Connect with us

أصوات نسائية

من خلف ماكينة الخياطة… “أم علي” تحيك مستقبل أبنائها رغم الألم

نشر

قبل

-
حجم الخط:

أحمد دملخي- منبج
تحرير لانا حاج حسن

من دير حافر بمحافظة حلب إلى منطقة المنصورة في ريف مدينة الطبقة، لينتهي المطاف بها بمدينة منبج، فصول من حكاية نزوح وتشرد عاشتها “أم علي” الأم والأب بآن واحد لـ 10 أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 15 عاماً.

تقول “أم علي” في حديثها لتاء مربوطة، اسمي “أمل” الشيء الذي فقدته وخاصة بعد أن أصبحت أرملة، فقد توفي زوجي نتيجة سكتة قلبية بعد أن وصلنا إلى مخيم منبج الشرقي بفترة قصيرة. لأصبح أرملة وحيدة في هذا المخيم بدون سند يؤمن معيشتي، ويقدم لأطفالي ما يحتاجونه، فقد عمل زوجي سابقاً في مجال بيع المواشي لكن خلال فترة الحرب توقف العمل، وكل ما نملكه من مبالغ مدخرة صرفناها على التهريب والطعام، ولم يبقى لدينا أي شيء”.

خلال رحلة نزوحها حملت “أم علي” ماكينة الخياطة التي ورثتها عن أمها، رغم تأنيب زوجها لحملها الثقيل ولذا حاولت التخلص منها عدة مرات وفي كل مرة كان شيء ما يمنعها، لتصبح هذه الماكينة وسيلة لكسب العيش فيما بعد.

تقول: تعلمت الخياطة قبل أن أتزوج أي منذ قرابة 35 عام، وكانت هذه الآلة أحدث ماكينة خياطة حصلت عليها والدتي قبل وفاتها، وهي كنزي الثمين الذي اعتبره أهم ممتلكاتي وهي اليوم مصدر رزقي ورزق عائلتي في المخيم.

أصبحت الخياطة مصدر رزق لعائلة “أم علي”، ففي أولى فترات عملها ضمن المخيم كانت النساء في المخيم ومن القرى المحيطة تأتين لتفصيل الملابس النسائية أو لإصلاح الملابس الممزقة، واليوم يقتصر العمل على نساء المخيم، فإحدى جارات “أم علي” تعمل في مجال بيع الأقمشة، وهي تقوم بتفصيلها على شكل ثوب نسائي (جلابية) وفق طلب الزبونة.

عن علاقة عملها بتقوية شخصيتها تحدثت “أم علي” بالقول، “كانت وفاة زوجي كالكارثة بالنسبة لي، بعدها قرر ابني الكبير ترك الدراسة والتوجه إلى سوق منبج للعمل فيه، كان رفضي لهذه الفكرة سريع ، فأنا أرفض أن يترك أطفالي المدرسة مهما كانت الظروف، ومن هنا جاءتني القوة ودافع كبير للكفاح في سبيل تأمين ما يتطلب لدعم عائلتي.

كانت البداية خجولة وبسيطة واقتصرت على عدد من نساء المخيم، لكن تحسن الوضع بعدها وبدأت الحالة تتحسن قليلاً رغم قلة المساعدات المقدمة في المخيم، ولكن هذه الحالة لم تستمر إلا فترة قليلة تكاد تقارب النصف عام، واليوم يقتصر عملي على النساء في المخيم، و تفصيل الثياب النسائية وثياب النوم ( البيجامات) للأطفال.

عن الصعوبات التي تواجهها أم علي تتحدث، اليوم أستخدم أنواع خيوط من الصنف الممتاز من حيث المتانة والجودة فأنا أرغب بالاستمرار على السمعة التي بنيتها في المخيم وخارجه، وهذه الخيوط متواجدة فقط في محلين أو ثلاثة وسط مدينة منبج، كما أن ماكينة الخياطة تحتاج إلى إبر من نوع خاص وهي متوافرة بشكل قليل وسعرها مرتفع، إضافة إلى أنه عند عطل الآلة تتوقف أعمالي لفترة حتى تمام إصلاحها، ناهيك عن تكاليف إصلاح الأعطال، كل هذه الأمور تؤثر بشكل كبير على آلية العمل والإنتاج، وقد تتوقف لمدة تصل إلى الأسبوع في بعض الأوقات حتى تأمين القطع اللازمة.

وعن أهمية أن تسعى النساء للعمل ولا تستسلم لليأس في المخيمات. ما هو الدور المطلوب من مؤسسات المجتمع المدني لدعم نساء المخيم، تقول، “بالنسبة للعمل، على الجميع العمل، ولا يجب انتظار المساعدات من أحد مهما كانت الجهة أو الشخص الذي يقدم تلك المساعدات، فالعمل اليوم يحفظ ماء الوجه، ويزيد من ثقة الشخص، وعملي اليوم زاد من احترام أطفالي لي، كما أنه ساعدني في تربيتهم على الأخلاق الحميدة.

الحمد لله علي ابني في الصف العاشر متفوق في المدرسة، ويساعد أخوته في الدراسة، العمل ساعدني على إنشاء عائلة متعاونة متكافلة.

وعن مساعدات المنظمات المدنية، فاليوم في المخيم تعمل منظمة واحدة فقط بشكل دائم على الدعم النفسي للأطفال فقط، في حين تكون المساعدات المقدمة للأهالي في المخيم بشكل شهري أو كل شهرين مرة، وهذا الأمر لا يسد رمق الكثيرين، لذلك تجد أن عدد كبير من نساء المخيم تتجه إلى العمل في مهن تعرفها كالخياطة و الأعمال الزراعية.

تختم “أم علي” حديثها لتاء مربوطة بالقول، المرأة في هذه الفترة تعيش نوع من التطور والتحرر، وعلينا نحن النساء الاستفادة من هذا الأمر وزرع بذور الكفاح في بناتنا، فالمستقبل المجهول مرعب، ولا أحد يضمن ما قد يحدث غداً، قد تكون المرأة لمنزل زوجها، ولكن هذا لا يعني أن لا تتعلم وتعمل لتثبت ذاتها وعليها الاستمرار في ذلك.