صوت المغترب
شبكة آسو الإخبارية تحاور الكاتب “فرمز حسين”
حاورته: لورين صبري
يعتبر الكاتب السويدي من أصل كردي، ورجل الأعمال “فرمز حسين” أحد الكتاب الكرد الذين احتضنت منطقة الجزيرة، وتحديداً قرية خزنة، ومن ثم مدينة قامشلو كتاباتهم الأولى، إذ شغف بالقراءة، ومن ثم الكتابة، وإن كان لا يمنحها درجة الأولوية، لانشغاله بالدراسة، ومن ثم العمل، ليحصن بهما إبداعه، وقد رأى مع بدايات ثورة السوريين أنه قد آن الأوان ليعود إلى خندق الكتابة، فيكتب عن الاستبداد، والدكتاتور، والحرب، وقتل وتهجير السوريين، وعن شعبه الكردي.
في مايلي حوار مطول مع الكاتب فرمز الذي صدر له أكثر من عمل ما بين القصة والمقال السياسي، إضافة إلى أنه يعمل في حقل الترجمة وله عمل في ذلك سيصدر خلال الأسابيع القريبة المقبلة.
فرمز حسين والكتابة: كيف بدأت علاقتكما؟
قبل العلاقة مع الكتابة بوقت طويل، و تحديداً منذ أيام الصبا، كنت أستمتع بالجلوس صامتاً وأنا أستمع إلى القصص والحكايا التي كانت تروى في البيوت، ومن كبار السن من الأهل، و كانت شخصيات أبطال تلك الحكايا تبقى مرسومة في ذاكرتي زمناً طويلاً، وكذلك قبل علاقتي مع الكتابة كانت بطبيعة الحال أيضا العلاقة مع القراءة، ومنذ سنوات الدراسة الأولى من المرحلة الإعدادية، من خلال قراءة الصحف والجرائد اليومية، ومن ثم الاهتمام أكثر فأكثر بالصفحات المختصة بالشأن الثقافي وقراءة القصائد والخواطر والنصوص الأدبية التي كانت تنشر حينذاك في الصحف والدوريات اليومية والأسبوعية والشهرية، وأيضاً قراءة المقالات والكتابات النقدية عن الأعمال الأدبية، ثم بدأت بالتعرف على أسماء الأدباء والكتاب الذين يمكن قراءتهم، وأتذكر أول كتاب كامل قرأته من الغلاف إلى الغلاف كانت رواية “أوليفر تويست” للكاتب الإنكليزي الكبير “تشارلز ديكنز” وأتذكر كم تأثرت بمعاناة ذلك الصبي اليتيم وقلة حيلته أمام قسوة الآخرين والظروف المحيطة به.
هذا كان الجانب الإيجابي من حب المطالعة وفضول معرفة المزيد لكن لحكايتي مع الشؤون الثقافية أيضاً جانبه السلبي، وهو أن اهتمامي بالقراءة عامة والقراءة الأدبية خاصة، كانت مثل كتاباتي بين مد ّوجزر، حيث كانت تمر فترات وئام مع المطالعة فأقضي أوقاتا طويلة في القراءة دون كلل أو ملل، ثم ودون سابق إنذار تتلوها مرحلة جفاء مع الكتب والقراءة لفترات طويلة، وبذلك أكون بعيداً كل البعد عن كل ماكان له علاقة بالأدب، وفي فترات الصفاء مع القراءة كانت تنتابني رغبة في كتابة بعض الخواطر ثم تطورت فيما بعد لتأخذ شكل القصص القصيرة، وكانت لي بطبيعة الحال محاولات كثيرة للكتابة، ولكن تلك المخطوطات ضاعت، مثل أشياء قيمة كثيرة افتقدتها مع مرور الزمن والاغتراب.
أنت عضو في أكثر من اتحاد ورابطة للكتاب الكرد والسوريين ومنها عضوية اتحاد الكتاب السويديين… ما الميزة الموجودة في اتحاد كتاب السويديين ولا تتوفّر في الاتحادات الأخرى؟
عضوية الروابط من حيث عملها الإداري المؤسساتي أنا شخصياً لست منخرطاً فيها، لكن السمة الجامعة للروابط واتحادات الكتاب عموماً هي من المفروض أن تكون الجمع بين زملاء العامل المشترك وأصحاب الشؤون المماثلة ومن لديه أكثر من الكتابة أسباباً تجمعهم على بعضهم.
أعتقد بأن الفارق بين اتحاد الكتاب الكرد ورابطة الكتاب السوريين قياساً مع اتحاد كتاب السويد هو أن اتحاد كتاب السويد يحظى باهتمام مؤسسات دولة تهتم بالثقافة وبروادها، هذا إضافة إلى حالة الاستقرار التي ينعم بها البلد والتي بطبيعة الحال تعكس إيجاباً على مواطنيها والكتاب من بينهم. هناك ندوات تطويرية بين الفترة والأخرى، هناك منح مختلفة للكتاب وهناك إمكانيات لتوفير البيئة التي تشجع على الكتابة والإبداع ومنح للإقامة في الخارج، وكذلك داخل السويد، وتسهيلات كثيرة للكاتب الذي لديه برنامج عمل لكتاباته من خلال إقامة الندوات أو ما شابه ذلك؛ أنا جديد في اتحاد كتاب السويد، وبالتأكيد هناك الكثير من التسهيلات التي يمكن تقديمها للكاتب لكي يتابع رحلة إبداعه.
لكلِّ مهاجرٍ حكاية… ما حكايتك مع الهجرة إلى السويد؟
لا شك أن الحرب قد ضاعفت معاناة السوريين بمختلف مكوناتهم، لكن علينا ألا ننسى بأن معاناة السوريين كانت موجودة دائماً، وأنا غادرت سوريا منذ عام 1990، وأتذكر حتى في تلك الفترة كان السوريون يقفون في طوابير طويلة أمام معظم السفارات العربية والأجنبية في دمشق، ولو سئل أحدهم: إلى أين يريد الحصول على فيزا؟ كان يجيب دون تفكير “أي مكان كان أحسن من هون”.
وفي تلك الفترة التي كان الشعب يعاني من حصار خارجي اقتصادي قاس ورقابة وتحكم برقاب الناس داخل البلاد، من عيون السلطة التي كانت موزعة في كل مكان كما يقال، كان بين المُخبِر والمُخبِر مُخبِر، وفي تلك الفترة غادرت الوطن، وأنا أرى بأن قصيدة الأديب السويدي المنتحر “ستيغ داغرمان” الهروب اختارنا… نحن لم نختر الهروب. تناسب حال معظم السوريين.
أين الوطن مما تكتب؟ وكيف تعبّر عنه بعد سنوات الهجرة الطويلة؟ وهل للعودة مكان في مخيلتك؟
أستطيع القول إن هناك أهمية كبيرة في أية مرحلة من العمر يهاجر بها أحدنا و مهما كان كبيراً في السن، ومهما كانت فترة التأقلم أطول، وبالطبيعة، يبقى حلم العودة، لكن كل شي يتغير مع الزمن والوطن موجود في مخيلة كل مهاجر بشكل من الأشكال، فالوطن ليس فقط المكان بل الناس والأهل والمحيط والبيئة التي كنا نعيشها هناك، وبعد هذه السنوات الطويلة وخصوصا بعد النكبة التي ألمت بالسوريين عموماً، بالتأكيد كل شيء قد أصبح مختلفاً، وحلم العودة موجود على الرغم من أن تنفيذ ذلك لن يكون سهلاً، فالهجرة الطويلة تجعل الإنسان يجد لنفسه فسحة أخرى في بلد المهجر وما يجعل حلم العودة أكثر صعوبة هو نمو الأطفال في المهجر وتعلم لغتهم وثقافتهم، وخاصة بالنسبة للكردي صعوبة العودة مضاعفة، فأولادي لا يجيدون التكلم بالعربية، إذا عدنا إلى سوريا.
انقطعت عن الكتابة والنشر لمدة معينة… لم كان هذا الانقطاع؟ وكيف تنظر إليه الآن؟
الحقيقة أن السبب الرئيس وراء التوقف عن الكتابة والتي أفضل تسميتها بالتوقف، كان لعدم توفر الوقت اللازم ومشاغل الحياة الكثيرة التي لم تترك حيزا لنشاط آخر غير العمل، وقد استمر ذلك التوقف حتى بداية ما سمي بالربيع العربي، وكان من الصعب عدم إبداء الرأي بما يجري في الوطن وما يكابده أهلنا هناك، وبذلك بدأت بكتابة مقالات الرأي، ومع العودة إلى الكتابة عاد الحنين أيضا إلى الكتابات الأدبية وبالدرجة الأولى القصة القصيرة التي كنت أحسها أقرب أجناس الأدب إلى شخصيتي.
أن تجمع بين الأعمال والأدب أو الكتابة فهذا شيء لا يحدث دوماً… متى ترى نفسك رجل أعمال ومتى ترى نفسك كاتباً؟
وكيف تجمع بين الأمرين؟ ألا يعتبر هذا صعباً؟ وغير منطقي عند كثيرين من الناس؟
الكتابة كانت ولا تزال بالنسبة لي هواية ومتعة لا مثيل لها، ولم أنظر يوما واحدا إلى الكتابة كمصدر رزق، أو كمهنة، بدأت هكذا هاوياً وسأبقى هكذا بغض النظر عن كمية النتاج الأدبي والفكري. أريد فقط أن أقول بأنني ومنذ بداياتي كنت أحلم بأن أصبح كاتباً وفي الوقت نفسه أن أظل مكتفياً ماديا ليس حباً بالمال فحسب، بل لكي أكون حرا بصورة مطلقة من أي تأثير قد تسببه لي الحاجة المادية، فأقول ما أومن به ومنذ فترة كنت في صحبة أحد الأصدقاء وقال لي المال له تأثير على شخصية كل إنسان، فإن وضعت المال فوق رأسك فسوف ينزل بك إلى الأسفل وإن وضعته تحت قدميك فسوف يرفع من شأنك، وأنا أريد أن أكون من النوع الثاني، وفي قول الحق وخاصة في مقالاتي السياسية لا أخشى لومة لائم.
حدثنا عن نتاجاتك الأدبية بمختلف أصنافها؟
الهبوط الآمن هي المجموعة القصصية الأولى التي طبعت حتى الآن، وتضم قرابة ثلاثين قصة قصيرة وقصة قصيرة جداً، وهي في أغلبها قصص فيها الكثير من الرمزية ومزيج من الواقع والخيال، طبعت في دار أوراق المصري.
هناك طبعا أعمال أخرى كتبت بعد طبع الكتاب لكن لم يتسن لي الوقت لجمعها وطبعها في مجموعة قصصية جديدة.
جمعت مقالات لك عن مرحلة الثورة في كتاب… كيف تنظر إلى هذه التجربة؟
كتابي الفصول السورية أيضاً صدر عن دار أوراق للنشر، ويضم الكتاب مجموعة كبيرة من المقالات التي كتبت تزامنا مع التحولات العسكرية والسياسية والحراك الثوري بمجمله، وهي تعالج مواضيع أساسية مثل مواقف المجتمع الدولي من ثورة السوريين، الربيع العربي، النفق المظلم، المعارضة السورية وخيارات السوريين المؤلمة ثم كرد سوريا والثورة، إضافة إلى تأثير كرد العراق وكرد تركيا على القرار الكردي السوري.
وفي الفترة الأخيرة بدأت بترجمة نصوص قصصية من الأدب السويدي وقد انتهيت من مجموعة قصصية للكاتب السويدي الكبير “يلمار سودربيرغ” بعنوان مع التيار وهي قيد الطبع، هناك أعمال أخرى “لأوغست ستريندبيرغ”
وكذلك بموافقة من دار النشر السويدي المعروف “نورد ستيدت” أقوم بين الحين والآخر بترجمة بعض أعمال “ستيغ دارغامن” وانشرها في الصحف العربية على أمل جمعها أيضا فيما بعد في كتاب أو أكثر.
السويدون على الرغم من أنهم شعب لا يزيد تعداده على العشرة ملايين نسمة، لكن هناك أدباء كبار بينهم، وهناك نتاج أدبي سويدي رائع، وإذا تسنى لي الوقت فسوف أقوم بترجمة أكبر عدد من أعمال الكتاب السويدين الكبار، لكي يكون متاحاً لقراء اللغة العربية، شئنا أم أبينا فإن عدد قراء العربية حتى بيننا كأكراد هو أكبر من عدد قراء لغتنا الأم الكردية، والذي نتمناه هو أن تزدهر لكي تقرأ الأجيال القادمة باللغة الأم وكذلك باللغات الأخرى.
ما الشيء أو المكان أو الشخص الذي لا تستطيع نسيانه في الوطن؟ ما الذي تركته خلفك لكنه أمام ناظريك دائماً؟ حدثنا عنه وعن حكاية لا تفارق ذاكرتك نهائياً
المكان هو سهول قامشلو وقراها مترافقا مع غناء الفنان “سعيد يوسف” ودون شك هو الوطن كله هجرناه في وضح النهار ونعود إليه في أحلامنا.
*الصورة منشورة بتصرف