مدونة آسو
أسرتان تنبذان خطاب الكراهية وتنتصران للتعايش السلمي والتسامح
هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”
سارة خالد
لا يوجد تعريف جامع، أو محدد لخطاب الكراهية حتى يومنا هذا، فوفق القانون الدولي لحقوق الإنسان “يكون خطاب الكراهية بالقول، أو التمييز أو التصرف الصادر عن مجموعة أفراد، وموجه ضد مجموعة من الأفراد، مغلف بمعاني الإزدراء، والإهانة والسخرية، على أساس كراهية موجهة تمييزية قائمة على الهوية العرقية، أو الدينية أو اللون أو الجنس أو النسب، أو الإنتماء الطبقي أو الإجتماعي وغيرها..
كما تعد ظاهرة نبذ الآخر، من أخطر الظواهر التي تهدد السلم الإجتماعي، والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، فعندما ينتشر التمييز والعنصرية في المجتمع، يتعرض بأكمله للتفكك، ويكون الأفراد فيه في قلق، وخوف دائمين يصعب خلالها بناء علاقات إجتماعية سليمة بين أفراده.
امتلكت أسرتان تنتمي كل منهما إلى مكون مختلف (كردي -عربي)، في مدينة عامودا، في وقت مبكر حيزاً من الوعي، والإدراك بأهمية التعايش السلمي، للوقوف ضد خطاب الكراهية الذي كان يزرع بين أفراد المجتمع بطرق غير مباشرة، كما يدس السم في الطعام، في تلك الفترة والمتمثل بثنائية (كردي -عربي).
قررت عائلة العلي (اسم مستعار للعائلة) من المكون العربي، والمكونة من ثلاثة أسر الإنتقال إلى مدينة عامودا، والإستقرار في حارة الأعلاف، تقول سهير “اسم مستعار” من أسرة العلي، لم يتقبلهم أهالي الحي، في البداية كان هناك نوع من الحذر، والتعامل بشكل رسمي معهم، فهم من المكون العربي والحارة بأكملها من المكون الكردي “بداية الأمر شعرنا بالإختلاف، ربما كبار السن من أسرتنا، كانوا على وعي بما يجري حولهم، ويجتهدون للتعايش مع باقي أفراد المجتمع”. تتابع قائلة “لكننا كنا أطفال، اختلفت علينا العادات والتقاليد، والعامل الأهم هو عامل اللغة المختلفة”.
توضح سهير بداية اندماجهم بالمجتمع، هي العلاقة الوطيدة التي بدأت تتشكل بين أسرتها، وأسرة حمي (اسم مستعار) من المكون الكردي، فهم يقطنون في المنزل المقابل لمنزلهم، “لقد كانوا خير سند لنا، بدأت علاقتنا تتأصل وتزداد، مع تواصلنا الدائم والذي كبر معنا، أصبحنا وكأننا أسرة واحدة تجمعنا المحبة، والصداقة والتعايش السلمي المشترك”.
جمعت بين الأسرتين علاقة قوية، رغم اختلاف اللغة والعرق، فكانت علاقتهم مثالاً للتعايش السلمي والتسامح، في عامودا ورفض خطاب الكراهية الذي كان يتردد على مسامعهم من بعض الأقارب، والمقربين لكلا الأسرتين.
يقول جوان (اسم مستعار) من عائلة حمي “في الواقع كنا نعيش ذات التفاصيل الحياتية في الحي، ولم تقف اللغة عائقاً أمام العلاقة القوية التي تشكلت بيننا”، موضحاً أن الإحترام المتبادل بينهم لخصوصية الآخر، هو أساس متانة علاقتهم، فالحياة كانت تسير طبيعية بينهم، كما وصفها، وكأن لا اختلاف في العرق واللغة بينهم، “لم نكن نولي هذا الإختلاف الأهمية الكبيرة، أو نعتبره عائقاً أمام العلاقة الوطيدة التي تشكلت بيننا”.
تتحدث سهير عن رفضهم لخطاب الكراهية، الذي كان يتردد على لسان الأقارب، وأناس مقربين، والذي غالباً ما كان يرتكز أساساً على اختلاف العرق بينهم، فقد كانوا يبدون انزعاجهم من علاقتنا المتينة بعائلة حمي، وأننا أصبحنا نحمل كثير من عاداتهم المختلفة، عن عاداتنا كمكون عربي “لقد تغيرت عاداتكم، وأصبحتم تتشبهون بالكرد، نتيجة لتعاملكم معهم واحتكاكم الدائم بهم”، مؤكدة تغير بعض عاداتهم، والتي اكتسبوها من أسرة حمي، لكنها عادات إيجابية على حد قولها، فالفتاة في أسرة العلي (كثير من أسر المكون العربي من ذات المكون)، لم يمكن مسموح لها متابعة دراستها الجامعية، خاصة أنها سوف تضطر للسفر خارج المحافظة، فهذا ما جرت عليه العادة والعرف “بعد الإختلاط الذي حصل بين أسرتينا، تغيرت نظرة أسرتي تجاه تعليم البنات، وسمحت لي أسرتي بمتابعة دراستي الجامعية، أسوة ببنات عائلة حمي”.
وعن نبذ أسرة حمي لخطاب الكراهية تتذكر هيفين أحد المواقف لأهالي الحارة، وذلك عندما أبدوا انزعاجهم من العلاقة القوية التي تجمعهم مع أسرة العلي، “غالباً ماكان يتردد على مسامعنا أنتم كرد لماذا هذه العلاقة القوية مع أسرة من المكون العربي، تركتم كل العائلات الكردية في الحي وتعايشتم معها” تؤكد هيفين عدم إصغاء أي فرد من أسرتها لخطاب الكراهية، الذي كان يتردد على مسامعهم.
آمنت الأسرتان بقيم المحبة، والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، على اختلاف مكوناتهم، والتعاون في مختلف الظروف الحياتية التي يمرون بها، واحترام خصوصية الآخر، كانت سبيلهم لتجاوز خطاب الكراهية ضد الآخر بأشكاله المختلفة الذي واجههم، ونجحوا في تغيير نظرة مجتمع عامودا، ضد علاقتهم والمتمثلة بثنائية (كردي -عربي)، حيث كونت الأسرتان نموذجاً إيجابياً في تعزيز السلام الأهلي، والمساهمة الفعالة في تغيير نظرة المجتمع تجاههم.
يقول جوان “مبدأ حسن الجوار مع أي إنسان كان، من أي مكون كان، إضافة إلى النظرة الواسعة للعلاقات الإنسانية”، هي أمور ساعدتهم على تجاوز خطاب الكراهية، موضحاً أنهم ركزوا على طبيعة العلاقة الإنسانية التي ساهمت في وأد خطاب الكراهية، “في الحقيقة لا نستطيع إنكار هذا الخطاب من المحيط، لكننا لم نتأثر به من خلال عدم إيلائه أي اهتمام، والتركيز على طبيعة العلاقات الإنسانية، التي تتجاوز أي اختلاف”.
وعن مساندة الأسرتين لبعضهما تتذكر هيفين موقف أسرة العلي معهم عندما توفي الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، “أصاب أهل المنطقة حالة من التوتر، لما سيؤول إليه حال المكون الكردي في تلك الفترة(فقد تعرض المكون الكردي في سورية لسنوات طويلة من سلب الحقوق والحريات)، “قصدت والدتي منزل جيراننا من بيت العلي، للاستفسار عما سيؤول إليه الحال، فوجدتهم خير سند لنا”، في موقف منهم يعبر عن رفضهم لأي خطاب كراهية تستعمله السلطات آنذاك، وموجه ضد أي شخص من المكون الكردي.
فيما تستحضر سهير موقف جدها، (الذي أصبح أحد وجهاء عامودا، وله كلمة نافذة بعد سنوات أثبت خلالها، أن التعايش السلمي، وحسن الجوار أحد أهم الأسباب في تغيير نظرة المجتمع تجاهه)، والذي كان إيجابياً في وأد خطاب الكراهية على أساس العرق، والإنتماء السياسي في تلك الفترة، ففي أحداث 12 آذار عام 2004 في مدينة القامشلي، والتي (انطلقت على إثر مباراة كرة القدم بين نادي الجهاد، ونادي الفتوة، حيث قام عناصر من الحكومة السورية، بقتل عدد من المشجعين دون وجه حق)، فبعد خروج مدينة عامودا الغاضبة، على مقتل أناس أبرياء في الأحداث عن سيطرة الحكومة السورية لمدة يومين، “اشتعلت نار الكراهية تجاه المكون العربي، وعناصر الأمن التابعة للحكومة السورية، لكن كان لتدخل جدي دور إيجابي في الحد منها”، تسهب في سرد الحادثة “تمكن جدي مع بعض وجهاء من مدينة عامودا، من وأد نار الحقد، وقاموا بإخراج مدير المنطقة وأسرته، وعناصر الأمن المتواجدون في المدينة، وتأمين سلامتهم، ثم نقلهم إلى مدينة القامشلي”.
يبين جوان دورهم الذي لعبوه في إحلال التعايش السلمي، ونبذ الكراهية هو بقاؤهم على طبيعتهم الإنسانية في التعامل مع الآخرين، أمر ساهم في تغيير نظرة من حولهم تجاه علاقتهم بأسرة العلي، “لم نقم بأي شي هادف نحنا كنا طبيعيين فقط، فلايمكن أن تنبذ شخصاً، أو جماعة لمجرد اختلاف لغته، أو عاداته أو تقاليده أو زيّه”، موضحاً أن تعامل جميع الأطراف بمنطق تقبّل الآخر كما هو، لن يكون مجال لنشأة وصعود خطاب الكراهية في منطقتنا.
نجحت الأسرتان في تجاوز خطاب الكراهية، وأن تكوّنان لبنة في أساس مجتمع صغير، فقد اكتسب أفرادها قيم التعايش السلمي، والإحترام المتبادل، منذ صغرهم، بدليل وجود علاقات متينة تربط بين شيب الأسرتين، وشبابها الذين تربوا على أسس التسامح، ونبذ خطاب الكراهية كما يؤكد المصدران.
*الصورة من النت