صوت المغترب
خالد: فنان يجسد المعاناة بالحرق على الخشب
“خالد حسن” فنان موهوب من مواليد قرية ايلجاغ في ريف كوباني الغربي. مقيم الآن في أربيل/ هولير عاصمة إقليم كردستان العراق.
يرسم خالد لوحاته على الخشب ومن ثم يقوم بحرقها باستخدام أداة الكوي لتظهر لوحة فنية ذات رسالة خاصة بها.
لخالد عشرات اللوحات التي ضاعت نتيجة حرب داعش على كوباني، حيث ترك الأهالي بيوتهم آخذين معهم فقط ما يستطيعون حمله، وكانت لوحات خالد من ضمن ما بقي في البيوت وضاع معظمها وتم إتلاف الباقي منها، ولكن بعد انتقاله إلى كردستان قدم معرض فني ب 50 لوحة بطريقة الحرق على الخشب.
وفن الحرق على الخشب هو أحد فنون الرسم ويتميز في جمعه بين الرسم والخط وقد يستخدم في بعض الأحيان النحت إلى جانب الحرق، لإبراز جوانب ومؤثرات فنية على اللوحة، يستخدم في هذا العمل آلة تسمى الكاوي وهى نفسها الآلة المستخدمة في لحام الأجزاء الالكترونية، الحرق على الخشب صعوبته تكمن في عدم امكانية التراجع في حالة الخطأ مثل باقي أنواع الرسم، لذلك فإن الذي يلجأ لهذا الفن يكون قد تدرب كثيرا على الرسم، وعمل بإتقان مع الكاوي.
في الحرق على الخشب يقوم الفنان بتمرير الكاوي على الخط المرسوم مسبقا على الخشب فيترك أثر للحرق على خطوط الرسم بلونه البني والبني المسود، وتكون قوة الضغط على الكاوي هي التي تجعل من اللون يتدرج من البني الفاتح إلى الغامق.
يحدثنا خالد عن أسلوبه الفني في حوار خاص مع شبكة آسو الإخبارية.
*كيف اكتشفت هذه الموهبة وطورتها؟ حدثنا عن الفن الذي تمارسه وعن كيفية تطويرك له.
-لطالما كنت أجيب على هذا السؤال بأني مارست الرسم تعلم القراءة والكتابة، فقد اكتشفت هذه الموهبة في المدرسة، حيث كنت أشغل وقتي برسم معظم الشخصيات الموجودة في كتبنا الدراسية على دفتري، أو الحيوانات كالحصان والنمر والفيل والذئب. كنت أرسمهم على الدفتر وأمسحها بالممحاة وأعيد رسمها وأمحيها وهكذا إلى حين تتقارب الصورة المرسومة على الدفتر مع الصورة الموجودة في الكتاب، وكان معلمو المدرسة يشجعونني، ورغم ظروف الحياة التي مررت بها من التنقل بقصد العمل، إلى الاعتقال بسبب ممارسة نشاط سياسي فإني لم أترك الرسم، بالرسم كنت أعبر عن مكنوناتي وأوجاعي، كان الرسم بمثابة بيت سري الذي ألجأ إليه للتعبير عن ذاتي.
*لكل فنان بصمة خاصة وأسلوب يميزه عن غيره من الفنانين، ما هو أسلوبك في لوحاتك! وما هي أول لوحة فنية لك؟
-أنا رسام، أرسم بالقلم والألوان، وأرسم بالفحم، استخدم الورق والزجاج والخشب، ولكن اخترت فن الحرق على الخشب لأن هذا الفن لا يمكن لأحد أن يسرق لوحتك وينسبها لنفسه، فالحرق على الخشب، والذي يصعب جدا على الناس تقليده، يعطي الفنان ضمانا.
أما بصمتي الخاصة فهي تغلُّب طابع الحزن والظلم على كل لوحاتي، الشخصيات التي أرسمها هي الشخصيات التي تعذبت في حياتها ولاقت الظلم والصعوبات، فمثلا رسمت من الفنانين “أبو صلاح” و “محمد شيخو” من الفلاسفة رسمت “ملا خليل مشختي” ومن معارفي كلهم رسمت والداي.
ويتابع خالد، أول لوحة لي كانت في الصف الأول، وقد استخدمت مسمار لرسم اللوحة على حجرة في مدرستنا، كانت مدرستنا منزل لرجل إقطاعي في المنطقة اسمه “حج جمال آقصوي”، كانت لوحتي عبارة عن تلميذ على رأسه الفولار المدرسي قمت بنحت هذه الرسمة على الحجر باستخدام المسمار ولم أكن حينها أعرف الألف باء بعد.
*أنت ترسم بقلم رصاص على قطعة خشب ثم تحرق تلك الخطوط باستخدام أداة كوي حدثنا عن هذه الطريقة… وما الذي يحفزك لاستنباط فكرة اللوحة ورسم تلك الخطوط؟
-استخدم قلم الرصاص فقط لأحدد المسافات بدون وضع ظل للشخصيات، ولاحقا استخدم أداة الكوي لصنع الظل للوحة. وأول لوحة حرق على الخشب كانت عبارة عن وردة يحيط بها أفعى.
أما بخصوص اختياري لأفكار اللوحات، أنا اتأثر بحياة شخصياتي، اتأثر لمقدار الظلم الذي تعرضت له، هذا يعطيني دافع قوي لصنع لوحة تعبر عن الشخصية بالحرق على الخشب.
*عادة يتحدى الفنان الواقع والظروف ما أهم التحديات والظروف التي واجهتك؟ وكيف تؤثر على إبداعك؟
-حالة عائلتي المادية كانت ضعيفة، نحن فقراء، وكنت أكبر اخوتي ومعيل البيت، تركت المدرسة بقصد العمل، ومارست نشاط سياسي كردي وبسبب ذلك سجنت لمدة عام، ثم تنفلت بقصد العمل بين سوريا ولبنان والأردن، واليوم أنا في كردستان العراق أعمل في دهان البيوت، ومع ذلك لم تكن تلك الظروف عائقا أمام موهبتي، وكذا الفقر لم يؤثر علي، بل كانت تلك الظروف بمثابة دافع لي، وحافز يدفعني نحو الإبداع في موهبتي… الرسم شيء مقدس بالنسبة لي، ألجأ للرسم من أجل اشغال نفسي عن الصعوبات التي أواجهها، الرسم شغفي وعشقي، ولولا الرسم لكنت إما جننت وفقدت عقلي أو انتحرت، رسمي للوحات هو تعبير عن ذاتي، يقوي شخصيتي ويزيد ثقتي بنفسي، ويلهيني عن الشعور بالإحباط، أشكي همومي للوحاتي فأشعر بطاقة محفزة تغمرني.
وما يحزنني هو فقداتي لعشرات اللوحات الفنية والتي ضاعت لأني لم احتفظ بها بالشكل المناسب، حيث كانت في منزلنا بالقرية ونتيجة هجوم داعش علينا فقد بقيت اللوحات واستطاع أهلي النجاة بأرواحهم من الموت القادم مع داعش، وعزائي أن لي بعض اللوحات التي نشرتها في جريدة “العلم” اللبنانية ومجلة “الرأي الحر” اللبنانية، ومجلة “الحوار” وهي مجلة كردية لحزب الوحدة الكردي ومجلة “صوت كردستان” وكل لوحاتي كانت بأسماء وهمية. كما وقدمت معرض فني في المركز الثقافي الروسي بدمشق في صيف سنة 2001.
*كيف ترى مستقبل فن حرق الخشب؟
-قبل الحديث عن مستقبل الحرق على الخشب، علينا إدراك شيء مهم، وهو قبل الحرق على الخشب، يجب أن تكون متمكن في الرسم بالقلم لتعرف كيف تقوم بتدريج الألوان.
الحرق على الخشب من حيث المبدأ يشبه الرسم بالفحم، أنت مجبر على التعامل مع ألوان محددة، لون اللوحة الخشبية واللون الناجم عن الكاوي الذي بيدك والذي تستخدمه لترسم الظلال والتدرجات، وبأداة الكوي عليك أن تستفاد من الحرق لتظهر جمال لوحتك.
أرى مستقبل هذا الفن سيتطور كثيرا، خاصة وأنه لا يحتاج لمساحات كبيرة ولا لألوان ولا ينتج عنه مخلفات وأوساخ، وليس له آثار جانبية ويرسم بأقل التكاليف وبأقصر وقت، بل إن اللوحات المرسومة تكون بمثابة التحف الفنية، ولكن يحتاج إلى اهتمام أكثر.
في النهاية أشكر شبكتكم على تسليط الضوء على هذا الفن، وأوجه من خلالكم نداء لكل متابعيكم أن يشجعوا على الفن بشكل عام ودعمه، لأن تطوير وتنمية الفنون يحفز الإبداع، وينمي المعرفة ويزيد الإدراك، ويشجع الناس على التعلم. الإهمال يقتل الموهبة، اتمنى من كل من يملك موهبة ألا يهملها.
*اللوحات الفنية تنشر بتصرف من “خالد حسن”