Connect with us

مدونة آسو

العيش معاً بسلام جذور تأصلت في نفوس أهالي شمال وشرق سوريا

نشر

قبل

-
حجم الخط:

إعداد: براءة محمد
تشتهر مناطق شمال وشرق سوريا بتعدد مكونات المنطقة وتنوعها مشكلة بذلك صورة عن مجتمع نموذجي بالتعايش المشترك والتعددية المتواجدة، وأخذت المنطقة ببساطتها صورة نمطية، فسميت المنطقة الشرقية، وكانت من المناطق المهمشة من قبل الدولة، حتى أن الصورة النمطية وصلت لحد اعتبارها مناطق نائية وأهلها نائيين.

لكن في الواقع جوهر المنطقة، لم يتضح فيه قيمة التنوع، فعندما تحدد مدن مختلفة في شمال وشرق سوريا، ترى في الحي الواحد، العربي والكردي والسرياني والكلدو آشوري والأرمني والإيزيدي والشركسي والتركماني والشيشاني، وأبرز المدن التي تنوعت بهده التعددية مدينة سري كانيه / رأس العين في شمال وشرق سوريا، وهي مدينة محتلة من قبل تركيا منذ عام 2019، وأهلها مهجرون، فالاحتلال دمر قيمتها بالتنوع، ففيها كانت أواصر التعايش بين المكونات، تظهر بمساندة ودعم ومساعدة الأهالي لبعضهم البعض.

أم سمير (مكون كردي)، أم محمد (مكون عربي)، وأم طارق (مكون عربي) مثال جميل للتعايش بسلام، تجمعهن مدينة واحدة، وحي واحد، وسنوات طويلة، مليئة بالاحترام والمحبة والود المتبادل، هن جارات منذ أكثر من 15 عام في قامشلو/ القامشلي وحدتهن المواقف في الفرح والحزن قبل الحرب واستمرت خلال سنوات الحرب في سوريا.

اجتمعت النسوة الثلاث كعادتهن في منزل بحي في قامشلو، يجمع مكونات مختلفة، ليتحدثن في شؤون مختلفة وهن يشربن الشاي، واليوم هن يتحدث لشبكة آسو الإخبارية عن مواقف جمعت بينهن.

تجلس أم محمد في صدر الغرفة، ممددة قدميها، وبيدها كأس الشاي مبتسمة وتقول: “عندما نكون جيران ونعيش طوال اليوم وجهًا لوجه، كنا نشعر أننا بمثابة الأهل والعائلة الواحدة، فما يجمعنا هو المحبة والتآخي، وعندما احتاج لمساعدة أم طارق في إعداد مؤونة الشتاء (المكدوس) مثلا تلبيني بكل صدر رحب وتساعدني في صناعته. وإذا ما احتجت مساعدة من أحد أبنائها أو بناتها فإنهم لا يتوانون عن مساعدتي”.

وتضيف أم محمد أنه في الأعياد يجتمعن بشكل دوري تقريبًا لصناعة الحلويات وخصوصًا “الكليجا” صناعة الكليجة طقس تشترك في صناعته النسوة لأننا نصنع منها كميات كبيرة”

تقول أم سمير: “عندما تحدث مشكلة في الحي يجتمع كبار الحي جميعًا لحل الخلاف ولا نترك مجالًا للقطيعة بيننا مهما كان حجم الخلاف”، وتتابع: “قبل الحرب عشنا حياة سعيدة مع بعضنا البعض، وبعد الحرب تغيرت ظروف الحياة وبات هم الناس الماء والكهرباء، والاستقرار والأمان”

كثيرًا ما يحدث انقطاع في شبكة المياه والكهرباء، نتقاسم الماء الموجود في الخزانات لحين توفر الماء، وكل من يملك (مولدة خاصة) في منزله يمد لجاره كهرباء لحين إصلاح أعطال كهرباء الاشتراك، تقول أم سمير، وتضيف أنه في أيام الشدة “نكون يدًا واحدة لا نتخلى عن بعض وخصوصًا أيام العزاء نهب جميعًا للوقوف إلى جانب بعضنا نتقاسم الضيوف نقدم كل ما يلزم (فرش، وطعام، وبعض الأدوات)”.

تتميز طبيعة المجتمع بالاستجابة وازاحة مقولة “لا أستطيع” بين الجيران والأهل، فتستطيع العائلة تقديم ما يتوفر لديها من قليل للأخرين، وهذه ميزة متعلقة بكرم وشهامة المجتمع.

وتستحضر أم طارق أثناء الحديث موقف أبنائها عندما توفي جارهم “أبو كرم” قائلة: “عندما سقط جارنا المريض لم يكن في منزله سوى زوجته وابنته، فركض أولادي لمساعدته، برغم الخوف من أعراض كورونا التي كانت عليه، لكنهم قاموا بإجراءات الحماية، ونقلوه إلى المستشفى، لم ننتظر قدوم أولاده واجبنا الوقوف إلى جانب بعضنا البعض”.

مزقت الحرب في سوريا أواصر المجتمعات، وأصبح الصراع يستهدف التعايش بين المكونات، الكثير من أهالي منطقة شمال وشرق سوريا، حاولوا عدم التأثر بصراع الحرب الذي يهدف لشرخ المجتمع، وعزل المجتمع عن بعضه البعض، وتقول أم طارق في حديثها “عندما تزوج أكبر أبنائي اجتمعنا وتشاركنا الفرح رقصنا ودبكنا وغنينا فكانت فرحتنا واحدة”.

ويحدث كثيرًا أن يتزاوج مكونات المنطقة بين بعضهم البعض، فترى العائلة الوالد كردي أو عربي أو شركسي أو تركماني والوالدة عربية أو كردية أو شركسية أو تركمانية.

لا نعرف متى تنتهي الحرب ولكن محبتنا لن تنهي أبدا وإن فرقت بيننا الأيام، تؤكد أم محمد في نهاية حديثها وتؤيدها إم طارق وأم سمير في ذات الموقف: “الحرب لم تؤثر على صداقتنا، بل جعلتنا أكثر محبة نحنّ على الجار أكثر، لا نعرف متى تنتهي الحرب ولكن محبتنا لن تنتهي أبداً وإن فرقت بيننا الأيام”.


ربع قرن وأم أحمد من المكون الشركسي مع آزنيف من المكون المسيحي، تعيشان في مدينة واحدة، بل في إدارة مدرسية ابتدائية، خرجا المئات من أبناء المدينة الذين أصبحوا في مهن ودراسات مختلفة، ربع قرن لم تشعرا أنهما من دين مختلف، لأن ما جمعهما الإنسانية، وعن الصداقة التي استمرت لـ 25 عام في مدينة سري كانيه/ رأس العين بين أم أحمد (مكون شركسي) مع آزنيف (مكون مسيحي) تروي أم أحمد حديث الذكريات لشبكة آسو الإخبارية: “فرقتنا الحرب رغماً عنا ولكن لم تستطيع أن تمحو ذكريات جميلة سكنت في داخلي.”

تسرد أم أحمد بعض ذكرياتها: “في إحدى المرات كنا نتجاذب أطراف الحديث وأبدت كل منا رأيها في احتفال ذكرى ميلاد الأولاد ولم أكن من أنصار هذه المناسبة بينما نحن نتحدث دخل أحمد ابني الإدارة فسألته آزنيف متى عيد مولدك؟ فأجابها أحمد ببراءة الأطفال 1 نيسان، وفي يوم 1 نيسان فوجئنا عندما قرعت ابنتها باب منزلي وهي تحمل “قالب كاتو ” ومعها هدية بمناسبة عيد ميلاد أحمد، وبقيت على هذا الحال 5 سنوات متتالية”.

كانت العلاقات الإنسانية تتعدى حدود العادات الأسرية، ولا يمكن أن تستطيع عائلة إغلاق باب منزلها بوجه عائلة أخرى، تقول أم أحمد: ذهب أبو أحمد إلى الحج ثلاث مرات وفي كل مرة تكون آزنيف أولى المهنئات تأتي وهي تحمل ضيافة الحج”

الوقوف إلى جانب بعضنا البعض في الظروف الصعبة في المدرسة كانت أهم ما يميز صداقتنا، بهذا الحديث وصفت أم أحمد مواقف حقيقية قائلة لشبكة آسو الإخبارية: “حدثت مشكلة في المدرسة بسبب معلمة غير ملتزمة بالتدريس، مستغلة دعمها من أحد المسؤولين آنذاك، فاتفقنا الذهاب إلى مديرية التربية، إما أن نقدم استقالة جماعية أو يتم معاقبة المعلمة على تقصيرها، لُبيت رغبتنا آنذاك بسبب وحدة موقفنا دون التطلع للخلفية الفكرية لكل منا” محبة ومودة سكنت حتى في قلوب الأطفال هكذا وصفت أم أحمد تعلق ابنة آزنيف الصغيرة بها: “إذا اضطرت آزنيف الخروج لأجل عمل طارئ أو حاجة ما كانت تتعلق الطفلة بي ولم يكن يتجاوز عمرها السنتين بعد”.

أم أحمد وآزنيف تعيشان كل واحدة في بلد مختلف، وبمسافات بعيدة جدًا لكن وسائل التواصل الاجتماعي تجمعهما، فتتواصلان بشكل يومي للاطمئنان على حال بعض.

لا تزال الذكريات الجميلة عالقة في مخيلة جوان “اسم مستعار” (مكون كردي) الذي أجبرته الحرب على النزوح وترك مدينته سري كانيه التي عاش فيها أجمل أيام حياته فهي شكلت بالنسبة له مزيج متجانس بكافة أطيافها يتحدث لشبكة آسو الإخبارية: “عشنا قرابة 17 عام جيران وأصدقاء في حي مسيحي بمدينة سري كانيه، لم نكتفي بالعلاقة في الحي فقط، بل في المدرسة، حيث كانت مدارس تعود لكنائس السريان والكاثوليك والأرمن في المدينة، لديها مدارس خاصة، يدرس فيها جميع مكونات المدينة من كرد وعرب وسريان وآشوريين وشركس وشيشان وإيزيدين وتركمان، كان نموذج حي الكنائس يرسخ رمزية في عدة جوانب بالمدينة.

من ناحية السوق، فشارع الكنائس كما يتداول أو شارع الحرية بمسماه، كان من بدايته حتى نهايته، يلاحظ فيها محال تعود لأشخاص من مختلف المكونات، هذا ما كان يميز المدينة عن سواها، ويميزنا في ترسيخ قيم التعايش المشترك، وفي الأحياء التابعة للشارع ويتواجد فيها المنازل، كانت المنازل برغم غالبيتها المسيحية لكن يعيش فيها أهالي من مكونات أخرى، فمثلا بأحد الأحياء يتواجد شارع بكثافة عربية، وحي أخر بكثافة شيشانية، وهكذا تتعدد مكونات المدينة وتختلف من حيث الانتماءات، لكن جميعها يشترك بوحدة الحال والإنسانية، وقيم التسامح والسلام والعيش المشترك.

الأسماء هي التي دلت على خلفية كل إنسان لم نفكر يوما لماذا نختلف في التسميات التي تعود للعقيدة طالما هناك قيمة إنسانية تجمعنا عندما كنا نلعب في الحي أو المدرسة، كانت الأسماء تدل على خلفية كل إنسان، لكن لم نفكر يوم لماذا نختلف في الأسماء التي تعود للعقيدة، طالما أن الجميع يدرك أن هناك قيمة إنسانية تجمع الجميع، وأن التسميات بالأساس هي احترام لخصوصية كل فئة لكن لا تتعدى أن تصبح خلاف، ففي حصص الديانة الإسلامية والمسيحية كان المسلمون والمسيحيون يذهب كل منهم لدراسة ديانته، هذا لم يشكل عائق، وفي درس اللغة السريانية الأسبوعي كان يحق لجميع الطلبة الحضور، أي العيش في مساحة آمنة لا فرض فيها سوى الفروض التي كانت تنتجها السلطة باستبدادها تجاه مكون على حساب أخر، لكن نحن هنا نشير للعلاقات الاجتماعية في مدينة صغيرة لربما تمثل سوريا ككل، في حال استعيدت من الاحتلال.”

أما عن المواقف التي وحدتهم كأبناء مدينة واحدة متعددة الأطياف يحاول أن يستجمع بعض المواقف فهي كثيرة لا يمكن جمعها في كلمات يتابع حديثه: “لم يكن هناك أي موقف يحيج أحد للأخر، فيكفي أن يعلن جار لجيرانه عن طلب المساعدة، حتى يجتمع الرجال وكذلك النساء، اذكر في مواسم المؤونة على سبيل المثال، تساعد النسوة بعضهن البعض، يجتمعن في المنزل الذي يقوم بتحضير المؤونة والجميع يساعد في صناعة المربى وغيرها من المؤن، حتى أن والدتي التي كانت تتقن صناعة المؤون بشكل جيد، كانت تقوم بعمل المؤون لغالبية نساء الحي.

في يوم من الأيام حصل أن جرح أحد أصدقاءنا وهو سرياني، ولم ننتظر آنذاك أن يصل اقربائه، فكان لأحد الجيران من ديانة أخرى القيام بالواجب، وفي أعياد السريان والكلدو آشوريين، هناك طقس لإعداد البيض الملون، كانت والدتي أيضًا تقوم بإعداد البيض الملون لنا، “كنا نقوم بلعبة تتعلق بالبيض عبر كسر البيض من يكسر بيضة الأخر يفوز، فيحصل على البيضة المكسورة، لم يكن الهدف الطمع بالفوز بقدر المشاركة في هذا الحدث والاستمتاع”.

حيث العلاقة والصداقة والاخوة لم تؤثر لكن شتت الجميع وبالنهاية الحرب والصراعات والاحتلال عمل ويعمل لتفريق المجتمع، لكن في النهاية ما يجمع مكونات المجتمع في المنطقة عبر السلام والتأخي والتعددية يشكل صورة لمستقبل أفضل.