دور الأطراف السياسية في تأجيج خطاب الكراهية بين مكونات الشعب السوري

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

لارا حسن

لعبت الأطراف السياسية منذ بداية الحرب السورية، دوراً ظاهراً في تأجيج خطاب الكراهية بين مختلف مكونات الشعب السوري، فمنذ بداية الصراع في سوريا عام 2011 بين السلطة والمعارضة، قام كل طرف باستغلال بث خطاب الكراهية بهدف تعزيز النزاع والتحريض على الطرف الآخر، وإظهاره بمظهر السيء، من بين تلك الصراعات تعزيز الصراع المسلح، عبر استغلال الانقسامات المجتمعية بدل تعزيز التعددية، ما أسفر عن نشر وترسيخ خطاب الكراهية بين مكونات المجتمع بالفعل، على أساس طائفي واثني وقومي وفكري ومجتمعي.

قبل اندلاع الحرب السورية عام 2011، لم يكن واقع الحال بالأفضل، فطالما عملت السلطات السورية على إحداث الشرخ والتفرقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري من خلال فرض عقلية السلطة الواحدة والحزب الواحد، ومناهضة الحريات، والقمع بحق السياسيين والناشطين والفاعلين، ومحاربة القائمين على العمل في مجال الحريات وحقوق الإنسان، واعتقال المعارضين، عدا عن تفرقة المجتمع السوري المتعدد لصالح الولاء للدولة والحزب الواحد.

جذور الدور السياسي في التفرقة المجتمعية
من وجهة نظر “نجاح هيّفو” وهي حقوقية ومسؤولة الاتحاد النسائي الكردي “رو دوز”، فإن النظام السوري عمل على خلق شرخ اجتماعي بين مكونات المجتمع السوري “من خلال استناده في الحكم على مبدأ اللغة الواحدة، والقومية الواحدة والهوية الواحدة في بلد متنوع القوميات”، مضيفةً “أن ما فعله النظام السوري، من عمليات تعريب، وصهر للقوميات الثانية وخاصة الكردية وسواها، وترسيخ الصورة النمطية بحق الإثنيات، والمناطق المختلفة ليست آنية، وإنما تأسست مع تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي قاد المجتمع والدولة منذ أن استولى على السلطة عام ١٩٦٣”.

ساهمت الحرب السورية على مدار عقد من الزمن في ترسيخ خطاب الكراهية وتوسيع الهوة بين مكونات الشعب السوري، ما أدى إلى تصاعد التوترات والانقسامات السياسية والطائفية في المنطقة، فشهدت المنطقة استخداماً واسعاً لخطاب الكراهية والتحريض بين مختلف الأطراف السياسة، كما استخدم خطاب الكراهية لتعزيز العنف والانتهاكات بحقوق الانسان، واستمرار الحرب.

العسكرة تعزز التحريض وخطاب الكراهية
اقترن التحريض وخطاب الكراهية في سوريا بالعسكرة والسلاح على حساب السلام، تقول “نجاح هيفو” إن لدخول الفصائل المساحة الموالية للاحتلال التركي إلى مدينة عفرين في عام ٢٠١٨ واحتلال المدينة وأريافها بدعم من تركيا، مثال على زيادة الشرخ الاجتماعي بين الكرد والعرب، “بمجرد تحرك الجماعات العسكرية باتجاه منطقة على أساس القومية والدين والطائفة، يظهر تصاعد لخطاب الكراهية”، وتضيف أن الهوة بين المجتمع تعززت في الحرب مع بروز خطاب راديكالي تمثل بفصائل مسلحة تحمل فكرًا جهاديًا لا يقبل الآخر مثل “جبهة النصرة” وفصائل راديكالية تصنف نفسها “شيعية”.

حقق خطاب الكراهية غايات لأجندات سياسية واجتماعية ودينية متنوعة في سوريا، ومن جوانب مختلفة، فتقول هيفو: “أن هناك خطاب كراهية من بين أسبابه الصورة النمطية التي أسسها النظام السوري، وصارت جزءاً من الخطاب الاجتماعي والثقافي، وربما يصدر دون قصد سياسي أو اجتماعي” مؤكدة أنه سبب إشكالية يجب مواجهتها.

وعن وجود خطاب كراهية أسسته كثير من الدول، ترى هيفو أن كل دولة دعمت طرف معين في النزاع السوري وذلك ضد الطرف الآخر، بهدف خدمة مصالحها في المنطقة مدفوعة بأسباب دينية طائفية ودينية وقومية ما أثر في استهداف مكونات سورية أخرى على أساس قومي مثلًا وضربهم وزيادة الشرخ الاجتماعي.

فيما لعبت الظروف والمصالح السياسية دوراً كبيراً في تأسيس خطاب الكراهية، وتطويره وشكلت تربة خصبة له، فتقول “هيفو” مسؤولة الإتحاد النسائي الكردي “رو دوز” “المعارضة والنظام السوريين وأطراف الصراع الأخرى لم تؤسس لحالة حقوقية عامة في حين كانت خطاباتهم مؤسسة لخطاب الكراهية، وبالتالي جل ما حدث من اتفاقات وتوافقات سياسية كانت مرسخة ومطورة وداعمة لخطاب الكراهية”.

مساهمة وسائل إعلام في خطاب الكراهية
وسائل الإعلام لها دور محوري عبر خدمة الأطراف السياسية في سورية لزيادة خطاب الكراهية وتوسيع دائرته بين مختلف مكونات الشعب السوري سواء كانت دينية أو طائفية أو إثنية.

يعتقد الإعلامي “جانو شاكر” أن الصراع السياسي في سوريا يساهم في خلق شروخ عميقة بين مختلف المكونات، وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري، “يحتاج الجميع إلى عقود لتجاوز آثاره السلبية، وإعادة الوئام بين السوريين”.

تلعب وسائل الإعلام دوراً بارزاً في التأثير على الانتماءات والتحيز، فوفقاً للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير “يبث منتج من بين خمس منتجات إعلامية، على التلفزيون أو الراديو أو في المطبوعات، أو عبر الإنترنت شكلاً من أشكال خطابات الكراهية” (وفق دراسة للمركز قبل أعوام).

من وجهة نظر “جانو شاكر” أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة لدعم نشر خطاب الكراهية، وباتت تساهم في قطع العلاقات وخلق الأزمات بين المجتمعات المختلفة بدلاً من تحقيق التقارب فيما بينها وإحياء السلام في بلد متهالك.

تصاعد الاستقطاب العرقي والطائفي والديني خلال سنوات الحرب سببه الدور الكبير لوسائل الإعلام من مختلف الأطراف السياسية للترويج لخطاب الكراهية، فيقول شاكر “لا زلنا ندفع ثمن خطاب الكراهية، وبالطبع كانت الجبهة الإعلامية كثيراً ما تسبق الجبهتين العسكرية والسياسية في الهجوم على الآخر”، منوهاً إلى إنه بالرغم من مد خطاب الكراهية لكن يوجد أصوات وجهود إعلامية لمواجهة مد الكراهية، لكن يرى أنها متواضعة مقارنة بالحالة العامة التي تنتصر فيها لغة السلاح.

وبالرغم من وجود منظمات المجتمع المدني وبينها العامل على مناهضة التحريض وخطاب الكراهية، لكن من وجهة نظر جانو شاكر لم تلعب حتى الآن الدور المأمول منها في التصدي لمد خطاب الكراهية خلال السنوات الطويلة للحرب، فيوجه شاكر انتقادات لعملها في المنطقة ككل “لم تكن على مستوى التحدي الكبير، الذي واجهته خلال سنوات الأزمة”.

لم تخلُ الساحة السورية من بعض الأصوات الإعلامية التي تصدت لخطاب الكراهية، وذلك من خلال تقديم صورة حقيقة لما يحدث في سوريا، وتقديم تقارير موضوعية خالية من التحيز لأي جهة كانت، وساعدت في محاربة اللغة الزائفة التي تثير الكراهية بين مكونات المجتمع عبر برامج مختلفة، ولكنها بقيت متواضعة حسب قول جانو شاكر “كانت جهود متواضعة مقارنة بالحالة العامة، التي تنتصر فيها أصوات البنادق”.

إشكاليات خطاب الكراهية
تتعدد إشكاليات خطاب الكراهية، والتي تؤثر بشكل سلبي على مختلف مكونات المجتمع السوري، كما أنها تزيد من التوترات وترسخ التمييز، والانقسامات بين مكونات المجتمع السوري، كما أنها تؤدي إلى عدم احترام حقوق الآخرين وخاصة الأقليات الدينية والاثنيات.
الإعلامي جانو شاكر يرى أن الازمة السورية مركبة ومعقدة ومتراكمة، ويمكن تقسيمها إلى عدة إشكاليات:

الفكر الديني المتطرف الذي أثبت حاجتنا إلى إعادة قراءة الموروث والخطاب الدينيين.

مسألة حقوق الأقليات التي كانت أزمة بحد ذاتها ضمن سياق الأزمة العامة للبلاد.

عدم الاشتغال على مسألة الهوية الوطنية الجامعة منذ تشكل الدولة السورية.

عامل التدخل الخارجي وانقسام السوريين إلى بيادق تعمل لصالح الأجندات الخارجية، حتى خرجت من أيدينا إمكانية إيجاد الحلول.

فيما طرحت الحقوقية “نجاح هيفو” مسؤولة الإتحاد النسائي الكردي “رو دوز” أنماط أخرى لإشكاليات خطاب الكراهية، “فالاستيلاء على أملاك المدنيين، وعمليات النزوح واللجوء المتكررة في البلاد، والنزاع العسكري المستمر، والخطاب السياسي على الساحة في مختلف المناطق السورية، والصورة النمطية والإعلام، وغياب المعرفة الحقيقية بالآخر كلها أسباب تؤجج خطاب الكراهية” وفق ما ذكرت.

أهم الحلول المقترحة لوأد خطاب الكراهية
ساهم التنافر بين الأطراف السياسية إلى زيادة الهوة بين مكونات المجتمع، لذلك لابد من دعم الحوار بين الأطراف السياسية، وتعزيز قيم التعايش السلمي والتسامح، فالتقارب بين هذه الأطراف المتصارعة يساهم في تراجع خطاب الكراهية.

جانو شاكر “إعلامي” يبين أن التقارب السياسي يساهم في تهدئة النفوس، وتراجع خطاب الكراهية، لكنه غير كافٍ حسب رأيه “الأمر يحتاج إلى وضع ضوابط للخطاب السياسي، بعد كل هذه السنوات، وهذه الضوابط ربما تحتاج إلى مبادرات مدنية، وإعلامية وثقافية، تعمل في اتجاه الضغط على الفاعلين السياسيين، ومنعهم من الانحدار في خطابهم إلى الشعبوية”، مؤكداً إلى أن وأد خطاب الكراهية يحتاج إلى تضافر جهود مدنية، وإعلامية وثقافية “كأن يكون هناك تعريفاً بهذه الظاهرة، التي تشكل خطراً عالمياً حالياً، ولكنها تشكل كارثة حقيقية في المناطق التي تشهد صراعات عميقة، منذ عقود كحال منطقتنا”.

وأكد شاكر على وجوب تنفيذ مبادرات محلية، تصب في صالح التيار المتشكل عالمياً لمواجهة خطاب الكراهية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر تنفيذ مشاريع بحثية وإعلامية، ترصد خطاب الكراهية، وتعمل على فضحه، وتعريته ومواجهته، أو زيادة وعي المجتمع بماهيتها وآثاره الكارثية.

أما الحقوقية هيفو تجد في العدالة الانتقالية وإخراج المعتقلين من السجون وإعادة السكان الأصليين إلى ديارهم، ودعم المجتمع المدني لتعريف السوريين ببعضهم، والتعريف بقضاياهم المختلفة، وتطوير الواقع الاقتصادي، أهم عوامل وأد خطاب الكراهية في سورية.

*الصورة من النت