أصوات نسائية
تحت قيود الميراث… قضية حقوق المرأة المنسية وضرورة التغيير
تم إعداد المادة بالتعاون مع تحالف مشروع “حق المرأة في الميراث” والذي ينفذه كل من (مركز سمارت، ومنظمة تاء مربوطة، وجمعية نوجين) بدعم من مركز الدعم المجتمعي.
نوهرين عبد القادر
“لن أتخلى عن حقي في الميراث كما فعلت والدتي، التي عاشت ظروفاً قاسية بعد وفاة والدي، لأنها تخلت عن حقها من الميراث لإخوتها الذكور” تقول سلام (اسم مستعار) وهي طالبة جامعية من مدينة الحسكة.
أما عايدة (اسم مستعار) لامرأة من ريف الحسكة، فقد تخلت عن مطالبتها بحقها في الميراث بعد وفاة والدها، تقول: ” إخوتي الذكور استولوا على أراضي والدي الزراعية، وتقاسموا الممتلكات دون أن يشاركوا إخوتهن في الميراث، ولم تتجرأ الأخوات على المطالبة بحقهن”، وتضيف بلهجتها المحلية “أعرف هذا حقي بس شلون أجرجر إخواتي ع المحاكم” وتؤكد شقيقتها “نحن هيك تربينا عيب النسوان تاخذ مال أبوها لزوجها”.
لا تزال الثقافة المجتمعية تحول دون وصول النساء إلى حقهن في الميراث، ولا تزال هناك الكثير من العقبات التي تعترض ذلك، وإن مجرد مطالبة النساء بحقهن في الميراث قد يخلق لهن العديد من المشكلات الاجتماعية، على حد وصف الناشطة في المجال المدني “بيريفان موسى”.
حق الميراث هو موضوع يتعلق بتوزيع ثروة وممتلكات شخص معين بعد وفاته بين أفراد الأسرة، وتختلف قوانين الميراث والتوزيع في مختلف الثقافات والأنظمة القانونية حول العالم.
في بعض الثقافات والأنظمة القانونية، تُمنح المرأة حقوق الميراث بنفس القدر الذي يُمنح للرجل، وفي هذه الحالة، تتم معاملة المرأة والرجل على قدم المساواة فيما يتعلق بحصة الميراث التي يتلقاها كل منهم.
ومع ذلك، في بعض الثقافات والأنظمة القانونية لا تتمتع المرأة بحقوق الميراث بنفس القدر الممنوح للرجل، قد يتم تطبيق نظام يُعرف بالتفضيلات الوراثية والذي يعني أن الذكور يحصلون على حصة أكبر من الميراث مقارنة بالإناث.
في سوريا تتعرض الكثير من النساء للحرمان من حقهن في الميراث، وهو ما يعكس العادات والتقاليد المتجذرة في معظم المجتمعات السورية، رغم أن القوانين في سوريا تضمن حصول المرأة على حقها في ذلك.
هذا الحق، يحفظه القانون ويمنعه العيب والوصم الاجتماعي. بهذا الصدد تقول المحامية فريحة عمر، بأن حق المرأة في الميراث مشكلة قديمة لها جذور مرتبطة بالتطور المجتمعي في المنطقة كقضية ملكية الأراضي وتنوعها و الإجراءات التي تتعلق بانتقال الملكية، وقد ساهمت الكثير من الظروف بعدم منح المرأة حقها في الميراث وخاصة الظروف الاجتماعية والسياسية.
وتضيف بأن هناك عائلات قليلة تمنح النساء الميراث وفق الشرع الديني أو القانوني أو بالتراضي، ولكن الغالبية لا تمنح بناتها حقوقهن، وهي حالة اجتماعية في غاية التعقيد والتشبيك.
الوصم الاجتماعي وانقطاع صلة الرحم من أهم الأسباب التي تدفع النساء إلى السكوت عن المطالبة بحقهن في الميراث، تقول السيدة (ع. س) بأن إخوتها الذكور عرضوا على أخواتهم الحصول على حصصهن من الميراث بعد وفاة والدهم، إلا أنها رفضت أن تأخذ أي شيء من ممتلكات والدها خوفاً من العار الذي سيلاحقها في المجتمع، وكذلك تنازلت جميع أخواتها الإناث عن حقهن طوعاً.
أما السيدة( ج.ع) فقالت: ” بعد مضي 16 عاماً على وفاة والدي، أرسل إخوتي المحامي ليأخذ موافقتي على التنازل عن حصتي من الأرض الزراعية التي تعود ملكيتها لوالدي، وكان إخوتي الذكور يتقاسمون محاصيل الأرض طوال كل الأعوام الماضية، ويشترون لي قطعة قماش كهدية فقط، وقد تنازلت عن حصتي لإخوتي كي أحافظ على صلة الرحم بيني وبينهم وكنت أعلم جيداً بأنهم سيقاطعونني في حال رفضت التنازل عن حصتي.
وتؤكد المحامية فريحة، أن غالبية النساء يفضلن عدم حدوث مشاكل عائلية أو أسرية على حقها بالمطالبة بحصتها من الميراث، رغم أن القانون ينصف الجميع ولا يوجد ما يمنع قانوناً من حصول المرأة على حقها بغض النظر عن أية أسباب أخرى.
وأشارت إلى أنه لا يمكن للمحاكم البت بأية دعوى دون وجود ادعاء أو شكاوي، وبالتالي فإن المطالبة هي من اختصاص أصحاب الحق فقط و لا يمكن قيام أية دعوى دون وجود شكوى مهما كانت النتائج المتعلقة بالميراث، فإن حرمان المرأة من الميراث بعيد كل البعد عن الدين والتطبيق السليم للقوانين.
أقرت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في نوفمبر 2014، بالمساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات بما فيها الإرث، ووفقاً للقرار التشريعي، يحصل النساء على حقهن من الميراث مناصفة مع الرجل.
وبهذا الصدد تقول القاضية في محكمة مقاطعة الحسكة التابعة للإدارة الذاتية “كسيرة نعمة”، بأن قوانين ومحاكم الإدارة الذاتية تدعم حصول المرأة في حقها في الميراث، ويتوجب إقامة دعوة لدى المحكمة كي تستطيع النظر والبت في قضية الميراث.
ويتم إعفاء النساء من أي نفقات مادية في القضايا الشرعية، إلا في حال حصولها على حصة من الميراث.
وأشارت نعمة إلى أن نسبة النساء اللاتي يتقدمن بدعوى حصولهن على الميراث لا تصل إلى 15%، فيما تتنازل معظم النساء عن حقهن في الميراث.
الأعراف المجتمعية تخرق الشريعة والقانون
بالرغم من أن حق المرأة في الميراث واضح من الناحية الشرعية والقانونية وقد كفلته الشرائع السماوية مثلما كفلته المعاهدات والمواثيق الدولية كحق أساسي من حقوق الإنسان، ووجود العديد من الضمانات القانونية.
وما تزال ظاهرة حرمان المرأة من الميراث موجودة في المجتمع السوري، وتحرم النساء منه بشتى الطرق والأساليب، رغم إيمان المجتمعات السورية بالشريعة على اختلاف أديانهم.
يقول (ز. ر) وهو رجل أربعيني من مدينة الحسكة، بأن المرأة تحصل على المهر من الرجل عند الزواج، ويتكفل الرجل بجميع نفقاتها سواء كان زوجها أو أخاها، وهي لا تحتاج إلى حصة من الميراث.
بينما يقول أحد المعلمين (فضل عدم ذكر اسمه)، بأن لديه ست شقيقات يرغبن في الحصول على حصصهن من الميراث، ولا يمانع ذلك إلا إذا حصلت زوجته على حصتها من ميراث والدها.
“لن أقوم بتوزيع أموالي على أخواتي الإناث، لأن وضعي المادي لن يكون جيداً، ولكن عائلة زوجتي يملكون ثروة، إذا منحها إخوتها جزءاً من ممتلكاتهم حينها سأقوم بتوزيع الميراث على أخواتي” على حد قوله.
ما يزال المجتمع متمسكاً بتقاليد وأعراف تغلب الشريعة والقانون ولا يمكن تجاوزه أو خرقه، إلى جانب رغبة العائلة في الاحتفاظ بالإرث ضمن نطاقها، ويرى البعض أن توريث المرأة وخصوصاً إذا كان الميراث قطعة أرض، سيمنح الحق لأفراد من عائلة أخرى بمشاركتهم في الميراث، لا سيما إن كان الزوج من غير الأقرباء.
وهو ما أكده الشيخ “عبد الله خلف الطلاع” أحد وجهاء عشيرة البكارة، بأن الدين الإسلامي يحرّم حرمان المرأة من حقها في الميراث، ورغم اتباع جميع العشائر العربية في سوريا الدين الإسلامي إلا أن الاعتقادات والعادات المتوارثة تغلب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وعادة ما يستغل الذكور عواطف الأخوات لدفعهن إلى التنازل عن حقهن.
ويضيف الطلاع، بأن الكثير من المشاكل العائلية تحل عبر وجهاء العشائر دون اللجوء إلى المحاكم، ولا سيما المشاكل المتعلقة بالميراث والمهر والطلاق، وهو ما يستوجب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومنح المرأة حقها كما ورد في الكتاب والسنة، على حد تعبيره.
الآثار السلبية لحرمان المرأة من الميراث
التداعيات السلبية لحرمان المرأة من الميراث تنعكس على المرأة والمجتمع بشكل عام، إذ يعزز التمييز الجنساني والظلم في المجتمع، وقد يؤدي هذا إلى تفاقم عدم المساواة بين الجنسين وزيادة الانقسامات الاجتماعية، كما يكون لحرمان المرأة من حق الميراث تأثيرًا سلبيًا على وضعها الاقتصادي واستقلاليتها المالية، فقد تجد النساء أنفسهن معرضات للفقر والاعتماد على الآخرين لتلبية احتياجاتهن الأساسية، على حد قول المرشد الاجتماعي “علي إسكان”
وأضاف بأن حرمان المرأة من الميراث يؤثر على العلاقات الأسرية، وقد يؤثر على الروابط العاطفية والثقة بين أفراد الأسرة، بالإضافة إلى تأثر الصحة النفسية للنساء، إذ يشعر النساء بالإهانة والظلم والإحباط والقلق من تأمين حقوقهن الأساسية.
فمن المهم الاعتراف بالآثار الاجتماعية والنفسية لحرمان المرأة من حق الميراث، والعمل من أجل التغلب على هذه الآثار السلبية، ويجب تعزيز حصول المرأة على حقوقها، وتحقيق التغييرات اللازمة في المجتمع، وهو ما يتطلب جهوداً متعددة المستويات، بما في ذلك التوعية والتثقيف حول حقوق المرأة، وتعزيز التشريعات التي تحمي حقوقهن، ودعم المرأة في بناء استقلالية مالية وتحقيق تطلعاتها الشخصية والمهنية.
دور مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز حقوق المرأة
تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حيوياً في تعزيز حقوق المرأة في الميراث، ولا سيما عبر زيادة الوعي والتثقيف حول حقوق المرأة، من خلال تنظيم حملات توعية وورش عمل وندوات تعليمية تستهدف النساء والفتيات والعامة، بالإضافة إلى تقديم الدعم القانوني والاجتماعي للنساء والفتيات اللاتي يواجهن تحديات في الحصول على حقوقهن في الميراث، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء اللاتي يعانين من التمييز أو الظلم.
وكذلك جمع شهادات النساء والفتيات اللواتي تعرضن للتمييز في الميراث وتوثيق حالات انتهاك حقوقهن، واستخدام هذه الشهادات لإظهار الواقع، والأثر الذي يتركه التمييز في المجتمع، ورصد التطورات الاجتماعية في هذا المجال.
وباختصار، يمكننا القول إنّ تحقيق المساواة فيما يتعلّق بحقوق المرأة في الميراث ليس فقط ضرورة إنسانية، وإنّما هو أساس لبناء مجتمع عادل تتحقق فيع تنمية شاملة ومستدامة، تعود بالنفع عليه.
*الصورة من النت