مدونة آسو
حرية التعبير… مسألة متشعبة ولا بد من حلول جذرية لها
هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع “المرآة” حول حقوق الإنسان والحريات العامة.
حرية التعبير جزء من الحرية بمفهومها المتكامل، وهي مثل كل الحريات المُصادرة من الشعوب، وأعتقد لا يوجد أية حرية مطلقة، لأن الحرية هي احترام الفرد للفرد أولاً، وحين يقوم كل شخص بواجبه وبدوره سوف تتجسد الحرية بشكلها البدائي مباشرة، ولكن قد نلاحظ منافسة على “الـ أنا العليا والدنيا” لذلك لا توجد ثقافة أن يقوم كل شخص بدوره ويعبر عن رأيه الشخصي، وهذا ما عبرت عنه زركة محمد المقيمة في الدرباسية، والتي تتحدث عن موقفها بعد طيّ صفحات من تجارب عمرها.
وفي هذا الصدد، تقول المرشدة الاجتماعية عبير مجيد: ليس بمقدري أن أقول هناك حرية تعبير، لأنه وبكل بساطة لم نجدها، ولكن أستطيع القول “أن النساء هنا أخذن راحتهن قليلاً، ولكن لا يملكن حرية كافية، لذلك تبقى النساء عبيدات للواقع المفروض عليهن”.
و”غالبًا ما تجذب حرية التعبير انتباه أولئك الذين يريدون القيام بشيء ما أو تغيير تصور مشترك، خاصة عندما يفرقون بين التصورات الاجتماعية، ورغم أن هذا الحق الطبيعي يعد من أهم ركائز الحياة، إلا أنه بسبب محدوديته، فقد لاقى صدى في مجتمعنا، وبقيت بعض الأصوات حبيسة الجدران ولهذا السبب بالذات تظهر قصص مختلفة، بعضها في مؤسسات العمل، وبعضها في الشوارع والأماكن المختلفة، وبعضها في المنازل أيضاً” تضيف عبير.
الحق في حرية التعبير منصوص عليه في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تبين بالمعنى الواسع لعبارة الحقوق الإنسانية، والتي يتمتع بها كل منا، وقد تمت حماية هذه الحقوق بموجب قوانين ومجموعة من المعاهدات الدولية والإقليمية.
محاولات لكسر الصور النمطية
تسرد زركة معاناتها مع حرية التعبير الشخصي، حيث بدأ الأمر عندها عند العجز في خلق توزان بين إنجاز الأمور الحياتية والحرية الشخصية، تقول زركة: “التعبير الشخصي لا يخلق أفراداً أحراراً فحسب، بل يسمح بإنجاز الأمور اليومية بسهولة مطلقة لإحداث تغييرات وتحولات، وبدلاً من أن يفكر الفرد في كيفية نطق الحرف الأول من فمه، ينشغل بوضع نقطة في نهاية كل موضوع للنقاش، وأيضاً لا يتوقف الأمر عند تقليب صفحات الحياة”.
“إن الصور النمطية والاجتماعية التي نشأنا عليها غالباً ما تلقي بظلالها المعتمة على الأسر، وتضع الأقنعة على وجوه البعض منها، وهنا إما أن يبتعد الإنسان عن هذه القيم بجهده ويستفيد من القمع الموجود أو يستسلم للتقاليد والسحب السوداء التي تخيّم على الواقع”، تقول زركة.
ومن الناحية القانونية، يوضح الحقوقي محمد (اسم مستعار لمحامي من قامشلي): “لا توجد حرية تعبير مطلقة ولكن إذا ما قيّمنا الهامش من الواقع العملي في المنطقة نجده عند مستوى “مقيّد إلى حد ما” بشكل عام، ويتحسّن هذا التقييم في جلسات العائلة والاصدقاء فقط، كونها تعتبر مساحة آمنة يمكن من خلالها تحرير الأفكار والمعتقدات الكامنة”.
“ولكن إذا ما قمنا بمقارنة هوامش حرية التعبير الشخصي في مناطقنا سوف نجدها أفضل بعدة مستويات من المناطق السورية الاخرى التي تنعدم فيها تقريباً هذه الحريات، ولكن ذلك لا يعتبر مبرراً، وإنما يجب أن يكون دافعاً للتوجه نحو المزيد من الحرية في الآراء والمعتقدات والأفكار”، يقول محمد.
“مسألة حرية التعبير مرتبطة بالنظام الحاكم والمجتمع الديمقراطي، إذا لم تكن هناك ديمقراطية في المجتمع، فلا يوجد تعبير عن الذات”، يقول المدرس رستم عيسو المقيم في مدينة الدرباسية، ويضيف أن هذا الشكل من النظام لا يسمح للفرد بالتحدث بحرية، وخاصة في الشرق الأوسط حيث هناك حريات مقيدة وليست مفرطة!
يتعلق الأمر بطريقة التفكير ووعي المجتمع والثقافة الاجتماعية، فالجنسين ربما يكونان عاطفيان ويتصرفان بغير عقلانية، ولا يملكان الطاقة الفكرية للتعبير عن أنفسهم بشكل جيد وإنما هم عبيد للتفكير الاقطاعي، بحسب ما توضحه عبير.
وتشير عبير إلى أن تقييد حرية التعبير ينعكس على طبيعة الإنسان ويظهر في ازدواجيته، فتارةً يصبح الشخصية التي تحاول إقناع وإرضاء الناس وتارة أخرى يصبح شخصية مقموعة لا تمارس حرياتها في المجتمع، لأنها متناقضة مع المفاهيم والقيم السائدة.
الصورة النمطية لحرية التعبير تتجلى في نظامها الحالي والذي يكون على مستوى الحرية الشخصية، ولا يستطيع الفرد التعبير عن نفسه بشكل تام، لأنه في صراع دائم مع مجتمعه، ولا يستطيع تحقيق أي نوع كان من الحريات، وذلك ما يشكل خللاً في نشأة المجتمعات لأن الوعي العام يكون حاضراً، في غياب الشكل الديمقراطي، بحسب رأي عبير.
عدم ممارسة حرية التعبير… موروث وثقافة تشمل كلا الجنسين
حين نقول “حق التعبير” لا نتذكر غير “حق بسيط من حقوق الشرائع السماوية”، بحكم أقرّتها الأخلاق والشرائع ومن واجب كل إنسان أن يمارس حقه بعيداً عن خطاب الكراهية، بحسب عبير.
هفال درويش (أربعيني من مدينة الحسكة) يروي تجربته وما تعرض له في فترة الخطوبة من ضغوطات عدم الاتفاق على أبسط الأمور، ويقول” عندما نتحدث عن المساواة والحرية، فهذا لا يعني أنه يجب أن يكون كلا الجنسين متماثلين، ولكن الموروث المجتمعي يجعلنا نقلد بعضنا البعض، ولكن بعد الزواج أصبح لكل منا رأي بحيث ميّزنا بين الخلاف والاختلاف”.
وزركة أيضا تواجه صعوبة في التعبير عن نفسها داخل الأسرة، لأنه ليس من طبيعة الأسرة أن تتقبل اختلاف آراء بعضها البعض، وتقول: “في بعض الأحيان، حتى عندما نستمع إلى آراء بعضنا البعض، لا نسلم من نظرات الذين من حولنا حيث ينظرون إلينا بعيون صغيرة”.
أحمد سيد علو (ثلاثيني من عامودا) يعاني من نفس القضية عندما يجتمع هو وزوجته ويستمعان لبعضهما بكل حرية، يقول أحمد: “عندما لا يكون الإنسان مع موجة العادات البالية ولا يقمع حرية الآخر، بالطبع سيواجه صعوبات أثناء الهروب من السحاب المحيط به ولذلك لا بد من تصحيح بعض المفاهيم.”
تغير الأنماط السائدة خير علاج لرفع مستوى حرية التعبير
تصف عبير دور منظمات المجتمع المدني بـ “متابعة الأم والأب لتربية الأولاد”، فلا بد من مواصلة الجلسات والورشات التي تنعقد لرفع مستوى الوعي المجتمعي وإحداث تغيير في العادات الموروثة للحد من قمع جميع أنواع الحريات، على حد قولها.
من جانبها، تقول الناشطة المدنية إيمان سليمان: إن مسألة حرية التعبير مسألة متشعبة ولها تأثير نفسي للغاية، نظراً لتقييد الحريات في مجتمعنا وخروج المفاهيم السائدة عن جوهرها.
من خلال تكثيف جلسات تنمية الوعي المجتمعي وإزالة هكذا تصورات من النظام الحالي، وتطوير التعليم، وتحسين هذه التفاهمات التي تعيق حرية التعبير، سينفتح المجتمع ويخلق حالة من الثقة بالنفس، تقول إيمان سليمان.
رغم أن تعزيز حرية التعبير مسؤولية السلطات الحاكمة أينما كانت إلا أنها تسعى دوماً إلى الظهور بمنطق الديمقراطية لتبعد أنظار الدول والمنظمات الحقوقية عما تخفيه من روادع وكبت لتلك الحريات، فتارة تصدر قوانين ومراسيم عديدة تحفظ من خلالها الحقوق في حرية التعبير والفكر والمعتقدات، لكن هي ضمنياً تقيدها وتخنقها بلوائحها التنظيمية، وتارة أخرى تسلط الأضواء على محاكماتها العادلة والشفافة العلنية للقضايا الجزائية والمدنية، لكنها تخفيها تماماً حين تتعلق الأمور بالأمن والسياسة.
*الصورة من النت