Connect with us

صوت المغترب

مغترب كُردي: “تدوير النفايات في روجآفا ينتج طاقة تعادل أرباحه مجموع ما تنتجه زراعة القمح”

نشر

قبل

-
حجم الخط:

آسو-لورين صبري

وُلد في مدينة عامودا بروجآفا / شمال شرق سوريا، اهتم بالتكنولوجيا منذ نعومة أظفاره، وقضى جلّ حياته يعمل فيها، دون تعبٍ أو ملل، أو حتى لدرجة “المرض” كما يقول.

ضاقت عليه جدران الوطن حين هاجر على مراحل -زمن الاستبداد- مضطراً، لكن ربّ ضارة قد تكون نافعة عنده، فهو الآن يعمل في إسبانيا في مجال الطاقة البديلة بعد أن تحصّل على دبلوم في الطاقة الحيوية المتجددة من جامعة مدريد العام 2015.

ورغم ذلك، لا يألو جهداً في أن يقدّم خبراته وتحصيله العلمي ومعرفته في سبيل تأسيس مشاريع تتعلّق بالطاقة المتجددة وتدوير النفايات في روجآفا /شمال شرق سوريا.

شبكة آسو الإخبارية كان لها الحوار التالي مع السيد أمين ملا أحمد:

-فلنبدأ من الهجرة، فلكل هجرة سببها، لماذا هاجرت؟ هل هناك قصة ما وراء ذلك؟ حدثنا عنها.

لدي في حياتي ثلاث هجرات، اثنتان منها لم تكونا بإرادتي، وهما هجرتي مع أهلي من عامودا إلى الرقة ثم إلى كوباني بين عامي 1980-1984، وهجرتي مع أهلي من كوباني إلى مدينة حلب عام 1991 بعد وفاة والدي الذي أورثني واجب إعالة أسرتي المكونة من ثمانية أفراد، هم أمي وأخواتي وأخي.
أما الهجرة الثالثة فقد حدثت عام 2000 بعد زواجي، حيث سافرت إلى السعودية بعقد عمل.

لكن دعيني أضيف إلى السؤال سؤالاً آخر وهو: لماذا قررت عدم العودة؟
اتخذت القرار على الحدود عندما كنت ذاهباً إلى تركيا في زيارة عمل، عام 2003 حيث اعترضني عنصر من الأمن السياسي بعد أن رآني وأنا أشرح لأعوان الجمارك عن الهاتف الجديد الذي كان بحوزتي (أبو شاشة لمس كما يقولون)… عندها لم تكن هذه الهواتف قد دخلت سوريا بعد، فأخذه مني وقرر مصادرته وذلك عندما رفضت إعطاءه كلمة السر.
وبعد محاولات عديدة، بعضها عن طريق أعوان الجمارك، ناداني واقتربت منه فصفعني والهاتف بيده على وجهي وألقاني أرضاً، هذه الحادثة كانت ولازالت جرحاً في نفسي وتراودني أحلام وكوابيس بشأنها.
بعدها عشت متنقلاً بين السعودية وتركيا وشمال أفريقيا، إلى أن وضعنا رحالنا في إسبانيا.

-لم إسبانيا تحديداً؟ وكيف تكيفت وتأقلمت هناك؟

الوجهة لم تكن خياراً، لأننا عبرنا الحدود بين المغرب وإسبانيا وكان لا بد لنا من تقديم اللجوء لدى السلطات الإسبانية، الأمر الذي يحتّم على اللاجئ وضع بصماته، وحسب اتفاقية دبلن فاللاجئ عليه البقاء في البلد الأوروبي الأول الذي يقدم فيه أوراقه.
وكانت لنا محاولة للذهاب الى بلد آخر، لكنني لم أكن موافقاً، والحمد لله فشلت المحاولة، لكننا عشنا في مخيمات ظروفها صعبة جداً، فخرجت وبحثتُ عن عمل، وزرت عدة شركات وأرسلت بياناتي لأكثر من مائة شركة، وبعد وصولنا إلى إسبانيا بخمسة أشهر حصلت على وظيفتي هذه.
بالنسبة لي كانت الصعوبة الأولى هي تأنيب الضمير، ففي البلاد التي عشنا فيها قبل اللجوء كانت أسرتي تعيش في حال لا بأس بها، أَي كان لدينا عملنا الخاص وسيارة أو أكثر، وكنا نشتري الألبسة في العام مرتين أو أكثر.
لكن هنا بالكاد نستطيع الحفاظ على راتبي إلى آخر الشهر، علماً يقولون لي أنني أتقاضى أفضل راتب، قد لا يتقاضاه الكثير من الإسبان.
الصعوبة الثانية هي اللغة، فمع أني أتقن ثلاث لغات، لكنني أجد صعوبة في تعلم الإسبانية. لكننا اندمجنا وأصبحنا جزءاً من هذا المجتمع.

-ما الذي يميز اسبانيا عن غيرها من الدول من حيث التعامل مع اللاجئين حسب رأيك؟

هناك نواحي عديدة لموضوع التعامل، فتعامل الدولة والمنظمات هنا يختلف كثيراً عن مثيلاتها في الدول الأخرى، ويمكن أن أختصرها بأنها أقل بكثير من الدول الأخرى، والقليل هنا أعني به المساعدات المالية والسكن والرعاية… الخ
أما من ناحية المواطنين الإسبان فلا أبالغ اذا قلت لك بأنهم أفضل بكثير من غيرهم من الدول الأخرى، ويبقى هذا نسبي أيضاً لكنني أقول ما أشاهده أنا.

-أنت تعمل في رابع معمل للطاقة المتجددة في العالم، وتتميز روجآفا / شمال شرق سوريا بأنها منطقة غنية ببدائل الطاقة… السؤال: ما مدى امكانية الشركة التي تعمل فيها لتنفيذ مشاريع في منطقة الجزيرة السورية تحديداً، وماذا قدمت أنت بهذا الخصوص؟

دعيني أصحِّح لك شيئا بسيطاً، وهو أن شركتنا هي رابع مُنتِج للطاقة البديلة في العالم، وعدد موظفينا يفوق 12000 اثنا عشر ألف موظف، فنحن لا نصنع شيئاً سوى الطاقة المتمثلة في الكهرباء، ونبيعها لـ 33 دولة في العالم، وهذه الدول تبيعها بدورها إلى المواطنين، وقد نكون في بعض الدول نبيع مباشرة للمستخدم النهائي.
في بداية استلامي لوظيفتي كمحلّل نظم الطاقة، استحوذت على اهتمام الجميع بالمعلومات التي كنت أرسلها لمدرائي، وكانت لدي فرصة للقاء الرئيس التنفيذي وقد طرحت عليه فكرة بناء مشاريع في كردستان الجنوبية (العراق) حينها لم تكن الصورة واضحة في روجآفا (عام 2015) ودار حديث طويل مقارنة بالأحاديث الأخرى، حيث شرح لي بأن الأنظمة الموجودة هناك غير مستقرة وضرب لي أمثلة عن دراسات قاموا بها للسعودية ودول الخليج، حيث حذرني من أن قوانين تلك الدول خطيرة على استثمارات طويلة الأجل مثل استثماراتنا، لكنه أبدى استعداده لدعمي في حال قمت بمشروعي الخاص هناك، وفِي كل مناسبة يذكر لي حوادث تحدث في تلك الدول ليذكرني أن الموضوع لا أمل فيه.
وأنا على تواصل مع قسم المشاريع ونتبادل أحياناً إمكانية عمل شيء، لكن بصراحة ينتهي الحديث وكأنني طرحت طرفة، فيضحك الجميع.
لكني استخدمت تطبيقات عديدة متوفرة لي في دراسة منطقتنا من حيث وفرة الطاقة المتجددة ولدي أرقام مشجعة ومستعد لتزويدها لمن يحب.

-لا بد أنك شاهدت أو قرأت عبر وسائل الإعلام عن مشكلة مكب نفايات رودكو في مدينة قامشلو /القامشلي… بوصفك مختصاً بالطاقة البديلة، ما الطريقة المثلى التي يمكن التخلص فيها من النفايات وكيف يمكن الاستفادة منها؟

نعم للأسف كل الدنيا ضجّت بهذا، وعلى الفور بحثت عن أرقام هواتف المسؤولين في الإدارة الذاتية، وحاولت الاتصال مع الأستاذ “جوزيف لحدو” رئيس الإدارات المحلية في شمال وشرق سوريا، وأرسلت له رغبتي في التحدث معه، لكنه لم يهتم باتصالي، وكنت أرغب في أن أستضيفه في صفحة اتحاد المجالس الكردية ونتحدث على المباشر ونشرح المشكلة ونطرح الحلول، لكن كما ذكرت لك للأسف لم يقبل التواصل.
لابد لنا من أن نتعرف قليلاً على البيئة العملية قبل أن نذهب إلى الطرق والحلول
بدايةً لا توجد حلول محصورة بواجبات البلديات فقط، بل على أصحاب رؤوس الأموال أن يتحركوا بالتوازي مع مشاريع البلديات، لأن تدوير النفايات استثمار ذو عائدات كبيرة وتشغيل ليد عاملة جديدة وكثيرة.
المشكلة في روجآفا أنه لا توجد فيها رؤوس أموال وطنية بكل معنى الكلمة، وما هو متوفر عبارة عن رجال أعمال يبحثون عن مشاريع ذَات دورة رأسمال قصيرة، في حين أن مشروع تدوير النفايات يتطلب انتظار عدة سنين في البداية ثم ينطلق بسرعة كبيرة.
اذاً، لم يبق لدينا من نتعامل معه سوى دوائر الإدارة الذاتية، وللأسف الوصول إلى رؤسائها صعب ويتطلب اتصالات كثيرة، ناهيك عن أنه حتى لو نجح الاتصال وأصبحت أمام المسؤول مباشرة، عندها لا يوجد أي ضمان من أن يفهم مشروعك أو فكرتك.
لكني انتهز هذه الفرصة لأقول لمن يهمه الأمر، أن مشروع تدوير النفايات في روجآفا يستطيع إنتاج طاقة تعادل أرباحه مجموع ما تنتجه زراعة القمح، فالطاقة لا تفنى ولا تخلق من العدم.

-ما المقومات التي يجب أن تتوافر في روجآفا لإنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات؟

سؤال جميل، أهم شيء هو المعرفة بالأرقام والإحصاءات التي تخص النفايات، ومن ثم إجراء دراسة على تلك الأرقام، وعقد مؤتمرات مشتركة يحضرها المعنيين في الإدارة الذاتية مع رجال الأعمال.
بدون هذه الخطوة لن نرى مشاريع مجدية، وستبقى البلديات تنقل المشكلة من مكان إلى آخر.

-ما المشاريع التي أنت بصددها فيما يتعلّق بالتلوث البيئي في منطقة روجآفا؟

عندما نقول مشروع يجب أن تكون هناك جدوى اقتصادية ومكان لتنفيذ المشروع، الذي أملكه لروجآفا هي أفكار مرشحة لتصبح مشاريع، وهذه الأفكار ليست ابتكارات بل هي مشاريع تم تنفيذها في أماكن أخرى من العالم، ونستطيع تهيئتها كي تناسب روجآفا.
أهم هذه المشاريع هو “الغاز البيولوجي” الذي يتم إنتاجه من المخلفات البشرية والحيوانية وحتى من مخلفات الزراعة، وهنا أستطيع القول أنها عبارة عن أجهزة بمعدات بسيطة يستطيع أي إنسان تطبيقها وتنفيذها في منزله ومزرعته.
لكنني مستعد أيضاً لتقديم أية دراسة ترغب بها أية جهة في هذا الميدان أو ميادين أخرى.

-سؤال لا بد منه: مسيرتك المهنية كيف بدأت، وكيف تحوّلت لاحتراف مهنتك الحالية في الطاقة البديلة؟

منذ بداية حياتي العملية لم أتوظف بل كانت لدي رغبة في أن يكون لدي العمل الخاص، وعلى العموم بدأت حياتي العملية في سن الرابعة عشر في مجال الألكترون في كوباني، وحين انتقلنا إلى حلب عام 1991 توجهت إلى مجال المعلوماتية، وبعد قرابة أربع سنوات فتحت أول معهد كومبيوتر يملكه كردي في حي الأشرفية، كان المعهد بعقد شراكة فكان الجهد مني والمال يقدمه آخرون، لكننا فشلنا في الاستمرار وسط المنافسة الشديدة وحين تطلب الأمر رأسمال أقوى.
فقررت العمل في مجال التجارة وفتحت مكتباً وأقمت علاقات عن طريق الأقارب والمعارف لاستيراد المنتجات من تركيا، وباعتباري أني كنتُ أميل إلى التكنولوجيا فقد كانت فكرة استيراد أجهزة الطاقة تلائمني كثيراً، فقمت باستيراد المنتجات غير المتوفرة، وأضفت عليها منتجات مكملة من صناعتي، وبنيت لها دعاية مناسبة حيث أصبحت منتجاتنا آنذاك الأولى في سوريا من حيث الجودة والانتشار، ولا أبالغ إذا قلتُ بأن شركتي كانت الوحيدة التي تعاملت مع منتجات الطاقة الشمسية كسلعة تقنية وليست كملحقات لمواد التمديدات الصحية كما كانت من قبل.
طبعاً فتحنا فرعاً في قامشلو لكننا عانينا كثيراً في تسويق الأجهزة فيها.
في هذه الفترة وبسبب انتشارنا المميز في السوق دعتنا وزارة الكهرباء التابعة للحكومة السورية للمشاركة في مؤتمر مع وفد من الأمم المتحدة وعملنا معهم لمدة سنة تقريباً، وقدمنا لهم أفكار ومشاريع قيمة، لكن للأسف كان الاتجاه واضحاً نحو قبول الدعم المالي من الأمم المتحدة وعدم عمل شيء جدي.
الموضوع يطول لكن بالمختصر، عشت وأنا أتعلم كل مجال من المجالات التي كانت تظهر أمامي، وكلها في مجال الطاقة والتكنولوجيا والمعلوماتية.

-أمين ملا أحمد ، كيف تقدم لنا إياه؟

انا إنسان كردي ولدت في عامودا واقتربت من العقد الخامس من عمري، أهتم بالتكنولوجيا وأسعى أن يكون لنا ككُرد نصيب مؤثر فيها، كما أسعى كي نكون أصحاب اختراعات وابتكارات في المجالات التقنية المتعددة.
كانت لدي أفكار لابتكارات لو جازت لها الإمكانيات ورأت النور لكانت غيرت في المشهد التقني في بلادنا تغييراً ملحوظاً، لكن ينطبق علي بيت الشعر هذا من الشافعي:
كم طوى البؤس نفوساً لو رأت – منبتاً خصباً لكانت جوهرا
كم قضى الفقر على موهبةٍ – فتوارت تحت أطباق الثرى
لكم جزيل الشكر على تناول هذا الموضوع الهام، وأهيب بكل العاملين في مجال الصحافة والإعلام أن يطرحوا مثل هذه المواضيع ويسلطوا الضوء عليها لأننا للأسف اختزلنا حياتنا بالأخبار السياسية فقط.

*الصورة منشورة بتصرف