيرة وبحاجة للمراعاة، ولن تقوى وحدها على استطاعة الاهتمام بالأطفال وتربيتهم، فلجأت لعائلتها (هي أسرة ميسورة الحال ماديًا في الطبقة) كي يساعدوها بإعانة أسرتها، فتقول فوجئت بقرار أهلي على أنهم سيستقبلونني بدون الأولاد! “هم يعتبرون أنفسهم مجبرين عني دون الأولاد”.
في العرف الاجتماعي أو العشائري في مناطق شمال سوريا عادة يأخذ الآباء الأبناء، وكثيرًا ما يأخذ الأهل ابنتهم المطلقة ويتركون الأطفال للزوج، هنا ترك الأب أسرة كاملة خلفه مؤلفة من أم وسبعة أطفال، في حال عدم مساعدة أهل الامرأة وأهل طليقها للأطفال فحياة الأسرة تكون صعبة.
وهذا ما حصل فقررت خديجة الالتزام مع أطفالها والبقاء معهم، فتقول بقيت وحيدة ومسؤولة عن أبنائي، “بدأت الاعتماد على نفسي وإعانة الأطفال عبر البحث عن عمل في درب شاق (فأنا لا احمل تحصيل علمي ولا حرفة) حتى استطعت العمل في مجال المؤونة المنزلية، هو عمل شاق ولم يكن يفي بالغرض لكن يسد رمق”.
لم يكفيها العمل في المؤونة من سد مصاريف الأسرة واليوم تعمل خديجة مع مشروع “بيت المونة” بشكل تطوعي لمدة سبع ساعات في اليوم، وتعتمد في الإعانة على مساعدات الناس.
لكن تزداد معاناة خديجة وظروفها مع معاناة ابنها المريض “سامي” ذو العشر سنوات، والذي يعاني من حالة تضخم بالكبد، منذ ثلاث سنوات، ويحتاج الطفل لرعاية طبية وأدوية علاجية.
تقول خديجة إنها تواصلت مع العديد من الجهات المعنية والمنظمات الإغاثية لأجل مراعاة طفلها المريض ولم يساعدها أحد.
عمل وجود داعش على زرع مأساة داخل المجتمعات التي سيطر عليها، نتيجة ضخ فكر متطرف، وزرع واقع لا يلائم حياة الناس، ومع طرد التنظيم يبقى العديد من العوائل في الرقة وريفها يعانون من أثار التنظيم في حياتهم.