Connect with us

مدونة آسو

تماسك الفسيفساء السوري وخطاب الكراهية ضدان لا يلتقيان

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

عزالدين ملا
مما لا شك فيه أن المجتمعات البشرية تسير وفق البيئة والثقافة التي يعيش فيها، ومن خلالها يتحرك الكتل البشرية في التعامل والتواصل، وما خطاب الكراهية إلا حالة من تلك التراكمات الحالاتية التي حددتها وبنتها ثقافة تلك المجتمعات.

هذه الثقافة أحدثتها الحكومات والمؤسسات وحتى الأحزاب بكافة أشكالها وأيديولوجياتها لإحداث فجوة بين الفئات أو الجماعات وحتى المكونات وسهولة التحكم والسيطرة بمصائرهم ونهب ثرواتهم، وأكثر المناطق تضرراً وتمسكاً إن كان بإرادتهم أو دون إرادتهم بتلك الثقافة، وهناك أدوات عديدة لنشر ثقافة الكراهية وأهمها التشويه والتجويع.

وفي وقت ونحن نتسارع جنباً إلى جنب مع السرعة والتطور التكنولوجي وهذا الكم الهائل من وسائل التواصل الإجتماعي والمعلومات والتي تتخطى حدود العقل والخيال، مازال العنصر البشري يتخبط في مستنقع الكراهية والحقد، وما يلاحظ أنها ازدادت أضعاف مضاعفة عمّا كانت عليه في الماضي، ومن البديهي أن يكون هناك ارتباط وثيق بين الكم الهائل من المعلومات والتكنولوجيا وضخامة خطاب الكراهية في العالم وضخامتها في الشرق المريض إن أدقنا التعبير، والذي بدوره أدى إلى انتشار الفوضى والنزاعات، منها ما يتعلق بالعرق أو القومية أو الدين وكذلك ما يتعلق بالموروث الجمعي على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم.

ما أود أن اذكره هنا، مثال حي لِما حدث ويحدث في سوريا والذي يمكن اسقاطه على كل شعوب العالم.

الوقوع في فخ النظام وتصديق ما كان يروجه من خطابات الكراهية والتشويه

ان إتباع النظام السوري سياسة إحداث الخلل في المجتمع السوري وذلك لإمكانية السيطرة والنهب، وكانت لغة خطاب الكراهية الممارسة من قبله والعزف على وتر العاطفة القومية والدينية العربية من أكثر الأمور استخداماً لديه، ونجح في ذلك بإحداث شرخ واسع بين المكونين الرئيسيين العربي والكوردي.

فالخطاب الشوفيني والعنصري الممارس ضد المخالف لسياسة النظام من المكونات الأخرى المتعايشة في المجتمع السوري، وأخص ذكره هنا، المكون الكوردي الذي عانى مختلف صنوف الترهيب والترويع، تحت يافطة أن هؤلاء غير مرغوبين بهم في البلاد، كل ذلك من خلال إعلام النظام الموجه على تحريض المكونات الأخرى عن طريق خطابات الكراهية واللعب على أوتار العاطفة الجمعية بتأليبهم والتلاعب بالعبارات، على سبيل المثال، الكورد يطالبون بدولة مستقلة، الكورد سبب الأوضاع المعاشية السورية المزرية، الكورد هم حلفاء اسرائيل، إذا أصبحوا دولة ستكون اسرائيل الثانية. هكذا دفعوا بالمكون العربي إلى اتخاذ مواقف سلبية من الكورد، وبذلك أحدث شرخاً عميقاً الذي قصم ظهر السوريين. بالمقابل، هذا الموقف دفع المكون الكوردي بالتقوقع على نفسه وعدم التواصل والإتصال مع الآخر الذي اختلف معه دون أن يبحث عن سبب اختلافه، وأيضاً أدى إلى عدم إعتراف البعض من الكورد بكورديته وخاصة في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، ومن الممارسات الأخرى التي عمّقت التباعد هو حرمان نصف مليون كوردي من حقوقه المدنية والسياسية بعدم اعطائه المواطنة السورية، ولم يُبادر الأخ العربي الذي لم يتعاطف أو المحاولة بمطالبة النظام بالرجوع عن القرار الخاطئ وأن ذاك الأخ الكوردي هو شريكه في الوطن والمواطنة السورية، بل على العكس، وقع في فخ النظام وصدق ما كان يروجه من خطابات التشويه والمغالطات في حق الكوردي، مما زاد التنافر والأحقاد بين المكونين.

استمرَّ الوضع هكذا إلى أن قامت الثورة أو بالأحرى الأزمة السورية، ولمصداقية الحديث، حدث انفتاح بين الكورد والعرب ولكن بشكل خجول في عام 2005 تحت اسم إعلان دمشق، والذي واجهه النظام بالعصي والرصاص.

انتفاضة 2004 في مدينة القامشلي من نتائج خطابات الأحقاد والكراهية
بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، امتدت تداعياتها السياسية والعاطفية إلى خارج العراق، وخاصة إلى سوريا، بما أن الشعوب الشرق الأوسطية عاطفية بالدرجة الأولى، فكان هناك من يُلقي باللوم على الكورد في العراق على أنهم من كانوا وراء اسقاط النظام العراقي، دون البحث عن كل جوانب السقوط، وبدأت عبارات شحن شعوب المنطقة بخطابات كراهية ضد الكورد بأنهم من جلبوا الأمريكان إلى المنطقة، الكورد يطالبون بدولة وهكذا. كل هذه العبارات التي تدغدغ مشاعر العنصرية والشوفينية التي تم غرسها خلال سنوات حكم البعث. ولم يكلف شعوب المنطقة أنفسهم بالبحث عن سبب سقوطه، وأن سبب سقوطه هو النظام نفسه.

وفي هذا التوقيت الحساس والجو المشحون كانت ستجري مباراة بين منتخب الجهاد ومنتخب الفتوة في مدينة القامشلي، حيث حضر جمهور الفتوة من دير الزور للمبارات، ونتيجة الشعارات التحريضية من قبلهم ضد الكورد وزعماء الكورد حدث تضارب بين الجمهورين أدى إلى تدخل الأمن السوري والذي بدوره وقف إلى جانب الجمهور القادم من مدينة الديرالزور، وهذا بحد ذاته تصرف يبعث على التحريض والكره، لا أريد الخوض في تفاصيل تلك الأحداث ولكن ما يهمني السبب الذي أدى إلى حدوث الانتفاضة، وهي الخطابات التحريضية التي مارستها الأنظمة المستبدة لتأليب المكونات على بعضها البعض وإحداث شروخ وأمراض مجتمعية من حقد وكره ضد بعضهم البعض. إذاً، فالصورة الخاطئة عن الآخر، والخوف من المنافسة، والتصور أن الآخر هـو ضـدك أو عـدوك، والثقافـة والتربيـة والتعليم وكيفية قراءة التاريخ، فهناك كثير مــن الشعوب تظل أسرى لأحداث التاريخ والإعلام وغيااب المعلومة، كثير من المواقف تبنـى علـى أسـاس الأفكار المسبقة، وهذا ما حدث في انتقاضة القامشلي.

الثورة السورية (الأزمة) واستفحال خطاب الكراهية
بدأت الثورة السورية في صورتها العفوية السلمية بعد أن نال غضب شعبي مما جرى بحق أطفال درعا، هذا الانفجار الثوري جاء نتيجة تراكمات الظلم واستبداد النظام بحق الشعب السوري. كانت الشعارات عفوية توحي بالخطاب الإيجابي من واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، وحرية حرية حرية. ولكن سرعان ما غابت تلك السلمية وطغت لغة السلاح مما خلق مناخاً لعودة خطاب الكراهية بشكل أعمق وأشرس، وخاصة بعد أن انشقَّ العديد من الضباط الذين كانوا يمارسون لغة وأسلوب الحقد والكراهية في حضن النظام، مارسوا ذاك الأسلوب من جهة المعارضة فكانت بداية الشرخ الأعمق، وخاصة عندما ازداد عدد النازحين والمهاجرين، فتحول خطاب الكراهية إلى نوع آخر، والذي لعب على هذا الوتر هم النظام وأدواته عن طريق فروعه الأمنية.

وحدث شرخ كبير بين النازحين وأصحابها الأصليين، فإزداد الحقد والضغينة، وحصلت مناوشات عديدة بين الطرفين وفي مناطق كثيرة، وأكثر تلك المناطق تضرراً بـ “خطابات الكراهية” هي منطقة عفرين وسري كانية (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض)، فكانت الميليشيات والفصائل المسلحة يثيرون النعرات الطائفية والأحقاد بين النازحين والكورد أصحاب الأرض الأصليين، ما دفع النارحين في كثير من الأحيان بالهجوم على منازل الكورد والاستيلاء عليها بفتاوي بعيدة كل البُعدعن المنطق الاسلامي، وتفسير الآيات القرآنية على مزاجيتهم وأهوائهم، وكانوا يروّجون، أن أموالهم ونساؤهم حلٌّ لكم.

هذا الخطاب فتح جرحاً عميقاً في قلوب الكورد أعمق مما كان عليه في زمن النظام. ومنه، أن هذا الخطــاب الــذي لا يرحــب بالآخر، ولا يظهــر الجانب الإيجابي له أو إمكانية التعايش أو التعامل معه، ويُسمّي الآخر بالشـرور والأعمـال السـيئة ويدعو دائمـاً إلى الحذر منه وعدم تقبله وطرده وحتى في كثير من الأحيان قتله، وحدثت تجاوزات كثيرة من خطف واعتقال وقتل وبحجج غير منطقية، فقط لإشباع غريزة الكره والحقد لديه.

جبهة النصرة وداعش والجهاد ضد الكفر
عندما دخلت جبهة النصرة وكذلك خلال سنوات داعش إلى القرى الكوردية في الجزيرة السورية ومن خلال ما روته نسوة كورد في تلك القرى، وكان خلال شهر رمضان وعند دخولهم منازل الكورد تفاجؤوا بوجود القرآن الكريم معلقاً على الحائط، سأل الساكنين أنتم كورد قالوا: نعم، قالوا إذاً لماذا هذا القرآن معلقاً في منازلكم، قالوا هذا كتاب الله أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونحن مسلمون، قالوا: أنتم تصلون وتصومون وتقرؤون القرآن، قالوا نعم، هنا قال أميرهم وعلامات الدهشة والإستغراب على وجوههم، نحن أتينا لمحاربتكم على أساس أنتم كفّار وجئنا من أجل تخليص الإنسانية من شروركم وكفركم.

خطاب الكراهية التي زرعته الأنظمة المستبدة والغاصبة والشوفينية في عقول هؤلاء، خلق لديهم كُرهاً للكورد على أنهم كفّار وهذا أيضاً انطبق على الإيزيديين في شنكال وما حصل فيها من مجازر نتيجة تلك خطابات الكراهية.

التدابير اللازمة لقطع “صفعات كفّ” خطابات الكراهية
إن السبب الأساسي الكامن في هذه الكراهية، أكثرها الجهل وقلة الفهم. وهنا نحن بحاجة إلى إتخاذ تدابير معينة مثل، تعليم أفضل ومساحات أوسع للنقاش المفتوح والمتين فضلاً عن إعلام يتميز بالتنوع والتعددية ويعطي تمثيلاً أفضل لجميع التيارات في المجتمع ولاسيما هؤلاء الذين يتعرضون للتهميش عادة. وأيضاً توعية المواطنين وتعزيز القدرة على التحمل والاعتراض على هكذا أساليب.

وفتح آفاق لحرية التعبير على بناء المعرفة من خلال تبادل الأفكار والآراء. وتكوين مساحات للنقاش المفتوح والتحاور يسمح بتكوين فهم لبعضهم البعض وإدراك قيمة الأمور المشتركة التي تجمعهم وتلك التي تميزّهم وتجعلهم مختلفين عن بعضهم البعض.

تماسك الفسيفساء السوري يُلغي خطاب الكراهية
وعليه، يتم فهم كافة المكونات السورية لبعضهم البعض، ومعرفة أهمية الفسيفساء السوري في رفعة الوطن السوري وتقدمه، وأن كثرة المكونات من كورد وعرب وأشور وسريان ودروز وعلويين تعطي سوريا حباً وجمالاً ورونقاً مشرقاً، فإتحاد الفسيفساء السوري يُلغي جميع خطابات الكراهية والأحقاد.

*الصورة من النت