Connect with us

أخبار وتقارير

المسيحيون الباقون في ظل حكم “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام الإرهابية”… رعب بلا أعياد ومناسبات وحرمان من أبسط حقوق المعيشة

نشر

قبل

-
حجم الخط:

يامن الخالد – إدلب / شبكة آسو الإخبارية
يشكل المسيحيون (السريان والكلدوآشوريين والروم) مع باقي المكونات في سوريا، جزءاً من النسيج الاجتماعي في سوريا. يشمل هذا التنوع مناطق الشمال السوري، حيث التواجد المسيحي فيها قديم. وحاليًا برغم عدم وجود أرقام واحصائيات رسمية ودقيقة لنسبة المسيحين في شمال سوريا، لكن ترجح أرقام غير رسمية، بأن عددهم كان قبل عام 2015، يبلغ نحو 20 ألف نسمة، موزعين في مدينة إدلب وريفها، لكن في عام 2015 وبعد سيطرة الجماعات الجهادية المتشددة على إدلب وريفها، بدأت موجة نزوح وهجرة آلاف المسيحين، ويُقدّر عددهم الحالي بنحو 400 نسمة فقط.

رحلة الهجرة القسرية
بدأ رحيل وهجرة المسيحين عن إدلب بعد سيطرة ما عرف باسم “جيش الفتح” في عام 2015 وهو تنظيم يضم العديد من الفصائل المتشددة، إثر خروج المنطقة عن سيطرة النظام السوري، آنذاك خرج الآلاف من المسيحيين خوفاً على حياتهم من الانتهاكات التي توقعوا أن تُرتكب بحقهم لكونهم أقلية دينية، في ظل عدم وجود أي ضمان لبقائهم بين فصائل راديكالية تحمل فكراً متطرفاً، حيث تنظر الفصائل المسلحة إلى المسيحين على أنهم “كفار”.

وبعد هجرة ونزوح المسيحين القسرية من إدلب وريفها، قام جيش الفتح بوضع اليد على ممتلكاتهم الخاصة، من منازل ومحال تجارية وأراضٍ زراعية، لتمنحها لاحقاً لمن يتم تسميتهم بـ “المهاجرين” ممن تم توطينهم في المنطقة، وهم فئة من الجهاديين المتشددين من جنسيات مختلفة، دخلوا سوريا بعد الأزمة وشاركوا في الصراع، ووصل غالبيتهم إلى سوريا بعد تسهيلاتٍ قدّمت لهم من تركيا، عبر الحدود التركية- السورية، وشمل الانتهاك الذي لحق بالمسيحيين أغلب الأقليات المتواجدة في إدلب وريفها، مثل الدروز والعلويين والكرد.

بقاء في ظروف قسرية وتحول المقدسات لاستخدامات تجارية
يمثل الوجود المسيحي في شمال سوريا، اليوم، نسبة كبيرة من كبار السن، وبعض الشبان، وبالمجمل لا يتجاوز عدد المتبقين الحاليين 400 نسمة، يتوزعون حالياً داخل حي واحد من أحياء مدينة إدلب، وتوجد داخل الحي كنيسة تسمى “كنيسة العذراء” قامت “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” (جبهة النصرة الإرهابية سابقاً) بتأجير جزء منها لصالح شخص من ريف دمشق، الذي حول جزءاً من الكنيسة إلى محل تجاري لبيع الأثاث المنزلي، ويتوزع جزء من المسيحيين أيضاً في قرى صغيرة في منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي (قرى الغسانية واليعقوبية والقنية)، وهي قرى مسيحية السكان، لكن حاليا غالبية المنازل تم الاستيلاء عليها ويقطن فيها أشخاص يتبعون لـ “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب”، وجهاديين من جنسيات مختلفة مثل المغرب العربي ودول الخليج.

بعد أن تمكنت “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” عام 2018 من طرد عدة فصائل كانت تشاركها السيطرة على مناطق إدلب وريفها في جسد يسمى “جيش الفتح”، مثل فصائل “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”حركة نور الدين الزنكي” و”صقور الشام” وغيرها من الفصائل المصنفة على قوائم الإرهاب، تفردت بالسيطرة على المنطقة، وهنا بدأت تضيق الخناق أكثر على جميع الأقليات الدينية ومن بينها المسيحين، فبدأت تحرمهم من تلقي المساعدات الإنسانية، بمنع المنظمات الإنسانية الوصول إليهم ومساعدتهم في قرى ريف إدلب الغربي، أما في الحي الذي يقطنون فيه داخل مدينة إدلب فيمنع حتى على الصحفيين تغطية أوضاع هذا الحي، ولا يسمح بأي نشاط إعلامي يستهدفهم، في نفس الوقت الذي لا يخلو المشهد من محاولة “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” في أن تظهر نفسها في صورة إعلامية على أنها تحمي المسيحيين وترعاهم بين الحين والآخر، لكن الحقيقة أنهم يعيشون ظروفاً قاسية من تهميش واضطهاد وحرمان من أبسط الحقوق إضافة لانتهاكات تصل استهداف وجودهم التاريخي في المنطقة.

ويعمل غالبية المسيحيين في إدلب وريفها، ولا سيّما الريف الغربي، في الزراعة، وتشمل الأشجار المثمرة مثل الزيتون والرمان والحمضيات، حيث تقوم هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب بفرض “زكاة الثمار” على المزارعين، وهذه الزكاة تفرض على غير المسيحين أيضًا، وتتسلمها “هيئة الزكاة” التابعة لحكومة الإنقاذ (الجناح المدني للهيئة الإرهابية)، حيث تبلغ قيمة الضرائب التي يتم جمعها بذريعة الزكاة (2.5) بالمائة (على سبيل المثال لو كان إجمالي قيمة المحصول ألف دولار يتم أخذ 25 دولار كزكاة) من إجمالي المحصول لكل موسم، ويذهب الجزء الأكبر من هذه الضرائب، بحسب معلومات حصرية لشبكة آسو الإخبارية، إلى موظفين كبار لدى حكومة الإنقاذ التابعة لـ “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” ولقادة عسكريين فيها.

غياب مراسم الأفراح والمناسبات
اعتاد المسيحيون في سوريا الاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم، وخاصة الاحتفال برأس السنة في كل عام، وشهدت إدلب وريفها في الماضي احتفال المسيحين بمناسباتهم وإحياء طقوسهم، ومناسباتهم مثل تزيين الأشجار وقرع الأجراس والاحتفال مع الأقارب، لكن بعد سيطرة “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” على إدلب، تم تغييب هذه الأجواء والاحتفالات، بسبب خوفهم على حياتهم وخشية تعرضهم للاعتقال، وتذكر مصادر محلية لشبكة آسو الإخبارية، أن القرى التي تقطن فيها العائلات المسيحية في ريف إدلب الغربي لم تشهد أي مظاهر للاحتفال، واقتصرت المراسم على تهنئة الأقارب المقيمين خارج سوريا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والاكتفاء بزيارات ضيقة للأقارب والجيران للتهنئة برأس السنة، لكن مع حذر وخوف من سلطة “هيئة تحرير الشام”).

وفي حديثه لشبكة آسو الإخبارية، يقول الناشط الحقوقي “خالد العلي” ( وهو اسم مستعار لصحفي في إدلب فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية)، إن جميع الأعراف الإنسانية تمنح للإنسان الحرية في ممارسة طقوسه الدينية، من أعياد وصلوات خاصة وعادات مجتمعية، “لا يحق لأي قوى أن تمنع المجموعات البشرية من ممارسة طقوسها الدينية والفكرية، وفي سوريا يجب أن يعيش كل إنسان ضمن إطار الحريات، فالمسيحيون جزء من سوريا، ولهم كافة الحقوق، ولكن هذا لا تفهمه الجماعات المتطرفة التي تبني نفسها على قاعدة راديكالية متشددة تستهدف حقوق الإنسان والأقليات في المجتمع السوري، وتحاول صهر الجميع في بوتقة فكرها الغريب عن المجتمع السوري”.

وكانت “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” قد سمحت بقيام مراسم للمسيحين في قرية الغسانية بريف إدلب الغربي في عام 2020، لكنها عادت ومنعت الأعياد، فيقول خالد العلي: “سمحت الهيئة الإرهابية القيام بالاحتفاليات، وتزيين الأشجار وتصوير الاحتفالية، وأوعزت للصحفيين بتغطية الاحتفالية، لكنها عادت ومنعت ذلك”، ويضيف بالقول: “يبدو أن السماح بالاحتفال جاء بهدف الدعاية، لكن حقيقة المشهد هو اضطهاد المسيحيين”.
ويتابع قائلاً: “إن هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب حاولت خلال السنتين الماضيتين، تبيان أنها تعمل بطابع مدني، لكن الحقيقة منافية لذلك”.

من وجهة نظر الصحفي “خالد العلي” فإنّ سوريا في الوقت الراهن وفي المستقبل يجب أن تكون لجميع أبنائها، ويعبّر عن أسفه لما يحصل في إدلب في ظل سيطرة “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب”، ما يعطي تصوراً سيئاً عن مناطق المعارضة، بحسب تعبيره. ويقول “العلي”: “يتم تهميش المسيحين في إدلب وتحصل انتهاكات بحقهم، فهم يحرمون من الاحتفالات ومن ممارسة شعائرهم الدينية، كما يتم تهميشهم بشكل واضح من قبل السلطات المحلية، ولا يتم منحهم كامل حقوقهم داخل قراهم وبلداتهم، وللأسف هذا يشمل غالبية الأقليات”.

“عباس الأحمد” وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي ويقيم في قرية اليعقوبية في ريف إدلب الغربي (فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية)، يقول لشبكة آسو الإخبارية، إن أجواء رأس السنة لهذا العام انعدمت من الرمزية بالنسبة لمسيحيي القرية، “لم تشهد القرية احتفالات دينية، باستثناء وجود زينة بسيطة على أبواب بعض المنازل، كي لا يتم الكشف عن إظهار الطقوس، حيث الإشهار بها ربما يكلف أصحابها الاعتقال من قبل هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب”.

جهاديون يستوطنون منازل المسيحين
في قرية اليعقوبية بريف إدلب الغربي، كان السكان الأصليون من المسيحين يعيشون حياتهم بطقوسها وأفراحها وأحزانها، لكن القرية على حد وصف “عباس الأحمد” تعيش اليوم تحت رحمة أشخاص من جنسيات مختلفة من الجهاديين، بعضهم منشق عن “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب”، ويعرف عنهم التشدد أكثر من “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” نفسها، لذلك فإنّ جودهم وتفكيرهم المتشدد وتواجدهم المسيطر على القرية، يمنع المسيحين من حريتهم الدينية، على الرغم من أن عدد المسيحين لا يتجاوز عشرات الأشخاص، بعد أن تم تهجير الكثير منهم والاستيلاء على منازلهم وأراضيهم الزراعية، حيث يقوم بعض الجهاديين بزراعتها وسرقة محاصيلها.

التوزع الجغرافي للمسيحيين المتبقين في إدلب وريفها
تتوزع المناطق الجغرافية التي يقطنها المسيحيون المتبقون في إدلب وريفها كالآتي: يتواجد في مدينة إدلب نحو 70 نسمة من المسيحين وهذا رقم تقريبي لعدم توفر إحصائيات رسمية، حصلت عليه شبكة آسو الإخبارية من مصادر ميدانية على الأرض، وهم يمثلون شريحة غالبيتها من كبار السن، في حين يتوزع في كل قرى اليعقوبية والقنية والغسانية نحو 330 مسيحي، فيما تشير غالبية المصادر إلى أن عدد المسيحين في إدلب وريفها لا يتجاوز الـ 400 نسمة.

ويعيش المسيحيون في الحي الذين يقطنون فيه في إدلب، تاريخيًا، وهو يعتبر من أقدم الأحياء في المدينة، وهاجر سكانها بعد سيطرة “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” لدول مختلفة في أوربا وإلى تركيا ولبنان وغيرها، كما توجه جزء منهم داخليًا لمناطق سيطرة الحكومة السورية.

المسيحيون المتبقون يشكلون شريحة واسعة من كبار السن، حيث قرروا البقاء على اعتبار أن “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” لن تتعرض لهم، ولا تشكل تهديدًا لهم، لكن غالبيتهم يقوم بدفع الجزية المفروضة عليهم من قبل “هيئة تحرير الشام”، كما يعانون التهميش في النواحي الخدمية، فتغيب عن حي المسيحيين وقراهم الخدمات من قبل السلطات المحلية، إضافة لغياب الدعم من المنظمات الإنسانية، ويمنع عليهم منح تصاريح صحفية لأي صحفي او تغطية أوضاعهم المعيشية.

أما الكنيسة الوحيدة الموجودة في الحي التي تأسست عام 1886 إبان “الخلافة العثمانية” كانت تحتوي على مجسمات ولوحات فنية جميلة وحضارية، إضافة لمقبرة على أطرافها الغربية، لكن مع دخول الفصائل المتشددة للمدينة متمثلة بما يعرف باسم “جيش الفتح” في العام 2015 وسيطرته عليها بشكل كامل، تعرضت الكنيسة للتخريب وسرقة أثاثها ومحتوياتها الأثرية، كما تعرضت خلال المعارك لعدة ضربات جوية من قبل النظام السوري وروسيا، تسببت بتهدم جزء منها، ومنذ العام 2015 والكنيسة متوقفة بشكل كامل ولا تُقام فيها الصلوات ولا تقرع أجراسها، وعمدت “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” إلى السماح للمسيحين بأداء صلواتهم في منازلهم دون إشهارها، أما الكنيسة فيتم حالياً استثمار جزء منها كمحل تجاري وتتم سرقة عائداته من قبل الهيئة.

ويجدر الذكر بأن الأقليات الدينية في مناطق إدلب وريفها من أبناء الديانة المسيحية والموحدين الدروز، تعاني من انتهاكات وحرمان من أبسط الحقوق، وتعاني قراهم وبلداتهم من غياب جميع الخدمات وعدم حصولهم على المساعدات الإنسانية، ومنعهم من ممارسة شعائر وطقوس دياناتهم من قبل “هيـ ئة تحـ رير الشـ ام المصنفة على قوائم الإرهاب” التي تتحكم بجميع منافذ الحياة في المنطقة.