“الفزعة” من مصطلح إنساني إلى بث الفتنة والتحريض على الكراهية…

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”
عبد الحليم حسن

“فزعتكم”، ” فزعة لأخوكم”، “فزعة عرب” كلمات عربية نسمعها في المجتمعات ذات الطابع العشائري في سوريا، و”الفزعة” هي كلمة عربية تستخدم للإشارة إلى الاستجابة السريعة والمساعدة في حالة الطوارئ أو الضرورة، ويمكن تعريف الفزعة على أنها تعبير عن استغاثة أو نداء للمساعدة عندما يواجه الشخص خطراً أو مشكلة تحتاج إلى تدخل من الآخرين لتقديم المساعدة، وعادة ما يتم استخدام الكلمة في سياقات تشير إلى طلب المساعدة أو البحث عن الدعم في ظروف حرجة.

قد يتم استخدام مصطلح “الفزعة” في سياقات مختلفة غير الطوارئ أيضاً، وقد يشير إلى طلب المساعدة في مجالات أخرى مثل العمل أو الدراسة أو الحياة اليومية، وفي هذه الحالة، يكون المقصود هو طلب النصيحة أو الدعم للتعامل مع مشكلة أو صعوبة، يستخدم الفزعة للإشارة إلى الحاجة إلى مساعدة في مجالات اجتماعية أو إنسانية مثل الفقر، اللاجئين، المأوى، الطعام وما إلى ذلك، عمومًا، يعبر مصطلح “الفزعة” عن احتياج الشخص إلى المساعدة والدعم السريع، والاستجابة الفورية لطلبه.

كلمة “الفزعة” لها أثر قوي على الحالة العاطفية والنفسية للشخص المتلقي، فإنها تستدعي الانتباه وتسبب استنفاراً لدى المتلقي للتصرف السريع وتوفير المساعدة، وتعمل كلمة “الفزعة” على تحفيز الأشخاص للتحرك بسرعة واتخاذ إجراءات لتقديم المساعدة أو التدخل في الموقف الطارئ، وقد تؤدي الاستغاثة بكلمة “الفزعة” إلى إيجاد رد فعل تعاوني ودعم من الأشخاص الآخرين الذين يتلقون النداء، وهو ما يعزز التعاون والتضامن في مواجهة المشكلات وتقديم المساعدة.

وتساهم كلمة “الفزعة” في دعوة الأفراد والمجتمعات إلى العمل الجماعي للتصدي للمشاكل والتحديات وتوفير الدعم اللازم، بشكل عام، تلعب كلمة “الفزعة” دوراً في إحداث استجابة سريعة وتوجيه الاهتمام نحو المشكلة أو الحاجة الماسة، مما يؤدي إلى تحفيز العمل والتضامن لتوفير المساعدة والنجدة في المواقف الطارئة.

في ثقافة العشائر السورية، “الفزعة” هي مصطلح يعبر عن تقديم المساعدة والدعم، وفي سياق العشائر السورية يعكس مفهوم “الفزعة” أهمية الروابط العائلية والاجتماعية والتعاضد بين أفراد العشيرة في حماية ودعم بعضهم البعض في الظروف الصعبة وتقديم العون للآخرين.

وهو ما شهدناه خلال العام الجاري من إغاثة ضحايا زلزال 6 شباط الذي ضرب سوريا وتركيا، حيث قام أهالي دير الزور بجمع تبرعات مادية ومواد غذائية ومياه الشرب ومستلزمات أخرى، وتم إرسال التبرعات إلى المناطق المنكوبة جراء الزلزال تحت اسم “فزعة عشائر دير الزور”، بالإضافة إلى إطلاق عشائر دير الزور ” فزعة” أواخر شهر تموز الجاري بعنوان ” فزعة عشائر دير الزور لأهلنا في الحسكة”، تلاها “فزعة” أهالي الرقة، لإيصال مياه الشرب إلى مدينة الحسكة التي تعاني نقصاً حاداً في مياه الشرب منذ سيطرة القوات التركية والفصائل المسلحة على مصدر المياه الوحيد لقرابة مليون نسمة، وإقدامهم على قطع مياه الشرب عن الحسكة.

عكست هذه المبادرات الإنسانية التكافل الاجتماعي والتضامن في مجتمعات شمال وشرق سوريا، وساهمت في تخفيف المعاناة وإعادة الأمل للمتضررين.

الأوضاع الأمنية في دير الزور مثالاً لخطاب الكراهية
أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 27 آب 2023، في بيان نشر عبر موقعها الرسمي عن انطلاق عملية أمنية في مناطق سيطرتها في دير الزور أطلقت عليها اسم “تعزيز الأمن”، وتهدف الحملة بحسب البيان إلى القضاء على بقايا خلايا تنظيم داعش الإرهابي ومنع عملياتهم المحتملة، وكذلك تعقب المجرمين الذين ارتكبوا المظالم بحق السكان وإنفاذ القانون، إضافة إلى ملاحقة المهربين الذين يتاجرون بلقمة عيش الأهالي.

وبتاريخ 30 آب 2023 صدر قرار بعزل رئيس مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل (أبو خولة)، حيث ذكر القرار بأن الاعتقال جاء بناء على أمر من النيابة العامة في شمال وشرق سوريا.

وخلال الأيام الأولى من حملة “تعزيز الأمن” اندلعت اشتباكات بين عناصر مجلس ديرالزور العسكري وقوات الحملة في عدد من البلدات والقرى في الريف الشمالي لمدينة ديرالزور أبرزها بلدة البصيرة، لتمتد بعد ذلك إلى عدد من مناطق الريف الشرقي أبرزها بلدتي ذيبان والشحيل.

أطراف عديدة استغلت الأحداث الجارية في مدينة دير الزور وصورت الوضع بأنه اقتتال بين الكرد والعرب، وساهمت وسائل إعلامية بتأجيج الوضع عبر بث خطابات كراهية على المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمة مصطلحات من شأنها تحريك مشاعر الناس والتحريض على الاقتتال ولا سيما مصطلح “الفزعة”.

بثت العديد من القنوات الإخبارية وصفحات الفيسبوك، أخباراً مضللة بعيدة عما يجري في الواقع، واستخدمت عناوين تحريضية منها “القتال بين قسد ومسلحي العشائر” و”حرب الكورد والعرب”، كما نشرت صفحات الفيسبوك التابعة لمسلحي فصائل الجيش الوطني المدعوم من الاحتلال التركي، مقاطع فيديو مضللة تحرّض على قتال الكورد بشكل صريح، ومنشورات أخرى تدعو فيها إلى الانخراط في القتال تحت مسمى “الفزعة”.

ولم يتوانى الإعلام الرسمي للحكومة السورية وصفحات قوات الدفاع الوطني التابعة له، عن تأجيج الوضع ودفع أهالي المنطقة لخوض القتال على أنه “شرف للعشائر العربية”، وساهمت إيران وروسيا بتوجيه وسائل الإعلام نحو التحريض وحث مكونات شمال وشرق سوريا على الاقتتال.

قال الناشط المدني “علي محمد”، بأن خطاب الكراهية المنتشر حالياً في وسائل الإعلام جاء نتيجة لحالة الحقد والكراهية ضد مكونات المنطقة، والهدف الأساسي منها هو إشعال الفتنة بين هذه المكونات وضربها بعضاً ببعض، وتظهر بأن هناك خطط منسقة لبث هذا الخطاب والترويج له من خلال شخصيات ومحطات إعلامية ممولة لهذه الغاية.

“يتم استخدام هذا الخطاب نتيجة الإفلاس الأخلاقي وكدليل قاطع على فشلهم في جمع المؤيدين لهم لذلك نرى مصطلحات محددة وذات تأثير نفسي على المتلقي والتي تهيج مشاعر البسطاء وعامة الناس، ولهذا الخطاب تداعيات خطيرة على العيش المشترك والتماسك المجتمعي حيث يتم التحريض على نبذ الآخر وتعزيز الانقسام المجتمعي بين الطوائف والأعراق والمناطق، وبالتالي فهذه الاستراتيجية خطيرة جداً” على حد وصفه.

وأوضحت الصحفية “شيرين تمو”، بأن العديد من الوسائل الإعلامية الرسمية متورطة في تأجيج أحداث دير الزور عبر انتهاجها وتداولها أخبار تحضّ على الكراهية وبث العنف بين مكونات شمال وشرق سوريا (أورينت والجزيرة) أمثلة على ذلك، المسيرة الإعلامية لهما تكشف مدى بعدهما عن معايير العمل الصحفي، لما لخطاب الكراهية خطورة على أمن المؤسسات الإعلامية وتأثيره على حرية التعبير.

الترويج الإعلامي والتهويل لأحداث دير الزور ووصفها ب (حرب الكرد والعرب) بعيدة كل البعد عن الأحداث التي تجري هناك، فتتداول صفحات إعلامية وأخرى وهمية وأفراد وشخصيات “فيسبوكية”، مقاطع فيديو قديمة وصور مفبركة توحي باعتداء قوات سوريا الديمقراطية على أهالي دير الزور بما فيهم الأطفال والنساء، على حد وصف الصحفية “شيرين”

وبهذا الصدد أوضح الصحفي “جانو شاكر”، بأن أطراف النزاع في سوريا استغلت الأوضاع الأمنية الأخيرة في مدينة دير الزور، دون النظر بعواقب التحريض والتجييش الإعلامي بزيادة حدة الكراهية بين العرب والكرد، وهناك من عزف على هذا الوتر الحساس جداً للمنطقة، حيث تم استغلال وسائل الإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من التحريض، للتأثير على مكونات دير الزور ودفعها لقتال قوات سوريا الديمقراطية وجعلها حرب بين العرب والكرد.

مضيفاً، أن وسائل الإعلام استخدمت مصطلحات لتصوير الواقع بأنها (حرب وجودية للعرب)، واللافت أن جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية ولا سيما الحكومة السورية، المعارضة السورية، جبهة النصرة، ولا يستبعد أن يكون لتنظيم داعش أيضاً دور في استغلال الأوضاع في سبيل تحقيق غايات لم تكن يوماً في صالح السوريين، وكان هناك ضخ إعلامي غير مسبوق للمئات من الصفحات التي كانت خامدة وأعيد تفعيلها خلال الأيام الماضية، وانتهجت عملية فبركة وتضليل لعشرات الصور ومقاطع الفيديو، على حد وصف جانو.

وأشار إلى أن فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا، أبرزت نفسها بأنها من المكونات العشائرية، وشاركت بفتح جبهات قتال ضد قوات سوريا الديمقراطية، فيما كان الخطاب الإعلامي لها موجهاً ضد الأكراد وليس ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

دور الصحافة والإعلام في مواجهة خطاب الكراهية
تؤكد “شيرين” بأن المجتمعات المحلية في سوريا تحتاج إلى إعلام مجتمعي لمناصرة قضايا حقوق الإنسان ونشر الوعي لعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة، التي تدعو إلى التحريض والعنف والتفرقة بين مكونات الشعب السوري.

وهذا ما فعلته منظمة “بادر” للتنمية والإعلام المجتمعي حيث أطلقت حملة (لا للتحريض) منذ بدء أحداث دير الزور وعملية التمشيط هناك، من خلال تصحيح الأخبار الكاذبة والإشارة إلى المنشورات التي تحضّ على الكراهية و مقاطع الفيديو والصور المفبركة والقديمة التي نشرت على أنها من دير الزور .

ولفتت إلى أن العمل بمهنية والدعوة إلى السلم الأهلي والمجتمعي ومناهضة العنف ونبذ الكراهية، من واجب الصحفيين والمؤسسات العاملة في الإعلام المجتمعي في مناطق شمال وشرق سوريا، وغيابهم يفسح المجال أمام إعلام عشوائي يقوده أشخاص بعيدون عن المهنة والعمل الأخلاقي.

بينما أوضح الصحفي “جانو شاكر” بأن موقف الإعلام الكردي كان إيجابياً، لأنه لم يتبنى ردة الفعل تجاه خطاب الكراهية الذي ظهر منذ اليوم الأول لانطلاق الحملة الأمنية في دير الزور، ولم يتفاعل بشكل سلبي وهو ما ساهم بتخفيف حدة الخطاب المحرّض على الكراهية، وتقليص آثاره التي تنعكس بشكل مباشر على المجتمع.

عموماً، دفع السوريون الكثير من الخسائر نتيجة الخطاب المحرّض الذي انتهجته معظم الأطراف السياسية والعسكرية منذ بدء الأزمة، وكان له دور كبير في إطالة عمر الأزمة لأكثر من عقد من الزمن، ولأن الإعلام يدخل جميع البيوت فلا بد من أن يقوم بدوره الأخلاقي لحل تداعيات الأزمة السورية وإنهاء معاناة السوريين.

*الصورة من النت