أخبار وتقارير
الاتجار بالبشر بتجنيد الأطفال… انتهاكات للجيش الوطني السوري في الأعمال العسكرية دون أية محاسبة
تشغل مساحة الانتهاكات حيّزاً واسعًا لدى فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من الاحتلال التركي، ففي المناطق المحتلة والمسيطر عليها من قبل الفصائل في سوريا، لا تتوقف الانتهاكات عند حدود الاعتقال والخطف والقتل وحسب، بل تتجاوزه إلى التغيير الديمغرافي الممنهج أيضاً من قبل الاحتلال التركي، إضافةً إلى عملية تجنيد الأطفال التي يتم فيها استغلال استغلالهم والاتجار بهم.
شهدت الحرب السورية خلال عقد كامل، العديد من الانتهاكات، من بينها تجنيد الأطفال، والتي استخدمتها جميع القوى المسلحة على الأراضي السورية.
ويعد تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة، انتهاكاً للقانون الدولي، وهو انتهاك منتشر في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري”، يضاف إلى سجله في مصادرة ممتلكات السكان الأصليين، مع تكرار حالات الاعتقال التعسفي بحق المدنيين، تحت ذريعة “تعاملهم مع قوات كردية”، إضافة لفرض الإتاوات على المدنيين الكرد للسماح لهم بقطاف مواسمهم، وأمور أخرى.
بحسب ما يذكر متابعون للواقع اليومي المعاش في عفرين، لشبكة آسو الإخبارية، فإنّ أسباباً مختلفة تكمن وراء عملية تجنيد الأطفال من قبل القوى العسكرية، فتتوزع الآراء بين تجنيد الأطفال لأسباب، منها الحرب واستغلال الأطفال، والحاجة للعمل كمصدر رزق بموافقة من عائلاتهم، وموضوع الحماية؛ حيث يلتحق الأطفال بفصائل مسلحة للحماية نتيجة فوضى السلاح المنتشرة في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري بشكل ممنهج، وهي مجموعة عوامل تدفع الأطفال للانخراط في صفوف الفصائل المسلحة.
شهدت الحرب السورية استغلالًا كبيرًا لتجنيد الأطفال في الصراع الدائر في البلاد، وهذا ما أشارت إليه تقارير دولية أفادت بتورط معظم القوى العسكرية على الأرض في التجنيد الإلزامي، وكان أخطرها محاولة تجنيد الأطفال فكريًا إلى جانب حمل السلاح، عبر إخضاعهم لدورات شرعية وغرس ثقافة راديكالية في أذهانهم، وجاء على رأس ذلك استخدام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأطفال في نهجه المتطرف، وإعداد الأطفال للحروب والقتل تحت مسمى “أشبال الخلافة”.
لم يكن المشهد بأفضل حالٍ لدى فصائل مثل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا”، فقد ففي التقرير الأممي الأخير حول تجنيد الأطفال، جاءت “النصرة ” في المرتبة الأولى بين قوى المعارضة التي أقدمت على التجنيد الإلزامي، تليها فصائل في “الجيش الوطني السوري” (الجيش السوري الحر سابقًا) تليها قوات سوريا الديمقراطية، فقوات الحكومة السورية.
رغم أن “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني السوري المعارض، لم يصدر أي قرار رسمي حول التجنيد الإلزامي، ولم تفرضه ضمن مناطق نفوذها، لكن حالات عديدة للتجنيد الإلزامي تتواجد في صفوفه.
وعلى حد وصف مصدر عسكري في “الجيش الوطني السوري” (لم يكشف عن اسمه)، فإنّ نحو 30٪ من إجمالي عدد عناصر هذه الفصائل، الذين يتراوح عددهم بين 50 و70 ألف، هم من الأطفال القاصرين، وهو رقم تقريبي بحسب المصدر المطلع على آلية رصد ومتابعة معسكرات ونقاط تمركز حواجز “الجيش الوطني السوري”.
المصدر العسكري تحدث عن انتشار الأطفال علي الحواجز ويقول إنه يتم قبول انتساب الأطفال إلى فصائل الجيش الوطني دون أدنى تردد، وعند القبول يتم إخضاعهم لدورات عسكرية وشرعية لمدة شهرين، ثم يتم إرسالهم لأحد المقار، ليبدأ في الدوام على خطوط التماس، كما أكد أنه يتم إرسالهم إلى جبهات القتال، حيث تعتبر هذه قاعدة أساسية لـ “الجيش الوطني السوري” والجماعات الجهادية في سوريا.
التجنيد كعملية ممنهجة…
المراقبون لـ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من الاحتلال التركي، يصنفون آلية تجنيد الأطفال بأنها ممنهجة، ويرون أنه يستغل الظروف القاسية التي يعيشها المدنيون، ولا سيّما القاطنون في المخيمات، والعوائل النازحة والمهجرة من محافظات سورية أخرى والعوائل المستوطنة في مناطق محتلة مثل عفرين وسري كانيه\ رأس العين، الأمر الذي يفتح المجال أمام الأهالي بالدفع بأبنائهم للانضمام لفصائل “الجيش الوطني السوري”.
الظروف المعيشية تدفع الأهالي إلى الخضوع للعسكر…
يقول “محمود خليل” من ريف إدلب، لشبكة آسو الإخبارية، إن أهم ما يدفع العوائل لضم أبنائهم لفصائل “الجيش الوطني السوري” و”هيئة تحرير الشام”، هو تردي الوضع المعيشي، وانعدام مقومات الحياة والتعليم، وطغيان السلاح، “لم تعد هناك فرص لمصادر دخل العوائل، وعلى وجه الخصوص النازحين والمهجرين والمستوطنين منهم، ما يدفع الأهالي إلى إرسال أبنائهم للحصول على مرتب شهري لا يتجاوز ما يعادل 40 دولار شهريًا (بين 300 و400 ليرة تركية).
لؤي محمد وهو اسم مستعار لشاب يبلغ من العمر 17 عامًا، ومنشق عن صفوف “الجيش الوطني السوري” كما يعرّف عن نفسه، يقول لشبكة آسو الإخبارية، إنه انضم لفصيل “العمشات” التابع لـ “الجيش الوطني السوري”، وذلك بعد أن نزح مع أسرته من منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، وتحديداً من بلدة “شنان”، ليستقر بعدها في سلقين بريف إدلب الشمالي، وخلال تنقله للبحث عن عمل في عدة مهن لمساندة عائلته ووالده في تأمين لقمة العيش، كالعمل مساعد اً لبائع صهريح مياه الشرب، و العمل في الزراعة وفي شركة تصنيع بطاريات كهربائية، حتى تعرف على أحد الشبان، خارج العمل؛ نصحه بالانضمام لـ “الجيش الوطني السوري” والانتقال إلى ناحية شيه\ الشيخ حديد بريف عفرين ضمن صفوف فصيل “العمشات”.
يذكر “لؤي” أنه انضم للفصيل أواخر عام 2019، وقد خضع في البداية لدورة شرعية وعسكرية، ثم بدأ العمل بنظام صارم جداً، حيث يسمح له الاستراحة لمدة 10 أيام والعمل 20 يوماً، على الحواجز الأمنية على أطراف ناحية شيه/الشيخ حديد.
يقول “لؤي”، إنه كان ينام ويعيش معظم أوقاته في المقر العسكرية، حيث لا يُسمح له بزيارة أهله المقيمين في بلدة سلقين بريف إدلب الشمالي، لأن المنطقة خاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، حيث توجد حساسية على شكل عداء داخلي ومنافسة بينها وبين “الجيش الوطني السوري”، وبسبب هذه الظروف قرر “لؤي” ترك الفصيل والانشقاق عنه في نيسان من العام الجاري 2021، واضطر ليعلن انشقاقه كي يستطيع العودة لمنطقة أهله في سلفين الخاضعة لـ “النصرة” كي لا تتم محاسبته.
الانضمام للعسكر بدافع البحث عن الأمان!
تسببت الفوضى المنتشرة في مناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة (الجيش الوطني السوري) في انتشار السلاح، الأمر الذي تطلب من كل عائلة حماية نفسها بنفسها، وكانت إحدى القناعات لدى الأهالي لتحقيق الأمان لهم، هو أن يكون في كل عائلة فرد منتمٍ لفصيل عسكري يؤمّن الحماية لعائلته؛ هذه العوامل ساهمت في تجنيد الأطفال، على نطاقٍ واسع، من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”، بدافعٍ من قناعة مفادها؛ حماية الطفل والعائلة، ولعدم تعرض أحد للعائلة، وخاصة المستوطنين الذين يقطنون في منازل أهالي أناسٍ مهجرين.
مسؤول عسكري في “الجيش الوطني السوري” (اشترط عدم ذكر اسمه)، قال لشبكة آسو الإخبارية، إن غالبية القوى العسكرية تقوم بتجنيد الأطفال، التي تعتبرهم مصدر قوةٍ لهم، نظراً لأنهم يكبرون على طاعة القادة، وعلى الرغم من أن الجميع يلجأ إلى تجنيد الأطفال لكن أكثرهم هو “فيلق الشام”، يليه فصيل “فرقة الحمزات” و”فرقة السلطان سليمان شاه”.
وتمنع المادة الرابعة من البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل في القانون الدولي، تجنيد الأطفال في القوات المسلحة أو استخدامهم في الأعمال القتالية دون سن 18 عاماً، بينما يعتبر تجنيد الأطفال دون سن ١٥ عاماً جريمة حرب.
ويتعرض الأطفال لانتهاكات على يد قيادات الجيش الوطني مثل تحميلهم أعباء جسدية تفوق قدراتهم، وزجهم في الصفوف الأولى أثناء القتال، وعدم مراعاة حالتهم النفسية، وتعرضهم للإهانة من قبل الضباط المسؤولين عنهم، كما لا يحصلون على فترات استراحة في منازلهم ولا يسمح لهم بزيارة ذويهم إلا في فترات متباعدة.
“الجيش الوطني السوري” يضم بين صفوفه عدداً كبيراً من الأطفال..
الصحفي خالد الحمدان من ريف حماة الشرقي والمقيم في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، يؤكد لشبكة آسو الإخبارية، إن تجنيد الأطفال في صفوف الجيش الوطني أمر واضح وهو أمرٌ ليس خافياً على أحد، “يمكن ملاحظة ذلك من خلال أعداد الأطفال الكبيرة المنتشرين على الحواجز ضمن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام المحتلة والتي تقع تحت سيطرة الفصائل التابعة لتركية”.
يؤكد ذلك مستنداً إلى الفيديوهات المصورة لدورات التخريج وتدريبات المعارك لفصائل الجيش الوطني السوري، التي لا تخلو من وجود نسب كبيرة للأطفال، الأمر الذي يعتبر انتهاكاً أخر يضاف لسلسلة انتهاكات يرتكبها “الجيش الوطني” في مناطق نفوذه، ويقول: “غالبية الأطفال فقدوا مستقبلهم بعد أن تم غرس فكرة السلاح والحرب والقتل في رؤوسهم”.
يتحدث خالد الحمدان عن استغلال كبير للأطفال في عملية التجنيد، بينها الاستغلال الجنسي وأيضًا عدم تعويض الأطفال بمقابل مادي، فالمستحقات المالية المخصصة للمقاتل التي تتراوح بين بين 300 و400 دولار، لا يتم منحها بالكامل للأطفال (..).
جاء في تقرير أممي أخير نشر في وكالة رويترز في شباط، 2021، إنّ سوريا تحتل المرتبة الأولى بين الدول الأكثر تجنيدًا للأطفال في العالم، وجاء في تقرير مجلس الأمن عن حالة الأطفال في النزاع المسلح في الجمهورية العربية السورية، والذي شمل الفترة الممتدة بين 1 تموز 2018 إلى 30 حزيران 2020، وبعد التحقق من آلية التجنيد فإن 73 بالمئة من حالات تجنيد الأطفال تركزت في شمال غرب سوريا؛ إدلب وحلب وحماه (مناطق المعارضة السورية).
واحتلت المعارضة السورية في التقرير الأممي الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، المرتبة الأولى من بين القوى العسكرية الأكثر استخداماً لتجنيد الأطفال وبلغ العدد 901 حالة تجنيد للأطفال.
وأشار التقرير إلى قيام “فرقة المعتصم” التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” بتجنيد طفلين عمرهما 15 و16 سنة في مارع بريف حلب، وإرسالهما إلى القتال في ليبيا ضن صفوف “فرقة السلطان مراد”.
وتستغل فصائل “الجيش الوطني” الظروف القاسية التي تمر بها العوائل النازحة والمهجرة، لاستقطاب المزيد من المقاتلين في صفوفها، وبدلاً من أن تؤمن حياة كريمة للمدنيين، تزج بأطفالهم في المقرات ومعسكرات التدريب، على حد قوله.
يقول بسام العيسى (اسم مستعار) وهو والد أحد الأطفال المجندين في “الجيش الوطني” لشبكة آسو الإخبارية إن الظروف الأمنية هي التي دفعته لإرسال ابنه الذي لم يتجاوز السابعة عشر، للقتال، حيث انضم لفصيل”فيلق الشام” وذلك بعد تهجيرهم من قبل قوات الحكومة السورية، من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وهو مستوطن في مدينة عفرين، في الوقت الحالي.
وفي محاولة من الأهالي لثني أبنائهم عن الالتحاق بالفصائل، تحدثت عوائل عديدة لشبكة آسو الإخبارية، بينهم من يرىون أن الواقع المعيشي يدفعهم لذلك، وآخرون مقتنعون بفكرة أن يكون أبناءهم بين المسلحين، لكن البعض أيضًا يعزو موافقتهم لقبول ذلك إلى الخوف وغياب الأمان، فيقول أحد المواطنين ويدعى أبو طه، إن المنطقة تشهد ظروفاً أمنية سيئة، وحالة من الفوضى، وتعدد القوى العسكرية بشكل عشوائي، ما أسفر عن انتشار السرقات والقتل وحالات التحرش والاغتصاب، فيقول: “العسكر يقومون باستغلال المدنيين ووضعهم في ظروف حرجة بالتعدي على حرمة منازلهم، في حال كانت العائلة غير مدعومة أو ليس لديها أبناء بين المسلحين”، مضيفًا “حصلت حالات اغتصاب وتحرش مروّعة، بينها تعرض ثلاث فتيات للتحرش والخطف ومحاولة اغتصاب من قبل رجل متقدم في العمر، لذا تحاول العوائل ضمان سلامة أبنائها من خلال تجنيدهم!”.
ويقول أحد الأهالي “أرسلت ابني للانضمام إلى صفوف المقاتلين لتأمين حماية للعائلة على أقل تقدير، ولتحسين أوضاعنا المعيشية المتردية”، متابعًا بأن ابنه يقضي فترات طويلة في مقار عسكرية، ويضيف: “لقد حاولوا التأثير عليه للذهاب والقتال في ليبيا لكنه رفض، لذا هو قلق من الانتقام لرفضه ذلك”
وتقوم تركيا عبر “الجيش الوطني السوري” بتجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى ليبيا، ومن يرفض تنفيذ القرارات يتعرض للمساءلة؛ لذا يقول الرجل إن رفض ابنه قد عرضه للخطر، رغم أن ابنه يتفاضى ما يقدر بـ 40 دولار شهريًا، بينما حياته مهددة في كل لحظة للخطر ضمن فصائل المعارضة المسلحة.
ويتبع “الجيش الوطني” بشكل كامل للاحتلال التركي، وتم الإعلان عن تشكيله في كانون الأول 2017، ويحتل مناطق شمال سوريا تحت مسميات عمليات عسكرية مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، وقد تسبب الاحتلال لتلك المناطق بتهجير مئات الآلاف من أصحاب المناطق الأصليين خاصة من الكرد، ومصادرة ممتلكاتهم بالإضافة لكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان.