Connect with us

أخبار وتقارير

مدخل لمواجهة خطاب الكراهية ومحاربة الاستقطاب

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

شفان إبراهيم
ماعاد كافٍ القول إن ثمة خطابٌ يقودنا للكراهية، أو أن مضامين إعلامية تحمل أفكاراً أو خُطبَ كراهية؛ فهذا الأمر أصبح “كتحصيل حاصل” الكُل يدركه ويفهمه ويعيه؛ نتيجة تفكك المجتمعات وتفسخ القيم الأخلاقية بسبب الحرب والإرهاب والمشاهدات الإعلامية لسفك الدماء والقتل على الهويّة وغيرها.

لكن المشكلة إن ليس الكل يجد في نفسه القدرة أو الرغبة، والأكثر سوءً المبادرة واللزومية لمواجهة هذا الخطاب الذي هو في متنه وصُلبه دمارٌ شامل، لا يقل خطراً عن التنظيمات العنفية والتدميرية. لذلك لابد من استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذه الظاهرة انطلاقاً من الجذور وصولاً إلى إبعاد المجتمع عنها، عبر خطاب موازٍ ومضاد لخطاب الكراهية، وتطبيقات عملية، تُحسن من فهم خطاب الكراهية وآليات الاستقطاب الحاد الهادفة لتحريك السلوكيات صوب قضايا تؤثر على المجتمعات، وتفيد أصحاب ذلك الخطاب من أحزاب، صحافة، دول، مؤسسات ومنظمات مختلفة.

وربما تكون المناهج والتلفاز والجرائد والمجتمع المدني وشركات التكنولوجيا وأجهزة مكافحة الإرهاب في الحكومات الرسمية أبرز تلك الاستراتيجيات التي تلعب دوراً في تحديد وإعداد برامج تشخص وتعالج حوافز خطاب الكراهية واسبابه الحركية.

مشكلة الخلط بين حرية التعبير وخطاب الكراهية
ولعل أبرز مشكلة جوهرية في خطاب الكراهية وسبل معالجته، هو في تحديد ماهيّة خطاب الكراهية، فهل هو نابع من تجارب شخصية أو ذاتي التوجه يصعب السيطرة عليه وتحديده، هل للتراكم والإرث التاريخي السابق دور في تحريك ذلك الخطاب والتأسيس له، وما دور ذلك الخطاب في وأد حرية التعبير وقمعه.

المشكلة إن لا تعريف جامع مانع قانوني دولي لخطاب الكراهية، وما ينطوي عليه من الفاظ ومرادفات وتعابير وتوجهات، تشكل للبعض خطاب كراهية ومحاولة استقطاب الناس -على شاكلة الحشد والمناصرة- لتوجيههم صوب قضية أو جهة أو شخص ما، وهو سلوك يعتبر أمر طبيعي ضمن سياسات الفاعلين والحاملين لخطاب الكراهية والداعيين إليه تحت ستار حرية التعبير أو الظروف أو الحق.

ورغم أن الأمم المتحدة عرفت خطاب الكراهية إنه “أيّ نوع من التواصل الشفهيّ أو الخطيّ أو السلوكيّ، ينطوي على تهجّم أو يستخدم لغة سلبيّة أو تمييزيّة عند الإشارة إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس هويّتهم، أيّ على أساس دينهم أو عنصرهم أو جنسيّتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أيّ عامل أخر يحدّدهم” لكنه التعريف الذي لم يتحول لقانون، بل استخدم للجم حرية التعبير من قبل الكثير من الجهات، واداة للتشهير وتأمين الانقسامات من قبل جهات أخرى، وتوفير حمولة مطلوبة للتعصب والكراهية وتعاظمهما تحت ستار حرية التعبير والرأي.

وفي ذلك أعتقد أن الحل هو بعدم الخلط بين الجانبين المتنافرين المتباغضين والمتباعدين، حرية التعبير وخطاب الكراهية، لإن مكافحة خطاب الكراهية لا يجب أن يقيد حرية التعبير أو يمنحه سلطة التشهير، بل وضع حدود أمام خطاب الكراهية كي لا يتمدد لمراحل أخطر، خاصة وإن خطاب الكراهية الهادف للاستقطاب لتحقيق فكرة وسلوك شعبي -فردي معين، هي المرحلة التي تسبق مرحلة التحريض على العداء والعنف والتمييز العنصري وتحفيز سلوك القتل أو التشهير، وهي محطات وممارسات حظرها القانون الدوليّ.

تعبئة مجتمعية لمواجهة خطاب الكراهية ونماذج كارثية
الواضح أن أخصب بيئة لانتشار الكراهية والاستقطاب الحاد المفضي لمشاكل وكوارث مجتمعية، هي الحروب والمجتمعات التي تعاني من الأزمات والخلافات السياسية والتي تتسبب بالانشقاق المجتمعي.

لذا فإن الحاجة تكبر لمفاعيل معاكسة لمروجات الكراهية، كي تعتمدها المجتمعات في مكافحتها لخطاب الكراهية وتأثيراتها التي تبقى لأجيال لاحقة.

ربما أهمها تمكين القواعد الاجتماعية من المواجهة المباشرة ضد خطاب الكراهية والانقسامات التي تحققها، عبر منحهم هوامش كبيرة في الإعلام خاصة. عادة ما تتحمل الدولة مسؤولية المواجهة وتطبيق البرامج والسياسيات الرامية لعجم التمييز، والدمج المجتمعي، لكن هذه تحتاج إلى مناخات للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات والقوميات، إضافة إلى الاستقرار الأمني والاقتصادي.

في أوربا قضى 6 مليون يهودي في محارق، وقتل مليون شخص في أقل من ثلاث أشهر في راوندا بسبب هويتهم التوتسي، ولم تكن ميانمار افضل حالاً، حيث هرب قرابة 750 ألف من الروهينغا من بلدهم إلى بنغلادش بسبب العنف الذي واجهوه في بلادهم، وهجرة وتهجير وتشريد قرابة 10 مليون سوري نتيجة الحرب والعنف، ودوماً ما يسبق العنف خطاب كراهية واستقطاب مع أو ضد.

لكن في حالة مثل سوريا والمنطقة الكردية وحالة الانقسام المزمن سواء ضمن المجتمع السوري، أو المجتمع الكردي الداخلي، أو المجتمع العام في المنطقة الكردية، وتسبب الفواعل السياسيين باستقطابات حادة وبلورة خطاب إن لم يكن كراهية فهو خطاب قريب من القطيعة المجتمعية، فإن وسائل الإعلام ورجال الدين المعتدلين عبر خطب الجوامع، والصحفيين والإعلاميين والمدرسين والكتّاب والباحثين يتحملون المسؤولية المباشرة لمواجهة النتائج الكارثية لخطاب الكراهية، وأول خطوة في سبيل ذلك هو الاشتغال على أن التنوع غنى وليس تهديد، وإن الهويات المتنافرة يمكن لها أن تتآلف وتتآزر وليس بالضرورة أن تتقاتل وتتباغض، وثاني الخطوات تضمين الدساتير مواد قانونية تجرم الكراهية، وثالثتها الاعتماد على المجالس العشائرية في حالات الفوضى والنزاعات التي لا تفضي إلى هياكل حكومية رصينة وواضحة المعالم والهويّة.
وللحديث تتمة

*الصورة من النت