Connect with us

مدونة آسو

لوثة الكراهية

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

صباح حمو

“نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا” بيت من الشعر آلمني بحقيقته وصدق معناه، ما دفعني وحفزني إلى الخوض والغوص في أعماق الذات، ذات الإنسان، هذا الكائن الفريد من نوعه، الجميل والقبيح بأفعاله، المحب والكاره بمشاعره.

لذلك لا نخطئ ولا نجافي الحقيقة، حين نؤمن أشد الايمان، بأن الإنسان الذي يولد يحمل معه وبين خلاياه بذرة فناه.

إن دل هذا على شيء، لا يدل إلا على جبرية التناقض في الإنسان، فالإنسان الذي وُجد على وجه البسيطة، لغاية إعمار هذه الأرض، حتى يكون مفتاح باب السعادة والتكافل بين البشر، هو نفسه الأبلغ والأقدر على تخريبها.

ومن المؤكد أن الفناء الذي ذكرته أعلاه عند ولادة الإنسان لا يقتصر على الفناء الفيزيائي، بل يتعدى و يتجاوز حدود المادة الجامدة، إلى ما هو أبعد وأدق وأعمق منها، إلى حدود الروح، المعنى، الشعور والإحساس، بإعتبارها المحرض الرئيس والمحرك الأساس في تحديد وجهة الإنسان، إما نحو الخير الأسمى وبناء المعمورة بالتعاون والمحبة والألفة بين الناس أو زيادة النزعة الفردية وفتح الأبواب أمام عاطفة الكره، فيستحيل الخير شراً وعدماً وزوالاً معنوياً.

طبعاً هذا الفناء والتخريب لا يحصل إن لم تتلبد أحاسيس الإنسان بعد إن كان لا مبالياً، لا يتأثر ولا يكترث لفعل شي ولم ينفعل إزاء أي معضلة او مشكلة بسيطة كانت أو معقدة.

بالتالي تكمن خطورة اللامبالاة التي تُعتبر أم الصمت. و الصمت هو السلاح الخفي في كل الجرائم (الطغيان، التعصب، الكره…).

ولمعالجة هذه الحالة لا بدَّ من العودة إلى القاعدة إلى القاع، عندئذ لن تتفاجئ بظهور الكراهية، الكثير من الكره، فالكراهية في نهاية المطاف شعور إنساني يمتلكه أي إنسان ولو كان على تفاوت لأنه كائنٌ بشريٌّ وليس إلهاً معصوماً عن الخطأ.

وملف الكراهية والحقد من أهم الملفات حساسية وخطورة لما له من مآلات وتداعيات على مستقبل البشرية وعلى حياة أبنائنا.

بالرغم من ذلك يجب الإدراك أن الإنسان لا يولد ومعه شعور الكراهية، فالطفل الصغير لا يكره ولا يبغض، وهو يتودد للصغير والكبير، ما يذكرني بمقولة المفكر والفيلسوف جان جاك روسو الذي قال: الإنسان ولد طيباً بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده.

اذاً نحن من ننمّي ونعشعش ونؤسس للكراهية، للبغضاء، لإقصاء وإبعاد الأخرين ثم قتلهم وذبحهم.

وكل داعيٍّ للكراهية للحقد إن كان دينياً أو لا دينياً حتى وإن كان دون معتقد، إنسان مريض مفطور على سفك الدماء محب للخراب والتدمير. فالكراهية هي القتل بالإمكان (الاستعداد للقتل) كما قال الفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيجا إي جاسيت، قد تتحول إلى القتل بالفعل.

وهكذا تدور الدوائر جريمة تتغذى على جريمة وجريمة تقتات على أخرى وجريمة تلتهم جريمة أخرى.

ففي علم النفس كل المشاعر السلبية على رأسها الكراهية والضغينة من شأنها أن تجذب نظراءها بمعنى الكره لا يستدعي الحب والألفة بل يستدعي الطغيان، السطوة، النميمة، الشح.
.
وحين نتحدث عن الكراهية لا بدَّ من التذكير أن الكراهية نوعان، فردي وجمعي او شمولي.

والكراهية الفردية يستخدمها ويمتلكها كل إنسان ومن الصعوبة الإفلات منها. و يبدأ هذا الشعور من الإنسان ذاته، حين يكره نفسه، ويتبع بكره غيره وهنا يظهر العنف التعويضي فتولد معه أولى بذور الأنانية التي تعتبر أفة الأفات.

على الرغم من خطورة هذا النوع من الكراهية إلا أن تفتيته لا يحتاج إلى ذلك المجهود الكبير، فعندما يعي الإنسان أن ذاته المنبع لهذا الشعور الفردي ثم يبدأ بالتحكم بها وذلك كلما أيقن إن كل الأشخاص هم اخوة، أصدقاء، أحباء له، يُخفف هذا الشعور وبالتالي نتخلص منه.

أما الكراهية الجمعية أو الشمولية شعور يتجاوز كره الأفراد فيما بينهم إلى كره أمة من الأمم، أو قوم من الأقوام، أو طائفة من الطوائف. حتى وإن لم تكن هناك معرفة شخصية أو علاقة تواصلية ما بين الشخص الكاره وهذه الأمة.

فقبل مجازر النازية في ألمانيا كانت تُعتبر الأنانية أو النزعة الفردية أصل كل الشرور في التقاليد الفلسفية الأوروبية، إلا إن ظهور هذه المجازر كسر هذا النمط من التفكير والفكرة السائدة الممتدة من سقراط إلى هذه المجازر، وخير مثال عن هذا النوع من الكراهية محاكمة ادولف ايخمان النازي الذي ذكرته.

الفيلسوفة اليهودية حنة اردنت في تقريرها عن تفاهة الشر أو كتاب ايخمان في القدس، أدولف ايخمان الذي ارتكب الفظائع كان يقول في المحاكمة: لم تكن لدي نية لا في الخير ولا في الشر، و بناءً عليه النازية جرَّدت الأشخاص من إنسانيتهم وحولتهم إلى آلات مبرمجة ترتكب القتل، تسفك الدم، تفتك بالصغير قبل الكبير. تغذيهم في ذلك الإيديولوجية.

وعليه نستنتج من كل ما سبق أن الكراهية لا تجلب معها سوى الخراب والدمار معنوياً (تصغير الناس وجرحهم) أو مادياً ( القتل وسفك الدماء). لذلك يجب محاربتها التي تُعتبر مسؤولية فردية قبل أن تكون جماعية، مسؤولية الفرد، المثقف، رجل الدين، الكل وفق إختصاصه وإمكانياته. ونبذ كل شعور لا يليق بإنسانية الإنسان، و الدعوة إلى إحلال عاطفة الحب، فالحب يُعمينا عن الأخطاء والكره يعمينا عن الفضائل والصفات الحميدة (تواضع، تعاطف، كرم…) . وما أجمل مقولة السيد المسيح حين قال: أحبُ أعداءكم. إدراكاً منه أن الكراهية تُقتم الحياة والمحبة تنورها.

فالندعو جميعاً إلى الحب لا لأجلنا بل لأجل مستقبل أبنائنا، لأن الحب أصل الإبداع.

*الصورة من النت