Connect with us

مدونة آسو

هل يكون “الطب الشعبي” بديلاً لذوي الدخل المحدود في شمال شرق سوريا؟

نشر

قبل

-
حجم الخط:

آفين علو
هذه المادة من نتاج دورة تدريب القصة الصحفية في مركز فينيقيا، بالتعاون مع شبكة آسو الإخبارية

لبُرهةٍ، حدق من نافذة السرفيس نحو السماء، بعدها جال بنظراته المتعبة بين الركاب، أخيراً استسلم لحضن أمه الدافئ. حجمه الصغير وملامحه البريئة، يوهمان أن عمره لم يتجاوز الثانية، لكن الحقيقة غير ذلك.

محمد ذو السبع سنوات، طفل مصاب بمرض “الضمور العضلي” منذ ولادته، ويحتاج علاجاً فيزيائياً طويلاً، ولأن إمكانات عائلته المادية، محدودة، لجأت والدته، كحال كثيرين مؤخراً، إلى ما تصفه بـ “الطب الشعبي”، بعد عجزها عن تغطية نفقات معالجته لدى أطباء مختصين.

تقول شرمين، أم محمد، إنها لجأت إلى سيدة تدعى إيمان، “كانت قد ورثت الطب الشعبي عن أبيها، المتوفى مؤخراً”، وكل أملها، أن تكحل ناظريها بابنها سالماً معافى على يد إيمان، لكن ما حدث هو أنها قامت بثقب أذني ابنها، من دون أن يكون لذلك جدوى.

إلهام قاسم، سيدة ستينية، هي الأخرى كانت من ضحايا التداوي بخلطات “الطب الشعبي” عقب احتراق جسدها في حادثة حريق شب في منزل عائلتها، قبل مدة.

تقول “قاسم” إنها لم تكتفِ بالأدوية التي وصفها الطبيب لها، بل لجأت أيضا إلى التداوي بـ “الطب الشعبي” على أمل أن يخفف بعضاً من آثار الحروق على جسدها.

منذ نحو عشر سنوات، لم يتوقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، ما أدى لارتفاع تدريجي لتكاليف كل ما يرتبط بالطبابة والتداوي؛ بدأ بارتفاع أسعار الأدوية، ولم تتوقف عند تعرفة معاينات الأطباء أو العمليات الجراحية.

وسط هذه الظروف، يدفع ضيق ذات اليد، كثيرين، للجوء إلى ما يعرف بـ “الطب الشعبي”، إلا أنهم غالباً ما يتكبدون تكاليف إضافية، دون أن يكون لديهم فرصة للشفاء.

العلاج بالأعشاب
في محله الصغير، وسط مدينة الدرباسية، شمال شرقي سوريا، يزن بهاء الدين عبد القادر، الأربعيني، كمية من التوابل لأحد زبائنه، وقد اعتاد منذ سنوات، توفير بعض خلطات الأعشاب للمحتاجين من زبائنه.

في تلك الفسحة الصغيرة، تتوزع أصناف عديدة من الأعشاب والبذور في أكياس على أرضية المحل، بينما تصطف عشرات علب التوابل على الرفوف، بألوان تلفت الأنظار، وروائح زكية تلفح المارين في الجوار.

يقول بهاء الدين: “ابيع خلطات طبيعية لزبائني منذ سنوات، ولم اتلقَ أية شكوى حتى الآن”، ويضيف البائع لشبكة آسو الإخبارية: “حريص على عدم وصف أية أنواع من الأعشاب للنساء الحوامل، لأن ذلك قد يشكل خطراً عليهن”.

في حزيران من العام 2022 افتتح، مركز “نينورساغ” للطب الطبيعي والدعم النفسي في مدينة قامشلو / القامشلي. وأعلن المركز لدى افتتاحه أنه يتكون من “قسم الأعشاب والطاقة، والعلاج الطبيعي النفسي”.

تواصلت “شبكة آسو الإخبارية” على رقم خاص بإدارة المركز لتستوضح أكثر عن طبيعة عمله، فكأنت الإجابة: “نعتمد في مركزنا، على الطرق العلمية وعلى ما ورثناه من أجدادنا، مع مساعدة مهندسين زراعيين”.

وبحسب المركز، فإن لكل مرض عشبة خاصة، وقد تفيد عشبة في معالجة عدد من الأمراض، فيما تُخلط عدة أعشاب مع بعضها لمعالجة مرض ما، وتختلف طرق التداوي بالأعشاب، بين نقعها مع الماء أو تناولها كالحبوب أو استنشاقها أو دهنها موضعياً.

ويعتبر المركز أنه “من الممكن أن تختلف المسميات بين منطقة وأخرى، إلا أنها جميعا تعود لشيء واحد هو الطب الطبيعي”.

وترى إدارة مركز “نينورساغ” إن “الطب الكيميائي الموجود حالياً لا يعادل، مثقال ذرة من بحر الطب الطبيعي، كما أن الطب الطبيعي معالج بينما الطب الكيميائي معالج جزئي ويعتمد بشكل كبير على مسكنات الألم، وقد يكون الطب الكيميائي سريع المفعول، بينما الطبيعي تدريجي”.

ويرى المركز أن “كلمة علمية تعني أنها مجربة ونتيجتها إيجابية، وليس بمعنى ما هو متعارف في مجتمعنا من أن الطب الحديث يعترف به أم لا، ذلك أن الطب الكيميائي التقليدي الموجود حالياً لا يعترف بالطب الطبيعي وينكره ويرفضه، لأنه يتعارض مع مصالح من يستفيدون منه”، في إشارة إلى شركات الأدوية العالمية.

ويرى المركز أن: “الطب الطبيعي لا ينكر الطب الكيميائي، بل يعتبره متمم له. وفي حين قد يحتاج المرض المزمن إلى التدخل السريع، هناك أمراض تحتاج للعلاج الروحاني والنفسي، ولذا قد يكون علاجه بالطاقة والهواء النقي الطبيعي والموسيقى، والتأمل”.

النتائج والآثار؟
من عيادته وسط مدينة قامشلو يتحدث أخصائي الجلدية الدكتور “حسن خليفة”، عما قد يتسبب به الاستخدام الموضعي لبعض الأعشاب، لمعالجة آلام المفاصل أو الظهر، وكيف أنها قد “تؤدي الى التهاب جلد تخريشي أو أرجي، قد يترافق مع ضيق في التنفس”.

ويضيف الطبيب، بناء على خبرته الممتدة لعقود: “من التأثيرات الجانبية لاستخدام بعض الأعشاب الطبية عن طريق الفم: احتقان الأنف، سعال، نعاس، دوخة، دوار، عدم انتظام ضربات القلب، نقص شهية، جفاف فم، اضطرابات هضمية (إسهال، إمساك)، آلام بطنية، حكة معممة، هلوسة وغيرها”.

يتذكر “خليفة” بعض الحالات التي انتهت إلى الوفاة بعد استعمال المرضى “خلطات أعشاب تسببت بحالات تسمم غذائي”.

تعليق رسمي
يصف الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا، جوان مصطفى، “الطب الشعبي” بـ “التكميلي”، مضيفاً أن “هيئة الصحة تدرك يقيناً بأن هذا النوع من الطب لا يُستخف به، وهو موجود في أغلب بلدان العالم، ويتزايد الطلب عليه”.

ويشدد “مصطفى” على أهمية “استنباط أسلوب متماسك ومتكامل يتيح الحصول على خدمات هذا النوع من الطب، بطريقة آمنة وعالية المردود، وبأقل الخسائر الممكنة”، على حد تعبيره.

وينفي المسؤول في الإدارة الذاتية، تلقيهم لأية شكاوى جراء استخدام خلطات الأعشاب أو اللجوء لـ “لطب الشعبي”، بينما يشير إلى وجود بعض البلدان التي بادرت “للقبول تدريجياً بتعزيز الاندماج الملائم للطب الشعبي في منظومتها الطبية”.

ويتحدث “مصطفى” عما يصفه بـ “ضرورة وجود استراتيجية تعزز الاندماج الملائم لهذه الخدمات الطبية وتنظيمها والإشراف عليها في شمال وشرق سوريا”. ولا توجد أرقام حول عدد العاملين في مجال “الطب الشعبي” أو نسبة الذين يلجؤون إليه في شمال شرق سوريا، كما لا تتوفر معايير للتمييز بين من يمارسون الطب الشعبي التقليدي، ومن يستغلون حاجة الناس لممارسة الاحتيال باسم الطب الشعبي.

وقد تسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، خلال السنوات الماضية في تزايد الطلب على الطب التقليدي بين شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود، وتشير تقارير صحفية إلى تزايد حالات الاحتيال من جانب أشخاص يدعون ممارسة المعالجة بالأعشاب أو بالطب العربي.

من المتوقع أن يلجأ كثيرون، كحال إلهام وأم محمد، إلى الطب الشعبي، على أمل أن يكون بديلاً، يخفف تكاليف العلاج الباهظة، وسط استمرار الأزمة الاقتصادية في البلاد. فيما لا تزال تجربة مراكز المعالجة بالأعشاب أو الطب الطبيعي، محدودة وفي بدايتها، ومن المبكر ربما، الحديث عن نتائج، قبل تقييمها.