Connect with us

مدونة آسو

التسول… ظاهرة تستوجب أموال المحسنين أم الجهات المسؤولة؟؟

نشر

قبل

-
حجم الخط:

بيديه الصغيرتين اللتين تبدوان للناظر أنهما لم تلمسا الماء منذ عشرة أيام، يستحلفك بالله أن تشتري منه فهو الرجل الصغير المعيل لأسرته مع أن عمره لم يتجاوز 10 أعوام. تسأله لماذا أنت لست في المدرسة يجيبك “أي مدرسة” ونحن لا نأكل لنشبع، أبي عاجز ولدي أخوة صغار أنا أكبرهم ونحن نازحون في هذه المدينة الغريبة. يختلط صوت الحسرة بصوته الطفولي ويقول اليوم لو كنت بالمدرسة كانوا أعطوني جلائي المدرسي أيضاً، ولكن….

لا تستطيع أمام هذا الشعور بالعجز إلا أن تعطيه ما فيه النصيب وتحبس دمعتك وتمشي لتلعن الحرب والقائمين عليها.

سبع سنوات وماتزال رحى الحرب الدائرة في سوريا تطحن أبناءها، ومدينة الحسكة كغيرها من المدن والمناطق السورية التي تأثرت جراء الحرب فالظروف التي لم ترحم أحداً أفرزت الكثير من العائلات الفقيرة التي ضاقت بها السبل وامتهنت التسول كمصدر للقمة العيش.

فما إن تتجول في شوارع الحسكة وتجول بناظريك سترى وتصادف العديد من المتسولين جلهم أطفال، تراهم يفترشون الأرض ويقفون في منتصف الطرقات وفي زوايا الشوارع، يستجدون المال مقابل دعوة لله أو يبيعونك سلعة، لست بحاجة لها، مقابل أن تمر في الشارع بسلام.

 

“ليلان إبراهيم” طالبة جامعية ذكرت لشبكة آسو الإخبارية أنها وفي طريقها إلى كلية الحقوق بالحسكة، تواجه استجداءات من بعض الأطفال المتسولين الذين يتجمعون عند زاوية المجمع الاستهلاكي في المدينة ويعترضون طريقها إلى أن تضطر لإعطائهم المال لكي يفسحوا لها المجال لتمر وهي تشعر بالإحراج عندما تمر برفقة زميل لها ويبدؤون بالركض باتجاههم قائلين (عطينا مصاري …الله يجوزك هالحلوة).

لم يسلم الباعة وأصحاب المحلات التجارية في المدينة من ظاهرة التسول أيضاً، حيث يقول “محمود العلي” صاحب أحد هذه المحال أن الوجوه هي ذاتها تتكرر ومنذ سنوات، والتسول بالنسبة للبعض هو حاجة ونتيجة ضيق الحال وبالنسبة لكثيرين هي مهنة بدوام يومي وبعض المتسولين هم بعمر وصحة تسمح لهم بالعمل وكسب قوت يومهم بعرق جبينهم.

 

رأي أصحاب الاختصاص

وللوقوف أكثر على هذه الظاهرة وأسباب تزايدها في الآونة الأخيرة، التقت شبكة آسو الإخبارية بالسيد “ميخائيل بشر” مرشد اجتماعي ونفسي يعمل مع إحدى الجمعيات الخيرية في المدينة والذي أكد بقوله إن أهم أسباب هذه الظاهرة هي الفقر والحاجة والعوز والنزوح من مناطق النزاع والحرب، وأصبحنا نرى اليوم الكثير من طرق التسول المباشر وغير المباشر.

بالنسبة للتسول الممتهن نتيجة العاهات والأمراض الموجودة فيهم فهو استغلال لوضعهم الصحي، بطريقة أو بأخرى، من أجل الضغط على المارة عاطفياً وبالتالي إعطاؤهم المال بداعي الشفقة.

وهنالك التسول عن طريق فنون التبصير وقراءة الكف والفنجان والعين وضرب الفأل وما إلى ذلك من الأمور التي تجذب البعض من الناس ويدفعون المال لقاءها للمتسولين غير المباشرين.

وأضاف “بشر” إلى ظاهرة خطيرة بين المتسولين وهي وجود عدد لا بأس به من الفتيات والنساء المتراوحة أعمارهن بين 12 و40 سنة، وهذه السن التي قد تعرضهن لمضايقات نفسية وجسدية تصل إلى حد التحرش الجنسي في بعض الحالات.

مالحل؟

من وجه نظر الاختصاصي الاجتماعي القضاء على هذه الظاهرة والنظر في أسبابها وعلاجها قبل أن تتفاقم أكثر ويصعب السيطرة عليها، يكون من خلال التعاون الجدي بين المسؤولين والجمعيات الأهلية والخيرية في المدينة، وذلك من خلال وضع برامج وخطط تضمن تأمين فرص عمل لهؤلاء المتسولين وتحويلهم من عبئ اجتماعي إلى عضو منتج بالمجتمع، مع التأكيد على أهمية ضبط موضوع التسرب المدرسي للأطفال وإيجاد حل له.

إذاً… لا تكمن الحلول بمطاردة المتسولين ومعاقبتهم، بل في محاربة أسباب الظاهرة وفي مقدمتها الفقر الشديد والتشرد، لا بد من تعزيز دور المؤسسات الاجتماعية الرسمية والخاصة لتساعد المحتاجين فعليا وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، كما لا ينبغي لهذه المساعدة أن تقتصر على تقديم المعونة الشهرية من طعام الملبس والمأوى، فعليها أن تشمل تعليم وتأهيل المتسولين ومساعدتهم على إيجاد فرص العمل، التي تضمن مستقبلهم.