Connect with us

مجتمع محلي

المسرحي عبد الرحمن ابراهيم: كيف لـ “مكتوم قيد” أن يكتب رسالة المسرح العالمية بكرديته

نشر

قبل

-
حجم الخط:

فاطمة ناصو

كحال آلاف المجردين من الجنسية السورية، اضطر أن يترك دراسته باكراً. ولكونه “مكتوم قيد” كان عليه ألا يفكر كأقرانه الشباب أو يحلم مثلهم بدراسة الجامعة، بل كان عليه “أولاً البحث عن مهنة تأمن له لقمة العيش”.

“لم استطع إكمال دراستي رغم أنني كنت من المتفوقين حتى المرحلة الثانوية، وعندما وزعت بطاقات شهادة البكالوريا، لم استطع الحصول حينها على أوراق ثبوتية تؤكد وجودي”. هذا ما قاله “عبد الرحمن ابراهيم” وكأنه يتذكر لحظة من أقسى اللحظات في حياته.

قبل ذلك كان قد اضطر لممارسة العديد من المهن خلال الطفولة، لكونه الابن الأكبر على أربعة فتيات في عائلة متواضعة مادياً.

لكن ما بين فترة شبابه، وحاله الآن وهو يبلغ الأربعين من العمر، ترجم “ابراهيم” عشقه للتمثيل بإنجازات لم تتوقف عند تحقيق حلم شبابه، بتأسيس فرقة مسرحية أصبحت رافداً للحياة المسرحية في المنطقة تدعمها بالمواهب الشابة واليافعة، بل استطاع مع مجموعة من أصدقاءه، ترجمة رسالة المسرح العالمية إلى اللغة الكردية في العام 2015.

بداياته

قاده عشقه إلى التمثيل في أواخر العام 1993 للانضمام إلى فرقة “ميديا للفلكلور الكردي” (قسم المسرح)، ليشارك في عروضها المسرحية، أملاً في تطوير موهبته في التمثيل.

بعد أربع سنوات أصبح مسؤولاً عن الإخراج فيها وهو لا يزال في الـ 18 من عمره. من ثم تابع تجربة الإخراج مع العديد من الفرق الأخرى إلى جانب عمله في فرقة “ميديا”.

“أكنّ لفرقة ميديا الكثير من الاحترام، لأنني تعلمت واستوعبت الكثير مما يتعلق بالتمثيل والإخراج والمسرح من خلالها”، هكذا اختصر تجربته المهنية مع فرقة “ميديا” التي قضى معها 17 عاما.

فرقة “شانو”

لدى تقديمه أواخر العام 2013 إحدى المسرحيات التي ألَّفها تحت عنوان (KESî KESAN TÛNEYE / ما حدا لحدا)، التف حوله مجموعة من طلبة الجامعات يريدون منه تنظيم ورشة إعداد ممثل. عن تلك اللحظة يؤكد “إبراهيم” لم أتردد أبداً في الموافقة على طلبهم، لكن العائق أمامنا كان تأمين مكان مناسب للتدريب، ولحسن الحظ فقد وفرته إحدى المنظمات المدنية عبر منحنا مركزها لحين انتهاء الورشة”.

بعد 3 أشهر كان مشروع التخرج لطلاب الورشة، هو الإعلان في الأول من شباط 2014 عن فرقة “شانو” المسرحية، وذلك ضمن عرض مسرحي حمل اسم (الحياة / JIYAN).

كيف تحقق الحلم؟

يتابع “ابراهيم” سرد ما واجهوه من مصاعب إلى حين تحقيق حلم آخر فيقول “بعد تأسيسنا لفرقة شانو بات حلمنا التالي هو افتتاح مركز لها”، ويوضح كيف احتاج ذلك منهم إلى 10 أشهر إضافية، ليتمكنوا من الإعلان عن مركزهم. إذ أن افتتاح المركز جاء بمساعدة بعض الأصدقاء “الذين كانوا متدربين سابقين في الفرقة وهاجروا إلى أوروبا”.

لكن افتتاح المركز لم يكن يعني انتهاء التحديات. حيث لا يخفي إبراهيم ما تمثله العروض بذاتها من تحدٍ كونها تحتاج لمصاريف، غالباً ما يتولى هو تأمينها، فاشتراكات المتدربين في الورشات التي تنظم في المركز بالكاد تغطي مصاريفه اليومية. ورغم وجود عدد من الجهات التي تتعهد بتقديم الدعم والتمويل “إلا أنها تشترط في مقابل ذلك الحصول على التبعية للأسف”، بحسب تعبيره.

لكن رغم كل تلك التحديات فإن اللافت هو أن فرقة “شانو” باتت حالياً بمثابة معهد لإعداد الممثلين، يرفد الحياة المسرحية بمواهب صغيرة وشابة، عبر الدورات التدريبية التي يفتتحها خلال العام.

كيف قُرِأتْ رسالة المسرح باللغة الكردية؟

تحتفل الهيئة الدولية للمسرح التابعة لليونيسكو في الـ 27 من آذار/مارس من كل عام بيوم المسرح العالمي. وعادة ما يتم تكليف مسرحيّ (كاتب أو مخرج أو مؤلف) بكتابة رسالة المسرح لتقرأ هذه الرسالة على مسارح العالم بالعديد من اللغات.

من هنا بدأت رغبته بترجمة الرسالة إلى الكردية بدايةً، ليتطور المشروع مع عدد من الأصدقاء إلى محاولة لإدخال اللغة الكردية إلى عائلة هذه اللغات التي تُقرأ بها رسالة المسرح العالمية.

البداية كانت بإطلاق حملة لجمع تواقيع مختصين في الشأن المسرحي، وصياغة نداء موجه للهيئة الدولية للمسرح، كطلب رسمي من أجل ترجمة رسالة المسرح إلى اللغة الكردية ونشرها على موقعهم الرسمي، مع ترجمة ذلك النداء إلى أربع لغات هي (الكردية، والعربية، والانكليزية، والفرنسية)”.

وبعد أكثر من 3 أشهر من العمل والجهد المستمر جاءت حصيلة حملتهم، لتضم تواقيع الكثير من المختصين والنخب المسرحية، فقررت لجنتهم المكونة من 5 أشخاص إرسال النداء للهيئة الدولية للمسرح.

عدة مراسلات تمت بين الطرفين، اجتاز خلالها “إبراهيم” واصدقاؤه العديد من العوائق، لتأتي المفاجأة حينما تلقوا الموافقة على طلبهم قبل 5 أيام فقط من يوم المسرح العالمي، هكذا كُرِمَت جهودهم بنشر رسالة المسرح باللغة الكردية لأول مرة في العام 2015.

“كل مكان صالح للمسرح”

بالنسبة لإبراهيم وفرقته “كل مكان صالح للعرض المسرحي”، حيث سبق أن قدموا عروضهم في العديد من الأماكن ابتداءً بالمراكز الفنية، مرورا بقاعات المنظمات المدنية، إلى مكاتب الأحزاب، وحتى في المقاهي والشوارع.

وعروضه كان من الممكن أن تنتقل إلى فضاءات أخرى خارج الحدود، فيما لو وقف الحظ إلى جانبه وامتلك بعض الثبوتيات، فإبراهيم تلقى خلال مسيرته عروضاً من جهات أوربية عدة للعمل في الخارج، “كشركة آرتا السويسرية”، كما تلقى عروضاً أخرى لفرقته للمشاركة في المهرجانات، إلا أنه لا يستطيع تجاوز حدود مدينته الصغيرة، لعدم قدرته الحصول على جواز سفر، مثل أي سوري آخر.

خلال حديثه المفعم بالأمل عن فرقته، كان يبدو واضحاً تحاشيه الوقوف عند سوء طالعه الذي لاحقه مرات ومرات لكونه كان ولا يزال مكتوم قيد، إذ أن بقاءه بدون ثبوتيات ووثائق شخصية كان القيد الذي حد من تحركه وجعل نتاجه محصوراً ضمن نطاق محدود، بخلاف ما توفر لآخرين من أقرانه، عمل في الفن أو المسرح.

الحديث عن مشاريعه المستقبلية يكاد يشغله دائماً عن سرد أو اجترار الخيبات، فهو يعمل على تقديم 3 إلى 4 عروض مسرحية في السنة، من آخر هذه العروض مونودراما (مسرحية بممثل واحد) حملت اسم حنين، كما وقدم مع فرقته في “مهرجان يكتا المسرحي” الرابع مؤخراً في قامشلو/القامشلي، مسرحية “موت الحجل”.

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة آسو الإخبارية ومنظمة بيل للامواج المدنية، وهي نتاج ورشة إعداد صحفي/ المتدربة: فاطمة ناصو