صوت المغترب
“بيرولين ثاني”… عندما تعزف الطفولة على وتر التميّز
حضورها على المسرح يُشعرك كأنك قررت خوض رحلة تتجاوز فيها الحدود، عندما تستمع إلى عزفها فدفء الألحان التي تطالعك من أناملها الصغيرة وهي تعزف لا بد أن تلامس مكمناً بعيداً داخلك يؤجج إحساس الفخامة لينتزع منك تصفيقاً حاراً إجلالاً وتقديراً للموهبة والإتقان.
“بيرولين جورج ثاني” ابنة مدينة رأس العين/ سري كانيه تعتبر أصغر طالبة “11 عاماً”، تدخل إلى أكبر جامعة مختصة بالموسيقا بالعالم في فيينا Universität der Musik und darstellende Kunst Wien في هذه السن المبكرة، حيث أنها ارتادت مدرسة الموسيقا لمدة تقارب الخمس سنوات قبل أن يتم قبولها في هذه الجامعة في الأول من تشرين الأول في العام 2018.
يتحدث والد الطفلة “جورج ثاني” لشبكة آسو الإخبارية، بعد قبول ابنته وحصولها على هذا المقعد في الجامعة، عن أهم المحطات في حياتها وعن كيفية وصولها لهذا المرحلة بالقول: “لطالما كنت أحلم أن أرى أبنائي في أعلى المراتب وأن يكون لهم شأن كبير في مجتمعهم، لكن “بيرولين” حققت لي أكثر مما كنت أحلم به بدخولها للجامعة في هذا العمر، حيث كان لها الكثير من المشاركات على مستوى العالم وفي كل مشاركة كانت تحرز ألقاباً ومراكزاً متقدمة وعزفت في “حفلات موسيقية عالمية ” (كونسيرتات) عديدة في هولندا وكرواتيا وفيينا.
حصلت “بيرولين” مؤخراً في مسابقة أقيمت في العاصمة الألمانية “برلين” على المرتبة الأولى وتم منحها أغلى كمان في العالم لمدة سنة كاملة وبدون أي أجور.
أما عن قبولها في الجامعة يقول والدها: “بعد مشاركتها في مسابقة “النوطة الذهبية” وحصولها على المرتبة الأولى، كان من بين الحضور بروفيسورة بولونية تدعى Anna Gutowska مسؤولة في قسم المتميزين بالجامعة التي تدرس فيها حالياً، حيث دعتنا بعد الحفل للقاء وأخبرتنا أن ابنتنا في هذا المستوى الجيّد يجب أن تنتقل إلى الجامعة وتم إعطاؤها آنذاك عدّة معزوفات على أن تعزفهم في اختبار لها، بعد مدة شهرين أمام 12 بروفيسور من جنسيات مختلفة.
تقدم لهذا الاختبار 15 مشارك ومشاركة وكانت “بيرولين” الفتاة السورية والعربية الوحيدة وحصلت على 100 من أصل 100 وبذلك أحرزت المركز الأول مناصفةً مع فتاة أخرى علماً أن جميع المشاركين أعمارهم تزيد عن الـ18 عام وبعدها قُبلت في هذه الجامعة وكان أول يوم دوام لها في 9/10/2018.”
لبيرولين أخ يدعى مسعد (18عام) وأخت تدعى سميدرا (14عام)، وهاجرت العائلة من مدينة رأس العين/ سري كانيه في 08/11/2012 بعد أن ساءت الأوضاع فيها.
تتحدث “بيرولين” لشبكة آسو الإخبارية عن بداية شغفها بالموسيقا فتقول: “كنت أتابع وأشاهد سميدرا ومسعد وهم يعزفون وكنت أسألهم عن المعزوفات واستمتع بمراقبتهم أثناء دروس الموسيقا، والدي كان يرسلهم إلى مدينة الحسكة لتلقي دروس خصوصية بالعزف والشطرنج وعادةً ما كان يُحضر الأستاذ “محمد فرحة” وهو مدرس موسيقا من مدينة عامودا ليقوم بإعطاء دروس في العزف، من هنا بدأ حب الموسيقا يكبر يوماً بعد يوم في قلبي وبدأت أحلامي ترتبط بهذا المجال”.
تتابع الحديث: “حالياً أحاول تحقيق التوازن بين دراستي العلمية ودراستي للموسيقا فأنا في الصف الخامس وفي فترة الصباح وحتى الظهر أتواجد في المدرسة وبعد الظهر أتوجه إلى جامعتي، ولدّي يومياً من ثلاث إلى أربع ساعات تدريب يومي على الكمان، فعلياً ليس لدي وقت فراغ أبداً وأستثمر كل ساعة في يومي بشيء مفيد، وأتمنى أن أصبح طبيبة أطفال في المستقبل إلى جانب متابعتي لعزف الكمان وتحقيق حلمي في هذا المجال بأن أصبح من أهم الموسيقيين في العالم و أصل لمستوى بروفيسورة في الموسيقا”.
و عن أهم المحطات في حياتها تقول بيرولين: “لا أنسى أول يوم دوام في الجامعة، كنت أشعر بسعادة غمرت قلبي وجعلتني أشعر وكأنني أطير بلا أجنحة وعندما عدت للمنزل قلت لأخوتي: أنا أصغر منكم ولكنني دخلت إلى الجامعة قبلكم، أيضاً، لا أنسى إحدى مشاركاتي الموسيقية حيث قمت بالعزف على الكمان في حملة لجمع التبرعات للأطفال المرضى بالسرطان، وبعد أن عزفت تم إرسال رسالة لي تطلب رقم حسابي المصرفي لتحويل هدية مالية لي مقابل عزفي، ولكني طلبت منهم أن يسجلوا اسمي بين المتبرعين، وسررت جداً برؤية العديد من المشاهير الذين حضروا الحفل وتابعوا عزفي”.
تؤكد “بيرولين” أو “برولا” كما تدعوها عائلتها أنها تتذكر أدق التفاصيل عن بلدها وعن مدينتها رأس العين وعن الحارة واللعب فيها وعن عائلتها وأقاربها الذين تشتاقهم كثيراً، وتأمل أن يتحسن الوضع في سوريا لتزورها وتعزف موسيقا السلام لأبناء بلدها.
تتواصل بعض الجهات في دار الأوبرا بدمشق حالياً مع عائلة “بيرولين” ليتم تكريمها وإقامة حفلة خاصة بها في حال زارت سوريا، حسب ما أكده والدها، وأضاف أنه يتابع في الوقت الحالي تدريبات وعزف مسعد و سميدرا ليكونوا في مرتبة متقدمة ويقدموا شيئاً لبلدهم سوريا، ومدينتهم بشكل خاص كافتتاح معهد خاص للموسيقا لأبناءها.
“بيرولين جورج ثاني” طفلة سورية أجمع كبار المختصين بالموسيقا وعلى مستوىً دولي على موهبتها الكبيرة والمميزة، لم تحتج “بيرولين” يوماً إلى تأشيرة دخول لقلوب كل من سمع عزفها كتلك التي احتاجتها يوما عند دخولها للنمسا، تنافس الكبار بتلك الأنامل الصغيرة، يكبرونها عمراً وتكبرهم موهبة، وتبقى الأحلام الكبيرة ممكنة التحقيق بوجود الإرادة و الإصرار.