أصوات نسائية
هلز… رغم الظروف القاسية إلا أنها لم تفقد الأمل في إيجاد حياة كريمة تليق بها
برور ميدي
تتشابه قصص النزوح عندما تترك وطنك خوفا على حياتك… لا تدرك ان ما ينتظرك سيكون أقسى من الموت.
وفي سعي يومي عن حياة تليق بالبشر، يقع العبء في النزوح على النساء وخصوصا في ظل فقدان الأب أو الزوج أو وقوعهم فريسة للمرض.
تواجه النساء اللاجئات اللاتي يغادرن بلادهن هربا من الموت، مصائر قاتمة، وهذه إحدى حكاياتهن:
هلز علي، لاجئة كردية تنحدر من عائلة ذات أصول دينية ايزيدية من إحدى القرى الواقعة بريف الحسكة الشمالي في الجزيرة السورية، اجتهدت وتعبت إلى أن حصلت على شهادة الثانوية العامة، لتدخل بعدها جامعة الفرات بقسم الجغرافية في ظل اندلاع الأزمة السورية.
تتألف أسرتها من أخ معاق، ووالدين من إحدى قرى الحسكة، عاشت مرارة الحرب السورية لأعوام وزاد من معاناتها، ظروفاً أكثر قساوة في ظل الأمراض المتفشية في أسرتها.
بدأت “هلز” حياة أكثر صعوبة من فتيات جيلها، فقد كانت تدرس وتعمل في آن واحد لتصرف على أسرتها وتعالج مرضاها.
ومع اقتراب تنظيم #داعش كقوة مهيمنة على المنطقة وانتهاج التطرف ضد الأقليات القومية كالكرد والأديان كالايزديين والآشوريين والأرمن وغيرها من الإثنيات في سوريا، نزحت “هلز” مع عائلتها إلى تركيا لتعيش ظروفاً أقسى من الموت.
ومع أواخر 2013 حيث اشتداد ظروف الحرب، واقتراب داعش من المنطقة، دفعها خوفها على عائلتها ذات الديانة الايزيدية من بطش تنظيم داعش إلى النزوح إلى الدول المجاورة لسوريا، فاختارت طريقها إلى الحدود التركية، فوصلت مع حلول الليل بين مدينتي الدرباسية وعامودا لتعبر الأسلاك.
وبعد صعوبات شتى وتعرضها وعائلتها لرصاص الجندرمة (حرس الحدود التركية) وصلت إلى أقرباء لها في ماردين واستقرت هناك.
بعدها بأيام قليلة بدأت “هلز” العمل في مطعم في المدينة بالطبخ والتنظيف.
وإضافة إلى الإهانات اليومية من أصحاب المطعم وعدم إجادتها اللغة التركية فكان يتم استغلالها لمجرد أنها لاجئة وسورية وكانت تتقاضى مقابل عملها الطويل راتباً قليلا جداً ما يكفي أجار البيت، إلا أن ظروف العيش ومرض عائلتها دفعتها لتحمل كل الصعوبات والإهانات في سبيل تأمين حياة كريمة لعائلتها.
وبعد مضي فترة من المضايقات اليومية واستغلال الزبائن لها والتحرش بها وانتقالها إلى أكثر من عمل، مطاعم أخرى، وفنادق، ومنازل وعمارات.. الخ، وفي كل مرة كانت تواجه الصعوبات نفسها، التحرش والاهانات وقلة المردود المالي، مما كان يدفعها إلى ترك العمل، والبحث عن عمل آخر يحفظ كرامتها.
لم يكن باستطاعة “هلز” الدراسة في تركيا لأنها لم تكن تملك ثبوتياتها الدراسية، وفي ظل كورونا ساءت الأحوال بها وعائلتها، فساءت صحة أخيها المعاق.
تنهي “هلز” كلامها بأنها تموت كل يوم أمام مشهد أخيها في حالته وهو في ربيع عمره.
لا تزال “هلز” عاطلة عن العمل ولا تستطيع الخروج من المنزل بسبب خوفها من وصول مرض كورونا إلى عائلتها المريضة صحياً.
قد تكون قصة “هلز” جزء من مسلسل واقعي يتكرر يومياً مع عوائل سورية أخرى دفعتها ظروف الحرب إلى النزوح بعيداً عن وطنها الأم بين خيار غصة الحنين إلى الوطن المثقل بالدماء وخيار التعرض للإهانة كل يوم في بلاد الغربة.
ولكنها لم تفقد الامل في ايجاد حياة كريمة تليق بها.
*الصورة من مدينة ماردين