مجتمع محلي
الألوان تكسو سوق الرقة لتزيح سواد خيم على المدينة لسنوات
آسو-عبير محمد
اعتادت الحياة على أن تكون ذو طابع أسود اللون لدى الناس بشكل عام في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة داعش، وعلى وجه الخصوص مدينة الرقة، فمنعت حقبة داعش تواجد الألوان المداخلة والفاتحة والمختلفة بطبيعتها الجميلة حيث كانت محرمة عليهم، فكان اللون الأسود هو الوحيد الذي يطغى في المشهد.
بعد تحرير الرقة من داعش وعودة الحياة المدنية إليها، عادت الألوان إلى وجودها المعتاد في الرقة سابقًا، فأصبح تدرج الألوان في الأسواق والمحال وبين عامة الناس أمرٌ محبب ومرغوب فيه بكثرة، وذلك لتغير النفوس والخروج بها نحو عالم جديد بعيداً عن الحياة القاتمة والمعتمة التي كانوا يعيشونها في السنوات السابقة في ظل تنظيم داعش.
في جولة لفريق شبكة آسو الإخبارية بأسواق مدينة الرقة، التي باتت تتزين بالألوان التي أعادت الروح فيها من جديد، يقول أحد تجار الجملة المختصة ببيع الأقمشة في المدينة، إن الألوان بشكل عام (الأحمر والأصفر والأسود) موجودة منذ زمنٍ بعيد، وحتى في عهد الأنبياء والرسل كانت متوفرة، والمسلمون أيضاً كانوا يرتدون الأقمشة المطرزة والملونة في تلك الأوقات، لكن البدع والخرافات وسواد الشر الذي طُبق علينا بحجة الدين من قبل داعش “كان بعيداً كل البعد عن الإسلام ومفهوم الإسلام، فالمرأة إذا أحبت أن ترتدي عباءة سوداء فهذا شيء جميل وبصراحة أنه محبب عند الكثيرين منهن، أما أن نجبرها على القيام بذلك ونفرض عليها طرق مشددة جداً لتخفي وتستر نفسها بشكل كلي فهذا أمرٌ لا يجوز على الإطلاق وليس له علاقة في الدين أبداً”.
ما أن تدخل المحال التجارية لبيع الأقمشة في سوق الرقة حتى تشاهد أقمشة معلقة بالعشرات، في شكل مصفوف لجانب بعضها البعض، ترسم تلك الأقمشة بألوانها المختلفة لوحة جميلة، فترى ألوان الأحمر والزهري والأزرق والخمري والنهدي والنيلي والفوسفوري وغيرها، جميعها يشكل رسمة إيجابية هي ابتسامة الأهالي بعودة الحياة مجددًا لهم.
ويقول أحد التجار “الطلب على الأقمشة الملونة والمطرزة من قبل أصحاب المحال كبير جداً، ولقد قمنا بتوزيع كمية هائلة وتشكيلة واسعة جداً عليهم في هذه الفترة”.
عن بيع الأقمشة في فترة حكم داعش يقول صاحب أحد محال الأقمشة في المدينة “في فترة حكم داعش للمنطقة، كل بضاعة الأقمشة كانت طاغية بالألوان الغامقة وخاصة اللون الأسود، فكانت جميع الألوان الفاتحة ممنوعة، علاوة على منع جميع الأقمشة المطرزة وأقمشة المخمل بغض النظر عن اللون إن كان غامقًا أو فاتحًا، أما الآن، تغير الحال نحو الأفضل بكل تأكيد، فقد أصبحت كل أنواع وأشكال وألوان الأقمشة متاحة في الأسواق، والإقبال عليها كبير جدا”.
ويرتدي أهالي المنطقة في السابق الألوان المختلفة والأنواع المختلفة للأقمشة، وكان داعش يمنع الألوان بمبرر الفتنة، كما كان يمنع بعض أنواع الأقمشة مثل “المخمل والليكرا” بمبرر أن تضيق على جسد النساء فترسم أجسادهن.
واضطهد داعش المرأة في المناطق التي سيطر عليها، حيث حرمت المرأة من كافة حقوقها.
وفي استطلاع لرأي الزبائن، وخاصة السيدات منهم، حول الواقع اليوم وفي زمن داعش تقول “خديجة” لقد اختلف الأمر علينا كثيرًا “في السابق لم يكن نستطيع أن نقوم بشراء أقمشة بألوان نرغبها اليوم لدينا الحرية المطلقة بالاختيار”.
تعتقد “أم سليمان” وهي امرأة مسنة، تقف وسط محل بيع أقمشة تتنهد فتقول “من حقنا أن نعيش كما نرغب، أن نرتدي ما نرغب، ليس لأحد حق علينا في اجبارنا على ما لا نرغب”.
وتقول “أم حسن” وهي امرأة رقاوية تقوم بشراء الأقمشة من أحد محال بيع الأقمشة في الرقة إن الألوان جميلة بطبيعة الحال، وكل جيل له خاصية متميزة من الألوان تتناسب معه بحسب الأعمار “برأي أن اللباس إن كان محتشم ومقبول بين المجتمع وخاصة في مناطقنا العشائرية هو الهدف المنشود، أما البحث عن إن كان اللون غامق أو فاتح، مطرز وغير مطرز فهذا لا يهم أبداً”.
من جانبها تقول “أم توفيق” أثناء شرائها الأقمشة إن اللباس في زمن داعش كان موحد، بشكل واحد ولون واحد نتيجة مفهوم طاغي واحد “الحمد لله لقد رحلت كل هذه المفاهيم البعيدة عن الواقع من الرقة، فقد تعددت الأشكال واختلفت الألوان في المحال في هذه الأيام، وقد أصبحت هناك خيارات كثيرة لترتدي النساء ما يرغبن به ويشتهينه، باقتناء كل ما يلاءم ما يناسبهن في العمل أو داخل المنزل أو خارجه أو حتى في المناسبات”.
“أم فيصل” أثناء شراءها القماش تتحدث والسرور يمتلكها فتقول “نحمد الله ونشكره على عودة الحياة لمجراها الطبيعي على عكس ما كنا نعيشه خلال الأعوام السابقة تحت ظل داعش، فكل الألوان الفاتحة كانت ممنوعة، أما الآن فقد باتت مسموحة، و تستطيع أن ترى الألوان بكل المحال وبكل الأماكن وحتى في الحارات وفي الشوارع وبجميع الأماكن الخاصة والعامة أيضاً”.
“أم خالد” عبرت عن رأيها لشبكة آسو الإخبارية بوتيرة عالية فتقول، “نعم، الناس المتواجدون هنا يريدون رؤية الألوان وارتداء الألبسة الملونة، كما وأنهم يريدون تغيير كل شيء له علاقة بالسواد بغية الخروج من تلك المحنة القاسية، فداعش كان يدعي الإسلام فقط بالحديث (دون أن يطبق ذلك)، أما ضمنياً كان التنظيم فاسدًا يحتضن مجموعة من المجرمين والقتلى والإرهابيين، وكل أفعالهم كانت مجردة من الإسلام”.
وجود مختلف الألوان في حياتنا يجعل كل شيء من حولنا مميزاً عن الآخر لما لها من تأثير كبير على حياتنا ونفسياتنا وشعورنا، وقد أصبح سكان الرقة والمناطق المحررة بشكل عام يتمتعون بارتداء الألبسة بألوانٍ متنوعة ولم تعد مشكلة في يومنا هذا كما فرضها داعش.